بعض الأقلام فى صحف أمريكية لها اتصال بالمخابرات الأمريكية، تدعو إلى الاعتراف بالدولة الإسلامية (داعش) على أنها قد استوفت شروط إقامة الدولة، فلها حدود جغرافية، وشعب تحت سلطانها، وقانون يحكم العلاقة بين الناس. كيف يكون ذلك؟ وما هى مقومات الدولة؟ وهل يمكن أن يقبل العالم المتحضر إقامة دولة على أسس غير أخلاقية؟
الدولة فى مفهوم السياسة هى مجموعة من السكان تعيش على مساحة من الأرض، يحكمها نظام سياسى واجتماعى وقانونى، ويتمتع فيها مجموعة بسلطة الإكراه أو حق استخدام القوة على جميع الأفراد. عناصر ومكونات الدولة أربعة هى: شعب وإقليم وحكومة وسيادة. أضيف إليها حديثاً عنصران جديدان هما (الاستقلال، والاعتراف الدولى). المعلوم أن نشأة الدولة فى التاريخ القديم قامت على دعامتين أساسيتين هما (البداوة والعصبية) ولم تتغير هاتان الدعامتان فى التاريخ الأوسط أو الحديث. فى التاريخ الأوسط قامت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، وقامت الدولة الخوارزمية على أنقاض الدولة السلجوقية. فى التاريخ الحديث قامت الدولة السعودية الثانية وسيطرت على أرض الجزيرة وتلاشى مع وجودها شكل الدولة القديمة. مع مرور الزمن أضاف العالم إلى الدعامتين السابقتين (البداوة والعصبية) فى تكوين الدول دعائم أخرى، منها: إقامة الدولة على أساس (الفصل)، أى فصل إقليم عن الدولة الأم، وتكوين دولة ناشئة لأسباب تاريخية، سياسية أو دينية أو عرقية، والمثال على ذلك إقامة دولة الأكراد وانفصالها عن الدولة العراقية وطفح الموروث التاريخى نتيجة ضعفها. وكذلك أيضا انفصال دولة جنوب السودان التى قامت نتيجة ضعف السودان أيضا واشتعال الحروب بينهما. وأخرى: إقامة الدولة على أساس (الدمج) اندماج عرقيات مختلفة وذوبانها فى عرقية دولة قائمة جبرا وقسرا وضمها إلى ممتلكات الدولة. كما حدث للأرمن من إبادة جماعية لهم، وتهجيرهم من بلادهم، وذوبانها وممتلكاتها وشخصيتها فى الدولة العرقية التركية. وكذلك إبادة الهنود الحمر، السكان الأصليين لأمريكا، قهراً وعنفاً، إبادة ممنهجة لصالح المهاجر الأبيض الأوروبى الجديد. كل هذه الدعائم غير الأخلاقية فى إقامة الدول تتم تحت سمع العالم وبصره، وفى كثير يكون دعمه مقصوداً من بعض الدول المؤثرة فى القرارات الدولية. ليس المهم كيف نشأت الدولة، المهم أن تكون مستندة فى إقامتها على ركائزها السابقة، حتى لو خالفت فى نشأتها القيم والأخلاق الإنسانية.. هناك بعض الأمثلة على إخضاع القانون الدولى للعبة السياسة غير الأخلاقية. منها تقسيم العراق، وغزو أفغانستان تم وفقاً للقانون الدولى. هدم شرعية القذافى فى ليبيا، وإقامة شرعية الهادى فى اليمن بالقوة العسكرية، ولا فرق بين الشرعيتين. دعم الحركات التكفيرية فى سوريا ضد شرعية بشار، كل هذه التصرفات المتناقضة وغير الأخلاقية تتم وفقا للقانون الدولى الأبله والعبيط.
وفى مقدمة ابن خلدون، الدولة هى مؤسسة دائمة التعرض للتبديل والتغيير ولها أعمار طبيعية كالأشخاص تماما.
يُعرِّف ابن خلدون الدولة بأنَّها «كائن حى له طبيعته الخاصة به، ويحكمها قانون السببية، وهى مؤسسة بشرية طبيعية وضرورية، وهى أيضًا وحدة سياسية واجتماعية لا يمكن أن تقوم الحضارة إلا بها. هل يمكن الاعتراف بالدولة الإسلامية (داعش) واستقلالها، كما اعترف العالم بأنظمة حالية مستقرة ومستقلة سياسيا ولم تكن بعيدة فى نشأتها عما يصنعه الدواعش، وتكون بذلك قد استوفت هذه الدولة شروطها القديمة والحديثة؟ نعم من الممكن أن يعترفوا بالدولة الإسلامية داعش واستقلالها. لماذا الاعتراف بها؟ يمكن للأسباب الآتية، أولها: حصر الإرهاب الإسلامى فى دولة واحدة شرق أوسطية تلملم كل هذه الأصناف المتطرفة داخلها لإقامة الدولة الإسلامية، وجذب كل الإرهابيين إليها، وتفريغهم من الدول الأوروبية كما حدث من قبل فى أفغانستان، مع علاج مشكلة عودتهم إلى بلادهم وهى أحد عيوب نشأة هذه الدولة.
ثانيا: إنهاك هذه المنطقة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا والانكفاء على مشاكلها وصراعها المذهبى والطائفى. وبدلا من صراعها مع حضارات العالم تتصارع وتتقاتل مع بعضها البعض، وبذلك تكف أذاها عن العالم الذى تهدده بالجهاد والغزو، والعيش عيشة التخلف كما قدروا لها فى تسعينيات القرن الماضى (صراع الحضارات)، ومن ثم الاستفادة الاقتصادية الهائلة من هذا التخلف، ما بين شراء المادة الخام وبيعهم منتجات تامة الصنع. بمعنى أشمل حصار الإرهاب فى منطقة، وعزلها عن العالم، والاستفادة من صراعها اقتصاديا، وكف أذاها عن حضارات العالم المتمدين. هل نرى هذه العصابة فى المستقبل دولة، كما نرى مثيلاتها الآن؟ ممكن.
نقلا عن المصري اليوم