دير السلطان.. شاهد على وطنية الأقباط.. كافأهم به صلاح الدين وانتزعته إسرائيل منهم
الأنبا باسليوس يرفض مجاملة اليهود.. والبابا شنودة يمنع الزيارة.. و"تواضروس الثاني" يرفض 3 مرات
كتب - نعيم يوسف
زيارة تثير عاصفة من الجدل
زيارة الأنبا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إلى القدس لتقديم العزاء والصلاة على جثمان الأنبا أبراهام، مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى، أثارت جدلًا واسعًا، ووصفتها صحيفة "جيروزاليم بوست" -الإسرائيلية- بأنها زيارة للقدس تثير عاصفة في مصر، لافتة إلى أن البطريرك السكندري ربما يكون قد حصل على "ضوءا أخضر" من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
من جانبها شددت الكنيسة القبطية على أن الزيارة للعزاء فقط، وليس لها أي أبعاد سياسية.
قضية دينية تحكمها السياسة
بالرغم من أن زيارة الأقباط للقدس لأداء طقوس الحج، دينية بحتة، إلا أن الظروف السياسية في المنطقة تتحكم فيها بشكل كبير، بل وتتحكم أيضا في مشكلة دير السلطان، الذي انتزعته الحكومة الإسرائيلية من الكنيسة القبطية، وسلمته لشقيقتها الإثيوبية، انتقاما من مواقف الكنيسة المصرية الوطنية والمؤيدة لقضايا مصر وفلسطين.
"دير السلطان" خير شاهد على تداخل الأمور الدينية والسياسية في المنطقة، فالدير الذي حصل عليه الأقباط من صلاح الدين الأيوبي، مكافأة لهم على وطنيتهم ووقوفهم إلى جواره في حروبه، ضد الغزاة، خسروه أيضا بسبب مواقفهم الوطنية الرافضة للغزاة الجدد وهم الإسرائيليين، وفي عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حكمت محكمة القدس بأحقية الأقباط في الدير، وبالفعل حصلوا عليه وتبرع الرئيس عبدالناصر بخمسة آلاف جنية لإعادة إعماره، إلا أن الحكومة الإسرائيلية طردت الرهبان الأقباط وسلمته للأحباش، انتقاما من الكنيسة المصرية.
قرار مجمعي
في عام 1980، أصدر المجمع المقدس قرارا في جلسة 26 مارس بـ"عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، في موسم الزيارة أثناء البصخة المقدسة وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسميا لدير السلطان بالقدس، ويسرى هذا القرار ويتجدد تلقائيا طالما أن الدير لم يتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك"، وبعدها بعام -1981- نشرت مجلة الكرازة -الناطقة باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية- مقالا أكدت فيه أن "زياراتنا للقدس مرتبطة بحل مشكلة دير السلطان".
رفض التطبيع مع إسرائيل
وقالت مجلة الكرازة: "إذا كان اليهود جادين في "تطبيع العِلاقات" فليُرْجِعوا إلى الكنيسة القبطية دير السلطات المجاوِر لكنيسة القيامة في القدس، والذي اغتصبوه منها وسلَّموه للأحباش بعد نكسة يونيو 1967 م. نتيجة للموقف الوطني الذي وقفه مطراننا نيافة الأنبا باسيليوس الذي لم يجامل اليهود وقتذاك في دخولهم القدس"، وأضافت: "وحينما نستلم الدير، ستعلن الكنيسة القبطية رسميًا أنه لا مانِع من زيارة القدس. أما الآن فالكنيسة تمنع"، موضحة أن "كل الذين يفكرون حاليًا في زيارة القبر متأثرين بدعايات تقوم بها شركات سياحية، إنما يسيئون إلى الكنيسة، وإلى ملكية هذا الدير المقدس، المعبر الطبيعي لكنيسة القيامة".
عقاب السادات للبابا
أواخر الثمانينات رفض البابا شنودة الثالث الذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، لعقد اتفاقية السلام والتطبيع معها، وقد كان ذلك بداية الخلاف بين البطريرك والرئيس، جيث دفع البابا ثمن ذلك غاليا فيما بعد، حيث تمت تحديد إقامته في ديره بوادي النطرون، ومنعه من التحرك، وذلك عام 1981، عقب أحداث طائفية.
القضية مستمرة
ظلت قضية ذهاب الأقباط إلى القدس على حالها حتى السنوات الأخيرة من عصر البابا شنودة، والتي بدأ فيها بضعة آلاف من الأقباط يقومون بزيارة الأراضي المقدسة، في مخالفة صريحة لقرار المجمع المقدس، وعندما تولى البابا تواضروس الثاني، أكد سيره على نهج البابا شنودة، مشددا على عدم زيارة القدس إلا بصحبة شيخ الأزهر بعد تحريرها.
البابا الذي زار القدس للعزاء، خلال اليومين الماضيين، شدد على أنها "ليست زيارة" ولكنها مجرد "واجب عزاء"، هو نفسه الذي رفض طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن بزيارة القدس، مجددا موقفه -خلال الأيام الماضية- بعدم زيارتها إلا بصحبة شيخ الأزهر، كما رفض اليوم السبت خلال تواجده في القدس طلبا من "أبومازن" أيضا بزيارة رام الله، خلال اتصال هاتفي بينهما. مؤكدا للمرة الثالثة أنه لن يدخل رام الله أو القدس لزيارة الأماكن المقدسة إلا في صحبة شيخ الأزهر.