بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(564)
كلنا عرفنا المستشارة تهاني الجبالي منذ سلطت عليها الأضواء بتعيينها قاضية لتكسر بذلك احتكار الرجال لمناصب القضاء,والكثيرون مثلي لم يخفوا إعجابهم بها وتابعوا بشغف أداءها في منصبها معتبرين أن عليها تقع مسئولية فتح الطريق لتحذو المرأة المصرية حذوها في اقتحام منصة القضاء ومناصبه القيادية.
كان ذلك في عهد نظام مبارك وفي سنواته الأخيرة قبل أن تندلع ثورة 25يناير 2011 وتدور الأحداث بسرعة ليختطف الإخوان المسلمون الثورة ويشنون حملتهم الشعواء لأخونة مصر,الأمر الذي جعل كثيرا من القيادات والرموز الفكرية والسياسية تنتفض لفضح ذلك المخطط والاحتجاج عليه…وكانت من بين هؤلاء المستشارة تهاني الجبالي التي لم تمنعها صفتها القضائية من التصدي للإخوان وأظهرت شجاعة ملفتة في التعبير عن موقف مناوئ لتلك السلطة الغاشمة التي حلت بمصر وتعيث فيها فسادا حتي باتت هذه المستشارة القاضية تحتل مرتبة متقدمة في القوائم التي أعدها الإخوان للتنكيل بها والخلاص منها.
لم ترهب تهديدات الإخوان المستشارة تهاني الجبالي ولم تثنها عن عزمها الدفاع عن كل ماتمثله في موقعها:كرامة المرأة المصرية ومكتسباتها التاريخية ومكانتها في المجتمع واقتحامها مؤسسة القضاء في مراتبها القيادية,علاوة علي حريتها في التعبير عن نفسها وفي تحديد ملبسها وشكلها حتي وإن تعارض مع ماينادي به تيار سلفي رجعي يبغي إعادة مصر إلي عصور التخلف والظلام.
في هذا الصدد أبلت تهاني الجبالي بلاء حسنا ولفتت الأنظار إلي مواقفها الصلبة وآرائها التنويرية ولم تتردد في الظهور إعلاميا في الصحافة المقروءة أو الإعلام المرئي حتي إني-وأظنني لم أكن وحدي في ذلك-لاحظت أنها تلتحف بمسحة سياسية تتجاوز اعتبارات المنصب القضائي المرتكن للصمت والوقار والابتعاد عن معترك الصراعات السياسية….لكن ها هي تهاني الجبالي تسرف في المشاركة السياسية وفي تبني مواقف إصلاحية معارضة لتيار الإسلام السياسي المستولي علي مصر,حتي إني بدأت أتساءل:لماذا لاتخلع رداء القاضية وتتقدم إلي الساحة السياسية وتشكل حزبا يعبر عن آرائها ومواقفها؟…إنها قادرة علي اجتذاب الكثيرين من مؤيديها وسوف تكون تلك الخطوة لها مدلولاتها المهمة في اقتحام هذه المرأة مجال قيادة العمل الحزبي والسياسي بعد اقتحامها المناصب القيادية في القضاء.
وقد كان…تركت تهاني الجبالي سلك القضاء وانضمت بعد ثورة 30يونية 2013 إلي العمل السياسي والحزبي وأظهرت فيه قدرات طيبة أهلتها للصعود بسرعة إلي مراتب القيادة,وعندما حلت ساعة الاستعداد للانتخابات البرلمانية وانطلقت مساعي تشكيل تحالفات انتخابية بين الأحزاب والرموز السياسية نشطت مجموعة تهاني الجبالي-هكذا كان يشار إلي قائمة التحالف الجمهوري التي تتزعمها-واستطاعت أن تتجاوز الصراعات والعراقيل وتصمد أمام التشرذم الحزبي والسياسي وأصبحت واحدة من القوائم الانتخابية التي تجتذب الناخبين ويراهن عليها الكثيرون.
ثم جاءت الصاعقة…المستشارة تهاني الجبالي تفجر قنبلة باتهام قيادات في القائمة المنافسة في حب مصر بالفساد والخيانة وأنها تمتلك الأدلة علي سفرهم إلي الكويت ولقائهم بقيادات في جماعة الإخوان المسلمين وحصولهم علي تمويل مشبوه من الجماعة!!!!…
وعقدت المفاجأة لساني…ليس لما تناله من شرف ونزاهة ووطنية الرموز التي أسندت إليها الاتهامات,فهم يمتلكون رصيدا كبيرا ينأي بهم عن أي تخوين أو عمالة أو فساد,لكن المفاجأة الصاعقة كانت عن السبب في إقدام تهاني الجبالي علي تلك الفرقعة الخطيرة وهي القاضية التي لاتعوزها الحكمة والبصيرة…هل تخلت عن وقارها أمام وطأة التنافس الانتخابي؟….لكن كيف تصورت أنها بذلك تستطيع أن تعصف بمنافسيها وتتقدم علي أشلائهم نحو الفوز؟…هل قامت باستشارة رفقائها الحزبيين والسياسيين وزملائها في قائمتها الانتخابية قبل الإقدام علي هذه المغامرة الانتحارية؟!!
وكما توقعت ارتدت الضربة السياسية التي أرادت تهاني الجبالي توجيهها إلي منافسيها لتنفجر في وجهها,وتابعت علي المستوي الشعبي والسياسي والإعلامي ردود أفعال تتفاوت بين الصدمة والاستنكار والرفض لاستخدام تلك الأدوات لتحقيق مكاسب انتخابية,وطبعا كان ذلك ممزوجا بالدهشة لصدور الضربة من شخصية لها احترامها وتقديرها لدي الكافة….وكانت النتيجة الحتمية نفي القيادات المتهمة بالخيانة من قائمةفي حب مصر التهم المنسوبة إليهم وتلويحهم بملاحقة المسئول عن ذلك قضائيابتهمة القذف والتشهير السياسي…وأسفرت نتيجة انتخابات المرحلة الثانية عن فوز قائمةفي حب مصر بمجموع القائمتين-(45+15) مقعدا-من الجولة الأولي,الأمر الذي علق عليه أحد المتخصصين المتابعين لنتائج التصويت قائلا:هذه النتيجة تؤكد ثقة الناخبين في قيادات ورموز تحالففي حب مصر,كما أنها لاتخلو من شبهة وجود ما يطلق عليهالتصويت العقابي حيث يتحول جزء من مؤيدي قائمة التحالف الجمهوري علاوة علي من لم يحسموا أمرهم قبل الانتخابات للتصويت لصالح قائمة في حب مصر.
ويبقي التساؤل عما فعلت تهاني الجبالي….هل هو مغامرة غير محسوبة….أم فرقعة انتخابية…أم انتحار سياسي؟!!