الأقباط متحدون - استِشْهَادِ البَابَا بُطرُس اﻟ ١٧ (خاتم الشهداء)
أخر تحديث ٠٨:١٠ | الأحد ٦ ديسمبر ٢٠١٥ | ٢٦ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٦٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

استِشْهَادِ البَابَا بُطرُس اﻟ ١٧ (خاتم الشهداء)

استِشْهَادِ البَابَا بُطرُس اﻟ ١٧ (خاتم الشهداء)
استِشْهَادِ البَابَا بُطرُس اﻟ ١٧ (خاتم الشهداء)

 بقلم : القمص أثناسيوس چورچ

تمر سبعة عشر قرنًا على استشهاد القديس "بطرس خاتم الشهداء البابا اﻟ ١٧" في عداد باباوات الكنيسة القبطية... الذﻱ قاد الكنيسة في زمن الاضطهاد والهرطقات والاستشهاد، ناظرًا إلى احتياجاتها، مدبرًا لها دون أن يتوارَى حتى نال إكليل الشهادة سنة ٣١١م
وُلد في عيد الرسل وتسُمِّي على اسم بطرس أول الرسل، وتأهل بالتلمذة على يد "البابا ثاؤنا" وبالدراسة؛ حتى صار عميدًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وقد لُقب بالمعلم البارع في المسيحية، وحباه الله بمواهب الشفاء وإخراج الشياطين. 
هذا ويذكر التاريخ أن السيد الرب ظهر للبابا ثاؤنا؛ عند انتهاء أيامه وأخبره (يا ثاؤنا؛ أيها البستاني للحديقة الروحية كنيسة الله، لا تخف على البستان... لأن بطرس سيرويه من بعدك... وتعالَ أنت لتسترح مع آبائك).
 
لقد توسم فيه غزارة العلم وطهارة القلب، فأحبه واحتفظ به طرفه كإبن محبوب؛ وأرسله إلى المدرسة اللاهوتية بالإسكندرية، ورسمه قارئًا ليحفظ ويدرس نصوص العهدين عن ظهر قلب؛ ثم بعد أن رقد البابا ثاؤنا بسلام صار "بطرس" بطريركًا في وقت انفجرت فيه موجة اضطهاد قاسية بدأها دقلديانوس (٣٠٣ م)، فواجه في حبريته نتيجة لذلك مشكلة عودة الجاحدين إلى الإيمان من أولئك الذين سبق وقدموا السجود للأوثان... ولأجلهم وضع القوانين المعروفة بمجموعة القوانين الكنسية  Nomo-Canon، νομο-κάνων، وواظب أيضا على إرسال الرسائل الفصحية. 
 
وقد اشتهر باعتداله جامعًا بين الأبوّة والحزم، فاتحًا أبواب التوبة والرجوع لأولئك الذين ضعفوا تحت الضيق، شريطةً أن يُظهروا ثمر الإيمان والتوبة اللائقة. كذلك أعطى قانون توبة للغافلين والنائمين، وعامل الرعية بالرحمة والأخوّة، وطبّق القوانين على أساقفة الكراسي والإكليروس. 
 
اتفقت قوانينه مع المبادئ الأساسية للكنيسة الأولى التي لا تشجع على الاندفاع والتهوُّر وأعمال الإثارة؛ لأن الاستشهاد هو كمال الحب الإلهي الذﻱ لا يُغتصب بالإثارة... فالمسيحي الذﻱ يُشعل نار الاضطهاد بإثارته المقاومين إنما يدخل بإرادته في التجارب . 
كذلك أظهر الترفق الأبوﻱ بالضعفاء والخائرين والهاربين ، وقد اتضحت حكمته ورزانته الروحية التي تكمن وراء كل قانون حسب المبدأ الكتابي الذﻱ يؤيده . فلم تكن القوانين التي وضعها فلسفيةً أو منطقيةً فقط، بل لها أساسها الكتابي واللاهوتي، من أجل حل مشكلة الراجعين والمرتدّين وعدم غلق أبواب الخلاص في وجوههم بعد أن حمل بعضهم علامات الرب يسوع في أجسادهم وناحوا على سقطاتهم. 
 
لم يقبل "البابا بطرس" مطلقًا أن يكون جامدًا في وجه الراجعين للإيمان مهما يكن الثمن!!! وتمسك بالأساس الإلهي والكنسي المملوء أمانًا وسلامًا . هذا وقد أحاط نفسه بصحبة من الآباء الحكماء المتّزنين المتعقلين . لذا قاد السفينة بإلهام ووداعة وتعقل واحتمال شديد... لم يشترك في خطايا الآخرين ومتاهاتهم الكلامية في زمن اشتدّ فيه الاضطهاد والانقسام وبزغت فيه بدعة أريوس. قام البابا بطرس بحرم أريوس الهرطوقي، وأعلن حرمه (ليكن أريوس محرومًا في هذا العالم وفي الدهر الآتي، ليس له نصيب في مجد ابن الله يسوع المسيح ربنا).
هذا وأخذ البابا بطرس تلميذيه الكاهنيْن أرشيلاوس وألكسندروس اللذيْن صارا بطريركيْن من بعده؛ وقال لهما على انفراد (ليعينني الرب إله السماء حتى أتمم شهادتي على اسمه) وأوصاهم بالحذر من هرطقة أريوس التي فاقت كل شر . ثم روى لهما رؤياه عندما رأى وجه المسيح المنير وهو يرتدﻱ ثوبًا كتانيًا ممزقًا إلى اثنين؛ من الرأس حتى القدمين، وقد أمسك بيديه جانبي الثوب وهو يضمهما إلى صدره!! وعندما سأله البابا بطرس: مَنْ الذﻱ شق ثوبك يا سيدﻱ؟ أجابه : أريوس هو الذﻱ شقه، فلا تقبله في الشركة؛ ولا تحله من حرمانه. 
هذا ونتلمس في سيرة القديس بطرس رائحة المسيح الذكية فقد رُوي عنه أنه كان يدخل الكاتدرائية المرقسية السكندرية فيرى السيد الرب جالسًا على الكرسي الرسولي، ولأنه مختار الله فقد وهبه نعمة الوقار وبلاغة الوعظ وقوة الصلاة والتدبير؛ الذي أفصح عن إشراق شخصه وتألق أنواره في كنيسته وشعبه. 
وقد أجرى الله على يديه مواهب شفاء الأمراض وإخراج الشياطين، وقبل الله طلبته بأن يكون خاتمًا للشهداء في عصر دقلديانوس الجاحد، وأعطاه سؤال قلبه، كهدية من السماء مكرمًا بنعمة النبوة والإعلانات العجيبة والكهنوت العالي مثل هارون؛ بل وأعلى؛ لأن ذاك كان كاهنًا في الرمز؛ أما بطرس البطريرك الجليل فكان كاهنًا بالحقيقة لخدمة الأقداس حتي شهادة الدم، مبشرًا ومثبتًا رعيته ومدافعًا استدَّت أمامه افواة الهراطقة حتى ختم حياته كمثل الرسل، معطيًا في كتاباته الصورة الحية للعمل الرعوﻱ وقلبه المحترق على الدوام من أجل الكنيسة المضطهدة ومن أجل الافتراقات والانقسامات... ممسكًا بدفة السفينة الروحانية؛ ليجند جنودا كثيرين للسيد الملك الضابط الكل، وليسلح جيشه بالختم المقدس وعماد التجديد ومؤونة الزاد الإلهي ومواهب الخيرات السماوية وداوم على مواجهه بدع سابيلوس وميليتوس الأسيوطي وأريوس، لم يداهن أو يساير الهراطقة ومحبي الظهور والمتشددين . 
كذلك في شجاعة تصدَى لحيل ومكر الأفاعي الأريوسية... وحفظ الرعية وساندها في مواجهة الاضطهاد العنيف الذﻱ بلغ من قسوته أن الوثنيين أنفسهم تحولوا إلى الشفقة على جيرانهم المؤمنين . وفي ترفقه وضع القوانين الخمسة عشرة؛ من أجل القبول الجماعي للجاحدين كبداية لمفترق طرق في حياة الكنيسة الأولى وتدابير تأصيل انتشارها . 
وأخيرًا تقدم شعبه في الاستشهاد وقدم شهادة الدم حينما طُلبت منه في شجاعة مسيحية منقطعة النظير. سلم نفسه بين أيادﻱ الجنود مقتفيًا آثار سيده ،وقدم شهادة دمه في نفس موضع شهادة الكاروز الأول مبدد الأوثان في المكان المسمي تبوكولو ( Taboucolou ) حيث الكنيسة المرقسية بالاسكندرية، وهناك قال خير لي أن أسلم نفسي فديةً عن شعبي ولا يُمس أحدًا منهم بسوء.
وقبيل استشهاده زار قبر "القديس مرقس الإنجيلي" وتحدث إليه (أيها الآب كلي البركة الإنجيلي الشاهد لآلام الرب؛ اختارك مخلصنا لتكون عامود هذا الكرسي ورئيس الكهنة الأول... وعهد لك بالكرازة في كل كورة مصر، وقد استحققت كرامة الإنجيلي الأسقف والشهيد، ثم اخترتَ الآباء البطاركة من بعدك.
إنني بالصلوات والتضرع أستودعُ قطيع المسيح الذين اؤتمنتُ عليهم لك أيها المؤسس والحارس لكل الذين شغلوا هذا الكرسي بالتتابع). ثم سجد وصلى قائلاً (يا رب يا رب أتضرع إليك أن تقول سلامًا فتهدأ العواصف التي تحيط بكنيستك... وليكن سفك دمي أنا خادمك خاتمة لهذا الاضطهاد الحال بقطيعك الناطق . أمين). وقد سُمع صوت يقول بطرس آخر شهداء هذا الاضطهاد: بطرس أول الرسل وبطرس خاتم الشهداء. 
 
تمر سبعة عشر قرنًا على استشهاده (٣١١م – ٢٠١١م)، نطلب بركته وصلواته وشفاعاته عنا... طوباك أيها الراعي الأمين والشهيد الشجاع المكرّم... يا مَن صرت رسولاً مثل التلاميذ في القول والفعل؛ في الرعاية والشهادة... حفظتَ الأمانة الأرثوذكسية من الأعشاب الغريبة المسمومة والأغصان الطفيلية، وتسلحت بعذوبة الصبر والدعة تجاه المنشقين كي تتمم إرادة الله في كنيسته.
طوباك لأنك تحليتَ باليقظة والحذر واقتناء روح التمييز والصحو وتشجيع التوبة الحقيقية بالعودة إلى شركة الجسد الواحد بالكنيسة... طوباك بالأكاليل لأنك سبقت من ١٧ قرنًا بشهادة دمك؛ كما تسبق نجمة الصبح الكواكب الأخرى؛ حاملاً مشعل الإيمان بلاهوت عملي حي (لاهوت الواقع والمبادرات) لتجمع وتوحّد وتشجع وتضم وتكمل التدبير كما يليق.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter