الأقباط متحدون - مبادئ – «الاستعداد … مواجهة التيارات»
أخر تحديث ٠١:٥٥ | السبت ١٢ ديسمبر ٢٠١٥ | ٢ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٧٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

مبادئ – «الاستعداد … مواجهة التيارات»

الأنبا إرميا
الأنبا إرميا

   وتعبر بنا الأيام في الحياة، وتنتهي الأعوام لتبدأ أخرى؛ منها ما يترك علامات في حياتنا، ومنها ما يترك آثار الشيب فقط. وهنا أتوقف قليلاً عند مبدإ كثيرًا ما نتحدث عنه مع توديع عامٍ واستقبال آخر جديد: “الاستعداد”. وقد آثرت أن أتحدث بهٰذا الموضوع قبل حلول العام الجديد بزمن ليس بقليل حتى تكون لنا الفرصة للتفكير في جوانب الحياة المتعددة التي نعيشها جميعـًا. جيد أن يكون الإنسان مستعدًّا في كل وقت، ولٰكن: في أيّ جانب من جوانب الحياة؟ حين أفكر في ذٰلك السؤال، لا أجد إلا إجابة واحدة تتردد في ذهني: أن الإنسان عليه أن يكون مستعدًّا كمبدإ أصيل من تلك المبادئ التي يختارها لحياته.

   أحد مجالات الاستعداد في حياة الإنسان هو أن يكون مستعدًّا لمواجهة صعاب الحياة؛ فكما اختبرنا جميعـًا أن الحياة ليست دائمـًا سهلة وهادئة وبسيطة، وإنما هي كالبحر: تعبر به أوقات اضطراب ورياح عاصفة تقذف بك في كل اتجاه دون رحمة، وفي أوقات أخرى يكون هادئـًا بسيطـًا. لذٰلك، عليك أن تكون مستعدًّا لمواجهة ما يعترض طريقك من مشكلات وصعاب، وتعمل على تخطيها وإيجاد الحُلول، والارتقاء في الحياة والنمو، بدلاً من الوقوف أمامها دون حَراك. وعلى الإنسان أن يُدرِك أنه كما أن البحار الهادئة لا تصنع بَحّارًا ناجحـًا، فهٰكذا الإنسان دون صعاب الحياة لا ينمو ولا يحقق النجاح والتميز، وكما يقولون: “لا يصنع الرجلُ حياةً إلا حين تصنع الحياةُ منه رجلاً”. ودعني أسأل: كيف تصنع الحياة رجالاً إلا بالشدائد والضُّغوط؟

   لذٰلك، كُن في مواجهة التيارات مثل القهوة! مر بخاطري قصة الفتاة التي اشتكت صعوبة الحياة وما تتعرض له من مشكلات، فإذا أمها قد وضعت أمامها ثلاثة أوانٍ: إناء يحتوي على جزرة، والثاني على بيضة، والثالث قهوة؛ بعد أن وُضع كل منها في الماء ليغلي بضع دقائق. وإذا الجزرة قد صارت طريّة وفقدت صلابتها، في حين أن البيضة قد صار داخلها صلبـًا، وأما البن فقد غيَّر الماء وجعل له نكهة مميزة. وهٰكذا تجارِب الحياة ومشكلاتها وصعوباتها يعتمد مدى تأثيرها على الإنسان نفسه. فلا تتحطم، يا عزيزي، أمام المشكلة، بل لتكُن أنت أكثر صلابة، والأروع من ذٰلك أن تخرج منها وقد عبرت بك مضفيـًا عليها من شخصك وذاتك، جاعلاً إياها خُطوة نحو التقدم والارتقاء في حياتك. وفي مواجهة المشكلات، أقدِّم كلمات المخترع العبقري “آلبرت أينشتاين”: “ليس الأمر أني عبقريّ. كل ما هنالك أني أجاهد أنا والمشكلات مدة أطول.”! كذٰلك كُن شجاعـًا؛ فالشجاعة الحقيقية هي نتاج استعداد الشخص للتصدي لما يعترض طريقه من صعاب لا مهرب منها إلا بالثبات أمامها واجتيازها.

   كُن أيضـًا مستعدًّا لأن تكون إنسانـًا متميزًا: في العمل، وفي البناء، وفي العطاء؛ وغالبـًا ما ستجد صعوبة في تحقيق ذٰلك، ربما لأن الذين حولك لا يفهمونك بسهولة، إلا أن قوة الاستمرار في هٰذا الطريق تأتي من داخل الإنسان من خلال إيمانه بما يعمله ويقدِّمه. إن الأمر يحتاج إلى قوة الإنسان الداخلية وثقته بنفسه لكي ما يكون مختلفـًا ومتميزًا، وأن تكون له القدرة على المبادرة والتقدم في الحياة بدلاً من الانتظار، فقد تضيع منه الحياة وهو ما يزال ينتظر قطارًا على رصيف الحياة لن يأتي أبدًا! لذا قيل: “هناك أناس يَسبحون في اتجاه السفينة، وهناك أناس يضيعون وقتهم في انتظارها.”، والفارق بين الاثنين أن الأول يكوِّن الحياة، في حين أن الثاني تكونه الحياة!  وللحديث بقية …

الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُُرثوذكسيّ

نقلا عن الأنبا إرميا


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع