الأقباط متحدون - الغزل بين الامس واليوم
أخر تحديث ١٩:٤٤ | الأحد ٦ ديسمبر ٢٠١٥ | ٢٦ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٦٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الغزل بين الامس واليوم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
 زهير دعيم  
 كان المشهد التلفزيوني مشهدًا غراميًا بريئًا وغزلًا  ساميًا ، وخفرًا يعلو الخدّين، من خلال قصيدة القاها شابّ في العشرين من عمره في مسلسل تاريخيّ؛ القاها على مسامع فتاة ريفية، عقدت زنارا نيليًا " وقمطت" منديلا مطرّزا، وجلست تحت شجرة تين في حديقة وارفة الظلال شجية الالحان .
 
فتنهّد ابو جميل –وهو شيخ في السبعين من عمره- قائلا: "سقى الله تلك الايام ، ايام الغزل الرقيق والنظرات الحيّية المختلسة، والشعور الجيّاش الممتلئ بالمحبة ,...انظروا وتحسّروا كم كان الغزل يأخذ بمجامع القلوب ، وكم كانت الحياة تتضوّع شذً وتنضح عفوية ...كانت عذراء بتولا !!!"
 
كان المحفل يغصّ بالحاضرين شيبا وشبّانا وصبايا، فاعترض احد الشباب المثقف قائلا: 
 
اتقول غزلا يا جدي ، وهل كان حقًّا في زمانكم غزل،  ..اني اشكّ في هذا الا اذا كنتم تطلقون على الحرمان غزلًا وعلى البكاء على الاطلال تغريدًا ونسيبًا.
فأن كان حرمانكم غزلا فماذا تسمّي حياتنا اليوم والتي تعجّ بالمرح والقبل والهمسات والواوا بح ؟! وماذا تسمّي الحرية الحمراء التي ندقّ بابها يوميًا ونتمتّع بها دون رقيب."
 
انها "قلّة حيّا" قالها الجد ابو جميل وسط رنّة ضحكات الصبايا،  الم تسمع فيروز تشدو في احدى روائعها "تحت الرماني ...حبّي حاكاني" ..ثمّ اسأل القمر وهو يخبرك كم من قصة للحبّ بريئة حاكها الشباب والصبايا على دروب العين  ، بل سل ان شئت اشجار البلوط والخرّوب والصّبّار،  و كم من غمزة بريئة رسمها عشّاقنا تحتها عند استراحتهم من عناء الحصاد؟؟
 
فقهقه شاب اخر يجلس في الركن البعيد وقال "ما تقوله يا جدّي هو قشور الغزل ، امّا اللّب والنكهة واللون والواقع فتعيش في واقعنا، في سيارة حمراء مكشوفة الظهر ،  وفي حفل راقص متوّهج ،  وفي اغنية عصماء نتلوها على وقع موسيقا الراب،  امّا انتم .....
 
فقاطعه الجدّ ابو جميل قائلا بحدّة : كفى هذرًا لقد كان غزلنا يدبّ ويحيا مع وقع حبّات المطر ، وفي العشايا والاسحار ،ومع النسيمات  البليلة تنعش الرّوح والوجدان وحيث الذوق الرفيع الراقي يعزف موسيقاه فوق كلّ تلّة وعند اقدام كلّ مرج . انكم تسمّون الوقاحة حبًّا والحرية الجارفة غزلا ،وللحقّ يا ابني اقول انّ الغزل فرّ منذ زمن بعيد امّا الذوق الرفيع فقد قضى نحبه منذ ان توّج "الشورت "ملكًا على الملبوسات.
 
اسمع يا ابني هذه الحكاية –والحكي للجميع- حكاية يحكيها سلام الراسي عن الذوق الرفيع ، رغم انّ الشهوات كانت وما زالت ومنذ ايام ادم وحواء تطلّ برأسها من بين الجحور.
"يحكى ان رجلا ارمل جفاه الكرى في احدى الليالي ، وراح يتقلّب في فراشه حتى ساعة متأخرة من الليل ، ثم فطن الى احدى جاراته التي ترمّلت في وقت عير بعيد.
 
قال: لعلّ ما يؤرّقني يؤرّقها وما يعنيني يعنيها قم اذن يا رجل "وتفقّد "خاطرها واعرض خدماتك عليها لعلّك تنفعها وتكسب حسنتها في الآخرة.
ونهض الرجل وتحسّس شاربيه وتلمّس مواقع رجولته لكي يتثبّت من توقّد حميته ، وخرج ومضى ونقر باب المرأة نقرًا رتيبًا ، فصاحت المرأة من الداخل :من يدقّ الباب ؟
 
 قال :انا ابو شاهين....افتحي 
 
 قالت : وماذا تريد في مثل هذا الوقت؟
 
قال : شفت المرحوم في منامي وقال بلّغ مرتي سلامي 
 
قالت :وصل سلام المرحوم ، ولكن ريحة كلامك ثوم!
 
فخجل الرجل ورجع مكسوف الخاطر .
 
وتنحنح ابو جميل ومسّد لحيته وقال : أترى كم كنّا ذوّاقين ؟!....اين انتم من هذا الذوق؟
 
وقبل ان ينفضّ المحفل قالت صبيّة جميلة بضحكتها الوضيئة: لقد صدقتم جميعكم ، فلكل زمان رجاله غزله وحياته، فغزلكم يا جدّي كان نبيذًا معتّقًا ، وغزل اليوم متجدّد يواكب الساعة والحضارة ....انه غزل جميل في كلتا الحالتين

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter