الاثنين ٧ ديسمبر ٢٠١٥ -
٣٨:
٠٨ ص +02:00 EET
ترجمة نادر محمد, جوتنجن ألمانيا
شارك مور إغناطيوس إفريم الأول برسوم (1887-1957) بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والذى كان أسقفاً فى ذلك الوقت فى مفاوضات السلام بعد الحرب العالمية الأولى، وشارك نيافته منذ 1919 فى مؤتمر سلام فى باريس وكان له الحق فى إلقاء كلمة بدءها بكلمات من الإنجيل (طوبى لصانعى السلام) لوصف حال الفقر والجوع والبؤس الذى يعانى منه شعبه ولكن لم يسمع له أحد فى هذا المؤتمر. ففى 16 يناير 1920 وفى فبراير 1920 تقدم نيافته بمذكرة يطلب فيها الأمن القومى والدينى لشعبه وكان يؤلمه أن السريان يلقون مصير لا يهم أحد وتضمنت مذكرته ما يلى "نأسف بشدة لإهمال وتجاهل الصحافة والدبلوماسية الأوروبية لشعب عريق قدم الخدمات الجليلة للحضارة ولكن ما أرتكب من مجازر ضده تندرج خطأ تحت إسم مجازر الأتراك ضد الأرمن والمسمى الصحيح هو مجازرالأتراك ضد المسيحيين حيث أن جميع المسيحيين عانوا بنفس الدرجة من الأتراك. إلا أن كلام البطريرك لم يكن دقيقاً من حيث عدد الضحايا فلا يمكن مقارنة عدد الضحايا الأرمن وعدد الضحايا السريان. فالأتراك اضطهدوا الأرمن واليونانين والسريان وهذا صحيح ولكن بدرجات متفاوتة.وأضاف نيافته "يجب أن يلاحظ أن أمتنا أضطهدت فى عصر السلطان الدموى عبد الحميد 1895 أكثر من أى أمة أخرى عانت من سيف الأتراك القاس وخنجر إخوانهم فى البربرية الأكراد فمرفق لحضراتكم قائمة توضح أعداد الشهداء السريان والذين يبلغ عددهم 90 ألف شهيد إلى جانب 90 ألف من النساطرة والكلدان"، كل ذلك قد شاهده الألمان بأعينهم يحدث داخل الأراضى العثمانية.
القنصل الألمانى فى الموصل هولشتين Holstein ذكر فى 13 يونيو 1915 "الأوضاع فى محافظتى ماردين وأماديا وصلت إلى إضطهاد حقيقى للمسيحين". وكانت ألمانيا تعلم بكل ما تقوم به تركيا ضد المسيحيين فوزير الداخلية فى الإمبراطورية العثمانية طلعت بيه أوضح لأحد العاملين بالقنصلية الألمانية بإسطنبول وهو دكتور مورتمان Mordtmann نية الدولة العثمانية تجاه المسيحيين كما يلى "إننا نريد أن تستفيد من خلال بوابة الحرب العالمية بإنهاء مشاكلنا مع أعداءنا الداخليين بدون أى تدخل دبلوماسى من الخارج"، إعترض السفير الألمانى فى إسطنبول لدى وزير الداخلية طلعت بيه على المذابح ضد المسيحيين السريان بعد وضوح الأمر أن الأتراك ينتقمون من جميع المسيحيين.
أمروالى ديار بكر السيد رشيد بيه بالقبض على الأسقف الأرمنى بماردين ومن معه من المسيحيين وهم سبعين فرداً إلا أن القنصل الألمانى ذكر أن العدد وصل إلى ألفين شخص بعد إتساع نطاق العنف ضد المسيحيين. وخطف البدو بعض النساء المسيحيات السريان قبل قتلهم يوم 27 يوليو 1915 كما ذكرت قنصلية ألمانيا فى حلب.
