الأقباط متحدون - عار الحرية!
أخر تحديث ١٠:١١ | الأحد ١٣ ديسمبر ٢٠١٥ | ٣ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٧٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

عار الحرية!

بقلم: عـادل عطيـة
   في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، قامت الفنانة الصربية "مارينا أبراموفيتش"، بتجربة فريدة؛ لكي تتعرّف أكثر على تصرفات البشر، إذا مُنحت لهم الحرية المطلقة دون مقاومة، فقررت أن تقف لمدة ستة ساعات متواصلة دون حراك، واتاحت للجماهير أن يفعلوا بها ما أرادوا، بعد أن تركت لهم على طاولة، تجاورها، العديد من الأشياء القاسية، التي تغوي على استخدامها، اسوأ ما في النفس البشرية.. من بين هذه الأشياء: سكين، ومسدس، وأشواك الأزهار!

   في البداية، اكتفى الحضور بالوقوف امامها، ومشاهدتها ككيان من إبداع الخالق!

   وعندما تيقنوا، انها لن تجابههم بأي رد فعل انتقامي، مهما كان نوع تصرفهم تجاهها؛ أصبحوا أكثر شراسة، وعدوانية، ومارسوا تصرفات مشينة، ومؤلمة:
   .. فقد وجه أحدهم المسدس إلى رأسها، وكاد أن يطيح به!

   .. وقام آخر بتمزيق ملابسها، والتحرّش بجسدها!

   .. وآخر نكزها في بطنها بأشواك الأزهار!

   لقد تحمّلت، هذه الفنانه، بآدائها الجسدي، وقوة عملها الملهم الآتي من منطقة عميقة من كيانها الإبداعي، هذه الهمجية المتوحشة، بصبر وجلد عجيبين، إلى أن انتهت الساعات التي حددتها، فتحركت من مكانها، دون أن تتخذ أي موقف عدائي ضدهم!

   لكنها كانت قد اثبتت: أن الذين نتعامل معهم يومياً، مهما اختلف عرقهم، وسنهم، وخلفياتهم، لقادرون على ارتكاب أفعال شنيعة، إذا اتيحت لهم الفرص الحبلى بالسلبية، دون رادع من قيم، ومن قانون، ومن نظام!

   وفي بلادنا، حيث مخاضات الثورات "الخريفيّة" المتتابعة، انفلتت الحرية عن مساراتها المقدسة، وأصبح الاندلاع الاحتجاجي، الذي كاد أن يصبح يومياً، ينطلق على هواه، كمحاولة يائسة؛ لتمرير اسطورة: "الحر الفوضوي الثائر".. والاستمتاع بالحرية في الحرية إلى أبعد مدى.. وكأن القوانين الملزمة، في اعتقادهم الخاطيء، تحد من حريتهم، مع انها تتيح للحرية الحقيقية إمكانية أعظم، وتجعلها قريبة لهؤلاء الذين يتبعون القوانين، والضوابط الأخلاقية!

   ذلك لأن البعض لم يفهم معنى الحرية قبل أن يطالب بها، ويعتصم من أجلها، ويحرق المؤسسات، ويقتل الابرياء في سبيلها؛ ولأن  البعض لم يدرك بعد بأن في داخل كل منا ترقد لعنة الحرية الشريرة!

   قالت الممثلة "مارينا أبراموفيتش"، في اختزالٍ لفلسفتها الآدائية:

   "على الفنان أن يتألم؛ فمن الألم تأتي أحسن الأعمال"!

   ويمكننا أن نضيف: "وأحسن العبر"!

   وأن نقول بثقة: ينبغي ألا نعطي بعض الناس حرية مطلقة أكثر مما يستحقون!...


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter