ماجد سوس
ما وصل اليه حال البعض في سلوكياته اليومية و الحياتية من همجية و عدم احترام للآخر لهو أمرأصبح ملموسا سواء في مصر او في التجمعات المصرية و العربية و هو أمر مخجل و محزن للغاية . فإرتبطت الهمجية بنا و ارتبطنا بها و أصبحت أسلوب حياة لدى البعض وسم بها كل المصريين بمبدأ السيئة تعم .
ولأن الأمر لا يرتبط بالمكان انما بالإنسان فصرنا حديث كل من يتعامل معنا و ظاهرة علينا ان نواجهها او نسعى لعلنا ندرك مواجهتها دون خجل او تلميع لصورتنا .
مظاهر الهمجية كثيرة جدا من الصعب الحديث عنها في بضعة أسطر و هي مرتبطة بتعاملتنا اليومية و سلوكنا في كافة مجالات الحياة ، و إليك بعض الأمثلة سواء في المجتمع او حتى داخل كنائسنا.
حينما اخذت اسرتي في رحلة الى مصر و في زيارتنا الى أحد الأديرة العامرة وقفت ابنتي ذات الثامنة عشر ربيعا لتنال بركة جسد أحد القديسين فوجدت أناس ملتفين حول مقصورة الجسد الطاهر فإنتظرت حتى يأتي دورها لتنال البركة و لكنها انتظرت كثيرا لأن الناس يأتون من كل إتجاه و لا يبالون ان هناك من جاء قبلهم فتعجبت و تساءلت كيف يحدث هذا في بيت الله و لماذا لايقفون طابورا واضطررت ان أخذ يديها وأشدها لاضعها على الجسد لتستطيع ان تلمسه.
المثال الثاني لكاهن وجد طفلا يجلس بجانب والده يمزق كتاب الخولاجي المقدس صفحة بصفحة أثناء القداس و الأب لا يبالي بذلك و حين سأله لماذا تترك ابنك يفعل ذلك بالكتاب فأجاب الأب حتى يبقى هادئا ثم انفعل الأب قائلا ، يعني بكام الخولاجي ده هدفع تمنه.!!
المثال الثالث ماحدث في وجود قداسة البابا من تزاحم و تراشق الألفاظ بين البعض دون الإلتزام بالمظهر الروحي كشعب المسيح بل والحضاري كمصريين مهاجرين وجب علينا ان نكون صورة مشرفة للوطن ، ففي احدى اللقات التي تشرفت و تباركت بحضورها كان يجلس بجانب قداسة البابا أعضاء من الحكومة الأمريكية من رؤساء الأحياء و أعضاء المجالس النيابة و القنصل المصري و بدأ عزف السلامين الجمهوريين للولايات المتحدة و لجمهورية مصر فوجدت ان نفر قليل فقط احترموا السلام الوطنى واقفين ثابتين صامتين ، أما الغالبية فكانت تتحرك و تتكلم بصوت عالي حتى أنني كدت ان افقد عقلي و انا احاول بلا جدوى لإيقاف من حولي احتراما للدولة التي يعيشون فيها و للوطن الغالي و نظرت إلى المسئولين الأمريكين الموجودين بالمكان و هم ينظرون لتلك الهمجية التي لم يعهدوها من قبل في ذهول ربما مع أي جالية اخرى و تخيلت صورتنا التي انطبعت داخلهم .
هناك أمثلة أخرى كثيرة سواء بعدم وقوفنا في هدوء في طابور صامت داخل الكنيسة في اثناء التناول او في نهاية الصلوات او اثناء نوال لقمة البركة أو الخروج من الكنيسة . أو ظاهرة الحديث داخل الكنيسة قبل أن يعطي الكاهن البركة الرسولية أو التكلم بصوت عالي بعدها و نحن لازلنا أمام هيكل الرب و في بيته ، كما ان هناك ظاهرة أخرى تحدث اثناء قراءة الأنجيل المقدس حين يتحرك البعض او يسير متجها الى احدى المقاعد دون المبالاة ان المسيح بنفسه يرسل رسالة القداس لشعبه من خلال آيات الإنجيل لذا فقد كانت الكنيسة في عصورها الأولى توقف شماسا خارج باب الكنيسة يمنع دخول المصليين حتى ينتهي القاريء من قراءة الإنجيل أما الآن على الأقل اذا دخلت الكنيسة يا عزيزي و وجدت الإنجيل يقرأ لاتذهب لمكان لتجلس بل قف في مكانك عند مدخل الكنيسة حتى نهاية القراءة و علّم هذا لغيرك ولأولادك و كن قدوة و أبدأ بنفسك.
وبالطبع ستجد نفس الهمجية و أكثر منها خارج الكنيسة في مجتمعاتنا و في تعاملاتنا اليومية سواء في أعمالنا أو الكلام بصوت عالي أم ارتفاع صوت الموسيقى أو أرتفاع أصواتنا في اجتماعتنا و حفلاتنا دون مراعاة للمرضى و الجيران أو إلقاء القمامة من شباك السيارة اوفي قيادة السيارات في المجتمعات العربية دون التقيد بقواعد المرور أو في عدم احترام المواعيد و كسر العهود و الوعود وغيرها من سلوكيات تسربت الى داخلنا سنوات و سنوات و سلمناها لأولادنا دون أن ندري أن هذا ضد الإنسانية بل ضد تعاليم المسيح و إبداعة في خلق طبيعة بديعة نظيفة .
