مجدى جورج
التفاؤل سمه جميلة في الانسان ولكن الاغراق فيه هو بعد عن الواقع ودفنا للروؤس في الرمال وهذا ليس الطريق الافضل لعلاج أمراض المجتمع والناس ، أقول هذا بمناسبة تهليل البعض لوصول ٣٦ نائبا قبطيا الي مقاعد البرلمان في سابقة تاريخية لم تحدث ربما من قبل ، وياليت المهللين هللوا للعدد فقط ، لا ولكنهم أضافوا ان هذه النتيجة تدل علي ان مجتمعنا تخلي عن طائفيته وان مصر بتتغير علي حد قولهم وان مزاج الشارع المصري تغير.
فهل صحيح ان مصر بتتغير ؟
وهل اصبح مجتمعنا اقل طائفية عن ذي قبل ؟
ام لازالنا نسبح في ماء الطائفية الآسن ؟
وللإجابة علي كل هذا نقول :-
اولا ان وصول هذا العدد من الاقباط ٣٦ نائبا للبرلمان في ظل مجلس نواب سيصل تعداده الي ٥٦٨ نائب منتخب هي نتيجة لا تستحق كل هذا التهليل لان نسبة الاقباط في المجلس بهذه النتيجة لن تتعدي ٦٪ وهي وان كانت افضل من السابق الا انها ليست هي النتيجة المأمولة والمرتجاة والتي تدل علي انتهاء الطائفية في مجتمعنا فنسبة الاقباط لإخوانهم المسلمين لا يمكن ان تتدني لمثل هذا الرقم .
ثانيا ان جل هذا العدد (٣٦) تم انتخابهم بنظام القوائم حيث تم انتخاب ٢٤ نائبا قبطياً علي قائمة في حب مصر وهذا النجاح للنواب الاقباط في نظام القائمة لا يعود الفضل فيه إطلاقا لمزاج الناخب واختياره ، بل الفضل يعود فيه علي المشرع الذي الزم كل قائمة بضرورة احتوائها علي عدد محدد من الاقباط (١٢) .
ثالثا يتبقي ١٢ نائبا تم انتخابهم بالنظام الفردي فإذا نظرنا للنسبة والتناسب ايضا لخذلتنا النتائج ، فالنظام الفردي هو المهيمن الان حيث ان القوائم لا تمثل الا ١٢٠ نائب ، والباقي بالنظام الفردي الذي يستحوذ علي ٤٤٨ نائب ووصول ١٢ قبطيا منهم للبرلمان يعني نسبة ٢،٦٪ وهي نسبة لا تبعد قليلا عن النسب التي كان يمثل بها الاقباط ايام المخلوع مبارك وهي نتيجة لا تستحق التهليل ولا القول اننا نتجه الي مجتمع لا طائفي .
رابعا اذا نظرنا الي محافظات المرحلة الاولي والتي أظن انها ذات كثافة قبطية معقولة الي الي حد ما كألمنيا وأسيوط وسوهاج والإسكندرية والبحيرة وبني سويف والفيوم والجيزة ، فإذا تأملنا النتائج هنا لخذلتنا النتائج بشدة ايضا لان هذه المحافظات ممثلة بعدد ٢٢٦ مقعد وفوز ٣ اقباط منهم يعني نسبة ١،٣٪ وهي لاتدل باي حال من الأحوال علي اننا تخطينا الطائفية قيد انملة .
خامسا لو نظرنا بتفصيل اكثر للمرحلة الاولي ونتائجها سنجد ان عدد المرشحين بها كان ٢٥٤٩ مرشحا تنافسوا علي ٢٢٦ مقعدا حسمت منها ٤ مقاعد من الجولة الاولي ودخل جولة الإعادة ٤٤٤ مرشحا للتنافس علي ٢٢٢ مقعدا . كان من بينهم ٢٤ مرشحا قبطيا وسبب نجاحهم في الوصول للإعادة هو كثافة عدد المرشحين (٢٥٤٩) وبالتالي تفتت الأصوات مما أوصل هذا العدد من الاقباط وقد استبشر البعض خيرا بهذا العدد وتوقعوا فوز العديد منهم، ولكن لم يفز منهم الا ثلاثة فقط إحد هؤلاء الاقباط كان ينافس قبطي اخر ( دائرة ملوي) والآخر لواء بمحافظة أسيوط وثالثهم فاز في العمرانية لان المرشحة التي كانت أمامه هي زوجة القيادي الاخواني عصام العربان ، فرغم ان اغلب المرشحين الاقباط الذين وصلوا للإعادة كانوا في مناطق ذلت كثافة قبطية ولكن الدعاية الطائفية المضادة كانت سببا في فشل اغلبهم في الوصول للبرلمان .
سادسا اذا وصلنا للمرحلة الثانية فإننا نجد ان الكثيرين قد هللوا لفوز د. سمير غطاس من الجولة الاولي في مدينة نصر وقالوا انه اول قبطي يتمكن من تحقيق هذا الإنجاز وباصوات المسلمين في هذه الدائرة التي لا توجد بها كثافة قبطية ، وهنا فإننا وان كنا لا نستطيع ان نقلل من حجم هذا الإنجاز الا ان هذا الإنجاز مرتبط بالشخص الذي حققه وبالدائرة التي فاز بها ، فسمير غطاس (واسمه الحركي محمد حمزة منذ انضمامه لإحدي جماعات المقاومة الفلسطينية) شخصية إعلامية شهيرة جدا ويرأس منتدي الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية ، ومعادي بشكل كبير جدا لحماس ولكل الجماعات الجهادية ولذا فان ترشحه في مدينة نصر جاء موفقا جدا فهذه الدائرة اغلب سكانها من الطبقة المتوسطة المتعلمة تعليما جيدا وسكانها هم الذين عانوا اكثر من غيرهم من عنف الاخوان والسلفيين في اعتصام رابعة ولذا فانه من المتوقع ان يختار ناخبيها شخص مثله لا يخفي عدائه للاخوان ولكل من سلك سلوكهم . وأي قبطي اخر كان سيرشح نفسه في هذه الدائرة ماكان سيلاقي نفس هذا النجاح .
سابعا يتبقي لنا ٨ نواب اقباط فازوا في جولة الإعادة في المرحلة الثانية فإذا تأملنا أسمائهم ودرائرهم لأدركنا اسباب نجاحهم ومنها :-
ان جميعهم نجحوا في القاهرة وهي تمثل قمة الحضر ومن المعروف ان الحضر نسبة عزوف الناخبين فيه كانت اعلي بكثير عن الريف خصوصا في هذه الانتخابات مما ابطل الدعاية الطائفية المضادة او خفف كثيراً من حدتها .
ومنها ان اغلب من نجحوا نجحوا في دوائر ذات كثافة قبطية سواء في شبرًا ام في عين شمس او في الجمالية ومنشية ناصر وهذا سهل نجاحهم .
ومنها ايضا انهم اسماء معروفة في دوائرهم عدلي الاقل بالنسبة للكتل القبطية التي تسكن هذه الدوائر، كما ان اغلبهم له ظهور إعلامي بطريقة او باخري في الميديا عموما وفي الميديا المسيحية خصوصا، كايليا باسيلي ابن د . ثروت باسيلي ، المحامي والناشط الحقوقي ثروت بخيت ، الشاب جون طلعت .
ان نجاح ١٢ قبطي في الوصول للبرلمان بالنظام الفردي ليست النتيجة التي نهلل لها لكل ماسبق بالاضافة الي ان جلهم من القاهرة (٩نواب) والباقي واحد من أسيوط والثاني من المنيا والثالث من الجيزة وهذا في حد ذاته خلل رهيب جدا حيث ان هناك ٢٣ محافظة اخري لم يستطع اي قبطي فيها من الفوز بمقعد برلماني .
ياسادة ان نجاح ٣٦ قبطيا في الوصول للبرلمان قد يعطي بارقة أمل بان التغيير ليس ببعيد ولكنه لا يعني إطلاقا ان التغيير قد حدث وان مزاج الناخب والشارع المصري قد تغير ، فعملية التغيير تلك والقضاء علي الطائفية تحتاج اولا للإدراك اننا نعاني من هذا المرض حتي نستطيع ان نصف روشته لعلاجه وهذا العلاج يتطلب عمل جبار في الاعلام والتعليم والثقافة والخطاب الديني والي ان نتمكن من تغيير كل هذا فإننا لن نضكك علي انفسنا بل سنظل نقول ان مجتمعنا لازال يعاني من المرض .
Magdigeorge2005@hotmzil.com