ذكر القنصل الألمانى فى إسطنبول Wolff-Metternich فى يوم 14 فبراير 1916 "إن الظروف الصعبة الموجودة بين المسيحيين السريان فى منطقتى ماردين وميدات والسلطات التركية قد إنتهت“ المقصود هنا قد تم إبادة جميع المسيحيين. فبدلاً من أن تتجه تركيا إلى التعددية وإنصهار عناصرها الوطنية فى مٌركب وطنى واحد أخذت طريق التطهير العرقى لجعل تركيا للأتراك فقط. بل أكثر من ذلك, حيث دخل الأتراك للأراضى الإيرانية لقتل المسيحيين الموجودين بالقرب من حدودها بمدينة أرومية Urmia فلما تركها الروس يوم 2 يناير 1916 تم ذبح جميع المسيحيين بالمدينة فى اليوم التالى ونهب ممتلكاتهم.
لم ينجو من المذابح سوى المبشر الأمريكى دكتور Packard باكارد والشابين السريانيين الدكتور دافيد خان وأخوه جوزيف بمنطقة Gogtapa باالعراق بالقرب من الحدود التركية حيث كان هناك معسكر لتجميع المسيحيين وقتلهم.
إستطاع المبشر الأمريكى إنقاذ آلاف السريان من خلال إقناع الأكراد بأخذ كل ممتلكاتهم وتركهم أحياء. إلا أنه تم حرق جميع الكنائس فى منطقتى Ada و Supurgan ، مما يذكر إخفاء المسلمين لبعض جيرانهم المسيحيين للهروب من تلك المذابح كما حدث مع عائلة قس مشهور بالمنطقة. لجأ المسيحيون إلى روسيا هرباً من مجازر الأتراك إلا أن الثورة البلشفية خذلتهم فلجأوا جنوباً للإحتماء بالإنجليز ومات بطركين فى تلك الأثناء أحدهم مقتول والثانى بمرض الحمى.
وصف أحد كهنة السريان تلك المحاولة والتى إستغرقت ٢٢ يوما كما يلى:
“بدأنا رحلتنا من أرومية Urmia يوم 18 يوليو 1918 متجهين جنوباً نحو حمادان راكبين عربات أو خيول ومعنا أمتعتنا وتم مهاجمتنا ثمان مرات من أعدائنا أثناء الرحلة وقتل آلاف مننا, فتركت عربتى التى يجرها أربعة ثيران وبها كل ما نملك من أشياء ثمين مثل الكتب وغيرها وركبت زوجتى حصان وأنا وباقى أفراد الأسرة مشينا سيراً على الأقدام مسافة 70 كم فى اليوم الأول بدون أحذية فى حر صحراء بلاد فارس ) إيران( وكان آلاف يسيرون مثل عائلتى وكنا ما يقرب من 90 ألف وكانت تترك النساء أطفالهن الرضع على جانب الطريق ويهربن وكان الأطفال يبكون ويصرخون قائلين أبى! أمى! خذونا معكم. ولكن لا أحد يستطيع أن يساعد. الآباء والأمهات كانوا متعبين، الأطفال حديثى الولادة متروكين على الأرض، البعض الآخر مات ولم يدفنه أحد، مات منا كثيرون جوعاً. عشنا ثلاثة أيام بلا ماء أو خبز فقد شرب الناس وبهائمهم كل ما معهم من ماء, أصيب معظم الشعب بالإسهال والكوليرا ومرضت زوجتى عندما إقتربنا من حمادان. وفى حمادان أخذنا أقاربنا كضيوف وبعد أسبوع فى 10 أغسطس ماتت زوجتى ودفناها يوم 11 أغسطس وحزنت كثيراً عليها وسكنا فى حمادان أربعة أشهر. تحركنا فى الشتاء فى إتجاه مدينة تبريز ووصلت متعب جدا ومكثت بها أسبوعين أٌعانى بآلام فى صدرى ورٌكبتى بسبب البرد وعندما مثٌلت للشفاء أصيب إبنى بحمى التيفود ولكنه شٌفى فيما بعد, ولكن كان صعب علينا أن نعيش فى تلك المدينة بدون مال”