فهل هناك من حل لتلك الهمجية المستشرية و الإنحدار الخلقي الذي أصاب المجتمع كظاهرة التحرش الجنسي مثلا أو عدم إحترام الصغير للكبير أو ظاهرة إنتشار الألفاظ البذيئة بين الشباب وغيرها مما أصاب المجتمع التي وصلنا إليه من حالة مذرية ؟
قد طرحت هذا التساؤل على قداسة البابا يوما فأجابني بأن المشكلة تكمن في السلوكيات التي أصابة المجتمع نتيجة لفساد المنظومة التعليمية في مصر منذ خمسون عاما فقدنا فيها سلوكيات أجيال و أصبحت وزارة التربية و التعليم تخرج أجيالا بلاتربية و بلاتعليم و بالطبع لانحمل هذه الوزارة بمفردها ما وصلنا إليه بل يشترك معها الإعلام و الصحف و الأفلام و المسرحيات و الأندية و مراكز الشباب و المساجد و الكنائس.
حتى أكون عملياً ولأن الموضوع جد كبير و خطير سأقدم ورقة عمل خاصة بالكنائس و الأديرة وهي تتطلب من الآباء الآساقفة الكهنة و الرهبان والشمامسة و الخدام و الخادمات ، التركيز في الفترة القادمة على تعليم و تدريس السلوكيات سواء من خلال العظات الإسبوعية و المحاضرات و مدارس الأحد وشرح أبعاد المشكلة نظريا و عمليا و التوقف فترة عن العظات الروحية حتى نسمو بسلوكياتنا ومن خلال وضع خدام و شمامسة و شماسات و متبرعين بالمساعدة في هذا المجال تكون مهمتهم تنظيمية تهذبية في كافة الأمور لفترة ممتدة طويلة بعض الشيء حتى نتعلم نحن و نعلم أولادنا أن التحضر و الرقي في سلوكياتنا لايقل عند الله من العظات الروحية و الصلاة و أنظروا كيف استطاع الكاثوليك زرع سلوك انضباطي يظهر في توقير كنائسهم من الداخل .
فإلهنا إله نظام و ترتيب سواء في نظام السماء و الخدمة فيها الواضح لنا في سفر الرؤيا و سواء النظام البديع الذي وضعه في الشريعة الموسوية و في هيكله بل أكثر من هذا أنظروا ماذا فعل السيد االمسيح حينما اجلس الشعب خمسين خمسين ليوزع عليهم الغذاء بنظام و ترتيب . انظروا حزنه على هيكله حينما وجد باعة الحمام و الصيارفة داخل الكنيسة يبيعون و يشترون فطردهم و ضربهم بالسياط
الموضوع جد خطير و يحتاج الى تضافر الكل معا راعي و راعية ولأن شعبنا المسيحي يحب رعاته و يسمع لهم و يحترمهم لذا فأرجو من الرعاة خاصة و من الجميع عامة العمل على إنجاح ارساء قواعد النظام و الإحترام و قبول الآخر . على الأديرة مثلا أن تضع أب راهب في المزارات و أماكن التجمعات ليلزم الناس الوقوف في طابور و بهدوء أمام أجساد القديسين و يكون هذا لمدة عام على الأقل أو أكثر حد يتم ترسيخ هذه العادات و السلوكيات في ضمير الإنسان ، ولا يمكن التذرع بأن هذا ليس من شأن الراهب او الكاهن لأنه بالفعل شأنهم و قد ترك يسوع خدمته ووداعته المعهودة و قلب موائد الصيارفة ، فتنشأة الشعب على النظام هي درجة عليا من درجات العبادة فاللاهمجية مسئولية كل مؤمن .
كان قداسة البابا كيرلس شديد الإهتمام بإحترام المكان و الملبس و قد ألغى في عهده ممارسات خاطئة في الموالد كانت تمارس داخل صحن الكنيسة بل و على المذبح نفسه . و أتذكر حادثتين معي شخصيا مع المتنيح الأنبا تيموثاوس حينما كان نائبا بابويا للإسكندرية فقد كان يحب النظام في كل شيء فقد تأخرت عن ميعادي معه خمس دقائق فرفض الذهاب معي للكنيسة لأنني لا احترم مواعيدة و مرة اخرى كتبت احدى الكنائس في اعلاناتها ان عشية ليلة عيد أحد القديسين تنتهي في الساعة التاسعة و حين جاءت التاسعة و لم تكن العشية قد انتهت أمسك نيافته بالميكروفون و قطع الصلاة و قال بصوته الجهوري أمين الليلويا ( لحن الختام) و قال عليكم ان تحترموا كلمتكم . و ذهبت يوما الى احد الكنائس في الخارج ووجدت الأسقف ينتظر خارج الكنيسة لأنه اتى في ميعاده و لم يجد احد !!
على اباءنا الأساقفة و الكهنة و الخدام ان يكرسوا وقتا كبيرا لتدريب الشعب و الشمامسةعلى النظام و الإلتزام فعلى الكاهن ان يوقف قراءة الإنجيل اذا لم يقف كل افراد الشعب دون حراك حتى يتعلم الجميع هذا و عليه ان يمنع الشعب من الإلتفاف حوله دون الوقوف في صف و احترام كبار السن و احترام اسبقية الوقوف و الحديث داخل الكنيسة يكون بالإشارة و ان لزم الأمر يكون بالهمس حتى بعد انتهاء القداس الإلهي هكذا تفعل كنائس العالم أجمعه .
المسيحي يجب ان يكون قدوة للمجتمع في كل تصرفاته و تحركاته و وعوده لئلا يدخل المسيح هيكله و يطردنا كما طرد باعة الحمام و الصيارفة .