يمتلك تنظيم «داعش» القدرات الاستراتيجية أو التكتيكية التى تمكنه من استهداف إسرائيل، ولا يبدو أن منهجه وخطابه يستبعدان تلك الدولة من بين الدول التى يستهدفها ويعاديها.. لكنه لا يفعل. وباستثناء تهديد غائم ومقتضب قبل شهر، لم تكن إسرائيل على لائحة خطاب «داعش» وتهديداته المتكررة.
لماذا لا يضرب «داعش» فى إسرائيل؟
لا أحد يجيب.
لقد انتفضت دول العالم الغربى بشدة فى أعقاب هجمات باريس المروعة، وراحت تبحث فى وسائل الحد من قدرة «داعش» على اختراق أمنها، ولذلك فقد خرجت معلومات عديدة للعلن.
بعض تلك المعلومات كان معروفاً من قبل، وبعضها كان مجهولاً تماماً، لكن وضع المعلومات المتوافرة كلها بجانب بعضها البعض يعطى للمشهد معنى وسياقاً.
من بين المعلومات المتوافرة من مصادر عديدة متطابقة أن عدد الغربيين (أو حاملى جوازات السفر الغربية) المنضمين إلى «داعش» والمقاتلين فى صفوفه فى سوريا والعراق، يتراوح ما بين 2000 و3000 مقاتل.
تفيد المعلومات بأن السلطات الغربية تعرف هؤلاء «الدواعش» والمتعاطفين معهم وترصدهم وتراقب تحركاتهم.
وتحفل وسائل الإعلام العالمية بالكثير من القصص المشوقة التى يحكيها مواطنون غربيون عادوا للتو من مناطق «الدولة الإسلامية»، وينقل «يوتيوب» تلك القصص، ويمكن بتحليلها التعرف على عدد من العناصر المشتركة.
أول هذه العناصر يتلخص فى أن كل هؤلاء دخلوا إلى أراضى «داعش» عن طريق تركيا، وثانى هذه العناصر أن تجنيد معظمهم تم عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
تركيا جزء من التحالف الدولى ضد «داعش»، لكن أحداً من أعضاء التحالف لا يسألها عن الإجراءات التى تتخذها للحد من تدفق المقاتلين على هذا التنظيم عبر أراضيها.
إن «داعش» يمتلك أسلحة وأموالاً سائلة ضخمة ويحصل على حاجاته وحاجات السكان الواقعين تحت سيطرته بسهولة شديدة.
يبيع «داعش» نفطاً بما يتراوح ما بين 2 و4 ملايين دولار يومياً، بما يؤمن له دخلاً شهرياً يفوق الـ100 مليون دولار.
لكن السؤال هو: لمن يبيع «داعش» نفطه؟
الجميع يعرف لمن يبيع «داعش» نفطه.. وأخيراً تجرأت روسيا على اتهام تركيا علناً بذلك، بعدما أسقطت أنقرة طائرة حربية روسية.
لا أحد يستنكر قيام بعض أعضاء التحالف ضد «داعش» بشراء النفط منه.
فى أعقاب هجمات باريس، أعلنت مجلة «دير شبيجل» الألمانية أن لدى «داعش» 46 ألف حساب على موقع «تويتر»، وأنه يذيع نحو ألف شريط فيديو على شبكة «الإنترنت».
وفى غضون ذلك، صوّت مجلس النواب (البرلمان) العراقى بالإجماع، يوم 19 نوفمبر الماضى، على حظر مواقع «داعش» المختلفة على الشبكة العنكبوتية، كما أعلن موقع «تلجرام» الروسى حظر حسابات التنظيم والحسابات المرتبطة به.
إن هذا الأمر مثير للاهتمام حقاً، إذ يبدو أن الجميع يعلم أين يوجد تأثير «داعش» وعناصره وصوته وخطابه، لكن لا أحد يهتم بحجب هذا الصوت أو إسكاته طالما أنه لم تقع ضربات فى قلب عاصمة أوروبية.
تشير تقارير كثيرة إلى تمويلات ومعدات تأتى إلى «داعش» من دول فى المنطقة، لكن أحداً لم يطلق عملية واسعة لتعقب تلك التمويلات أو تجفيف منابعها حتى اللحظة الراهنة.
سيعزز هذا من فكرة أن العالم يريد أن يحتوى «داعش» من دون أن يقضى عليه، وهو الأمر الذى بدا واضحاً على أى حال فى خطاب «أوباما» حيال التنظيم، كما يظهر كذلك فى خطة التحالف الدولى وطبيعة الموارد ووتيرة الاستهداف التى حددها للتعامل معه.
إن العالم لا يظهر جدية كافية لإنهاء «داعش»، وما يثور عن «حرب» تستهدف هذا التنظيم يبدو محل شك عميق.
نقلا عن الوطن