الأقباط متحدون - ذِكْرَى نِيَاحَةِ أَنْبَا مِينَا أَڤَا مِينَا
أخر تحديث ١٩:٣٣ | الخميس ١٠ ديسمبر ٢٠١٥ | ٣٠ هاتور ١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٧٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ذِكْرَى نِيَاحَةِ أَنْبَا مِينَا أَڤَا مِينَا

ذِكْرَى نِيَاحَةِ أَنْبَا مِينَا أَڤَا مِينَا
ذِكْرَى نِيَاحَةِ أَنْبَا مِينَا أَڤَا مِينَا

(الناسك الإسكيمي)

بقلم القمص أثناسيوس جورج
كان معلمًا للفضيلة المعاشة بحق، مثالاً للصلاة الدائمة والنسك وهدوء البرية وسكينتها. سالكًا كتدبير آباء البرية الكبار ، وهو من باكورة رهبان برية مريوط في العصر الحديث . إلتزم بأصول تقليد بستان الحياة الرهبانية في أعماله وأقواله وسيرة حياته. متتلمذًا على يد أبينا القمص مينا البراموسي المتوحد في مصر العتيقة كما كان يسميها، حيث الطاحونة وبركة ديار إلهنا المقدسة .

وقد اختاره البابا كيرلس السادس أول شماس خاص له ، ليرافق مسيرة خدمته البابوية منذ بدايتها ، ولإخلاصه وطهارة مسلكه؛ سلمه أمانة دير مارمينا كوكيل صالح وأمين . فتلمذ جيلاً بأكمله من رهبان برية مريوط حتى طبقت شهرته آفاق المسكونة كلها، وكان هو سراجها الذي ما انطفأ قط؛ بل ظل متوهجًا في مسيرة أشخاص أولاده جيلاً بعد جيل، أولئك الذين استقوا منه الطريقة في رضعاتها الأولى وتقدموا في المسير إلى ما هو قدام . وقد ارتفع اسمه بين الناس وصار مقصدًا للآتين من أجل الصلاة ونوال البركة والاسترشاد، فكان "مينا أڤا مينا" علامة في جيله للرهبنة ولباس الصليب ونساك القرن العشرين .
تباركتُ وتتلمذتُ له منذ أن كان وكيلاً لبطريركية الإسكندرية وبدايات تعمير دير مارمينا ، وكيف أن الراحة لم تصادفة يومًا واحدًا في طريقه ، سالكًا باجتهاد وأمانة ومسكنة روح منقطعة النظير... لا كلامًا ولا أبحاثًا ولا أقوالاً؛ لكن كسيرة معاشة وحيّة ...

لقد رأيتك أبي وأنت تحمل الحجارة على كتفيك وتنقلها عند عمل أول سور للدير القديم، وقت أن أصابتك الحمى الشوكية؛ بينما أنت سور وحارس ساهر لمقادس العلي وأسوار صهيون الحقانية.. رأيتك تقود الجرار لتنقل المياة من محطة بهيج بينما أنت ناقل للمطر الروحي المبكر والمتأخر لتروي كثيرين بماء الحياة الصافي. رأيتك تزرع وتحصد الشعير يدًا بيد؛ بينما أنت قربانة تُطحن وصعيدة ذبائحية تُقدَّم على مذبح العبادة العقلية الدائمة .

رأيتك ناسكًا فقيرًا باختيارك؛ في طعامك ولباسك وحياتك، محتشمًا ورعًا مفترشًا الأرض، ولم تراك الشمس آكلاً ولا شاربًا، وقد اشتهرت بقداساتك التي تنتهي يوميًا مع غروب الشمس . رأيتُ نومك القليل وزهدك وانسكابك ولهجك في الكتب المقدسة وقراءتك المتواترة كنحلة نشيطة لميامر مار اسحق السرياني وسُلَّم الدرجي وتعاليم اشعياء الإسقيطي وكاسيان وأوغريس وآباء الرهبنة الأولين؛ الذين تحفظ أقوالهم وترددها وتكتبها في رسائلك الخطية لنا ولمريديك وتلاميذك من الرهبان والكهنة والخدام والشباب .

كنت أسمعُ صوت صلاتك في هذيذ دائم عند هجعات الليل، ثم توقظني عند منتصفه ليدق جرس الدير وترجع بعدها لتدبر ترتيب القداسات اليومية، وتعد بيدك اختيار القرابين المقدمة لتحضير كل قداس، مشاركًا بحسن عبادة ونباهة روحية واعية لبركة الصعيدة التي تقدم على المذبح المقدس الناطق السمائي .

رأيتك في تدبيرك وإرشادك لتلاميذك، وكيف تسمَّت مضيفة الغرفة الملاصقة لقلايتك "بالعيادة الروحية" وهي كذلك في حضن جسد الشهيد مارمينا العجائبي وكنيسة أنبا صموئيل المعترف؛ والتي كنا نطلق عليها قديمًا "منطقة بحري".. رأيتك صديقًا ودودًا في محبة خاصة للمتنيح الأنبا مكسيموس وأنبا صموئيل وأنبا غريغوريوس وأنبا دوماديوس وأمنا إيريني وأمنا أنسطاسية ولأبينا بيشوي كامل ولأبينا صليب سوريال ولأبينا أندراوس الصموئيلي؛ لأن المثيل يستريح إلى مثيله .

لقد وسقت مركبتك خيرات ملوكية؛ وجمعت كنوزًا؛ وصارت سيرتك عطرة في حياتك ورقادك أيضًا، وقد حققت ما تعينت لأجله وسر بك الشهيد ما رمينا الذي خصك لتعمر ديره. وكذلك معلمك صاحب الذكر الحسن البابا كيرلس السادس الذي وضع فيك ثقته وأمنيته... ولا زال موضع جهادك يشهد لك بأنه قد أرتوىَ بعرقك ودموعك وسجودك ومطانواتك وصلواتك وكلماتك وعبق روحك المخلصة لله ولقديسيه ولمارمينا العجائبي شفيعك وللبابا كيرلس معلمك الأمين.

فالبرغم من سكينتك البادية على صوتك ومَحياك؛ إلا أنك كنت ناريًا دؤوبًا غيورًا على مجد الله، شغوفًا على عِمار ديره العريق ، حتى صار كالمدن؛ وامتلأ بالعابدين الذين مَنطقْتَهم كرئيس لهم ومدبر، فصاروا أبطالاً جبابرة بأسٍ؛ سالكين حسبما أوصاك أبوك ومعلمك الروحي، إلى أنْ انطلقت سيرتك كتلميذ لمعلمك في بخور معطر كزنابق الحقل؛ بعد أن صرت غصنًا مستقيمًا وكبيرًا، ذا ثمرات حلوة، ووريثًا لفضائل النعمة؛ كمدينة على جبل وقوة كبيرة خرجت من يديك، معمرًا للبشر والحجر؛ حتى أكملت كل شيء؛ وما عادت فيك قوة حيث سلمت الروح .

إن مزارك صرح خالد في موضع جهادك الذي أسسته وعمرته مجدًا وإكرامًا للثالوث القدوس، وأوقفت حياتك لإله الأرواح ربنا ورب كل أحد الذي سيستعلن أتعابك الإسكيمية الحلوة والشهية عند باب فردوسه المفتوح، لتنال الجعالة الحسنة وبيدك كتاب وكالتك عابرًا إلى المجد؛ بدالة ووجه مكشوف؛ ومعك أعمال الشهداء والمعترفين ولباس الصليب .

www.frathanasiusdublin.com


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter