صلى على النبى.. ما تصلى.. طب زيد النبى صلاة.. هكذا اعتدنا أن نردد فى جلساتنا وتنادمنا حباً وكرامة للرسول وزيادة فى الذكر، حتى إخوتنا فى الوطن لم يسلموا من ترديد تلك العبارات معنا بروح الود الفطرى بيننا.. فكانت صيحتنا «والنبى يا جورج» لصديقنا فى المدرسة مصدر تندُّر ودعابة الكبار، والعجيب أن جورج كان يتراجع عن الرفض ويستجيب فوراً للطلب المقرون بشفاعة النبى.
وكبرنا وكبرت معنا ثقافتنا الدينية، وأصبحت من وسائل الضغط الأدبى والمعنوى على شعب متدين بفطرته.. شعب كان أول من نادى بالتوحيد وتفنن فى صياغة طقوس العبادة وآدابها.
وعندما اخترقت حياتنا وسائل التكنولوجيا الحديثة وعشنا فى عالم افتراضى لم نساهم فيه سوى بتحقيق أعلى معدلات الاستهلاك لم نتورع أن نضع (التاتش بتاعنا).. فكانت تلك الرسائل التى تبدو للوهلة الأولى انعكاساً لتراثنا الدينى العريق، ولكن واقع الأمر أننى أظنها مؤامرة شديدة الخبث على الإسلام لتصدير الإسرائيليات والتشيع والأحاديث والقصص المغلوطة.. وتحويل الدين إلى دروشة جوفاء بلا فعل.. كضجيج بلا طحين.
فذلك المجهول الذى يطلب منك بإصرار، عبر رسالة نصية، أن تعده أولاً ثم يطالبك بالوفاء بالوعد الذى قطعته على نفسك للتوّ وإلا... ويتمادى بترويعك وإغرائك بأن رجلاً فعلها فحدثت له مفاجأة سارة وآخر لم يفعلها حصلت له مصيبة على دماغه ودماغ أهله.. فى محاولة ابتزاز عجيبة لمشاعرنا الدينية، فترسل صاغراً نفس الطلب بالصلاة على النبى لعشرة أفراد لتبدأ السلسلة حتى يختفى ذلك الشبح ونصبح نحن من يمثل ذلك التهديد لأصدقائنا ومجتمعنا. وما استوقفنى حقاً وجعلنى أتساءل:
■ أننى لم أجد حملة واحدة لإماطة الأذى عن الطريق وسط آلاف الحملات للصلاة على النبى نرسلها ونحن نجلس فى الطرقات القذرة.
■ لم أجد حملة «هيا بنا نعمل» إعلاء للواء دينٍ العبادةُ الأولى فيه هى العمل، والعامل فيه مفضل على العابد، كما أعلنها الرسول الكريم للأخوين اللذين كان أحدهما يعمل والآخر يتعبد.
■ لم أجد حملة واحدة للإتقان طمعاً فى محبة الله (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) وسط حملات الدعاء بصلاح الحال نرسلها ونحن متقاعسون منشغلون عن أداء أعمالنا بالنظر بشاشاتنا المضيئة.. والنتيجة حال بلدنا.
■ لم أجد حملة لنشر محبتنا لأهل الذمة تماشياً مع وصية الرسول الكريم.. وعلى مرأى الجميع يرتكب داعش أقذر الجرائم فى حق الذميين العزل. وسط حملات الاستغفار.
■ لم أجد حملة لمساعدة الجار الفقير تنفيذاً لقول الرسول الكريم (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم).. وسط صخب حملات «سبحان الله».
■ لم أسمع حتى عن حملة «الكلمة الطيبة صدقة» نهديها لعشرة ممن حولنا، لصديق أو زميل أو حتى عابر سبيل لإفشاء السلام فى مجتمع امتلأ بالبغض والحقد والأنانية والغيرة.. وسط حملات الاستغفار.
■ لم أسمع عن حملة للتزود بالعلم ولو صفحة واحدة فى اليوم تنفيذاً لأول أمر إلهى فى الإسلام (اقرأ) وسط حملات إرسال أدعية ستعجز عن عدِّ حسناتها الملائكة لسنوات.
وقد خاب أملى كثيراً فى دور فعّال للأزهر الشريف بالتراخى فى أداء واجبه الوطنى والتنويرى بعد رفضه شفاء غليل المسلمين حيال داعش وأمثالهم والوقوف لهم بالمرصاد.. لتأتى المبادرة من هيئة الفتاوى بالمملكة السعودية بأن تلك الرسائل (انشر تؤجر، لا تقف عندك، بذمتك، أمانة، أو ستسمع خبراً ساراً، أو لتكسب حسنات انشرها بقدر حبك، حملة الاستغفار، إذا ما قدرت تنشرها اعرف ذنوبك مثقلة عليك، اعرف أن الله غنى عنك، أو الشيطان هو من منعك، أو انشرها وراح تسمع خبر حلو أو أى شىء من هذا القبيل) هى بدع ويجب حذفها.
وقد أثلجت صدرى الفتوى الشجاعة، فكثير من قصص تلك الرسائل ضد المنطق السوى والمعلوم بالضرورة من الدين واستخفاف بالعقول.
وكأن أيدٍ خفية تحاول العبث بعقيدتنا، فإذا نشروها فى السنة الأولى والثانية والخامسة إلى أن يتقبلها الناس، فيأتى أجيالٌ بعدنا فيقولون آباؤنا كانوا يتناولونها بينهم فيعتمدون مصدرها من الكتب المضلة، زاعمين أن هذا الكتاب عند أهلنا معتمد، ونكون نحن من أفسدنا عقيدتنا بأيدينا.
فاحذر يا أخى أن تفرغ طاقتك الإيمانية فى الضغط على زرّ بشاشة مضيئة لن يُطعم جائعاً ولن ينهض بأمة، بل يحقق مخططات لا ندرك أبعادها ويضيع وقتك ويُشعرك افتراضياً بوهم أنك فعلت شيئاً، بينما أنت لم تفعل أى شىء.
نقلا عن الوطن