الأقباط متحدون - رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (104)
أخر تحديث ١٥:٠٥ | الثلاثاء ١٥ ديسمبر ٢٠١٥ | ٥ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٧٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

رؤيتى لـ «القرن الحادى والعشرين» (104)

مراد وهبة
مراد وهبة

تحالف كوكبى دفاعا عن الحضارة
فى 4/12/2015 قرر مجلس الأمن باجماع الدول الأعضاء اختيار مصر لرئاسة اللجنة المعنية بمكافحة الارهاب، وهى لجنة كانت قد أنشئت إثر أحداث 11 سبتمبر 2001. واللافت للانتباه أن الإرهاب تطور منذ ذلك التاريخ حتى أصبح كوكبياً، أما اللجنة فقد توارت إلى حد النسيان. والمطلوب اذن تطويرها حتى تلحق بكوكبية الارهاب، وذلك بأن تكون هى الأخرى كوكبية وهى لن تكون كذلك إلا إذا تغيرت رؤية مجلس الأمن لمفهوم، الأمن وهو لن يتغير إلا إذا أصبح المجلس كوكبيا فى مواجهة نقيضه وهو الارهاب. ومعنى ذلك أن الأمن والارهاب فى الوضع القائم- على علاقة متناقضة. فحيث الارهاب لا أمن، وحيث لا أمن لا تنمية وحيث لا تنمية، لا تقدم وحيث لا تقدم لا حضارة. الأمن اذن فى زمن الارهاب الكوكبى هو أمن حضاري. ومع ذلك فهذا المصطلح، أى الأمن الحضاري، فى حاجة إلى بيان. وبيانه مرهون بتحديد معنى الحضارة. والرأى عندى أن الحضارة نسق تكنو- أيديولوجي- ينشأ من تفاعل الانسان مع البيئة كحد أدنى ومع الطبيعة كحد أقصي. ومن سمة النسق أن تكون له هُوية.

والهوية يراد بها ما يبقى دائماً ثابتاً بالرغم مما يطرأ على هذا الثبات من تغير فيقال عن أى شيء إنه هو هو، أى أن له هوية ( تنطق بضم الهاء) وأن هذا الشيء يرفض نقيض هويته. ومن هنا كان مبدأ عدم التناقض الذى وضعه ارسطو يعنى أن الشيء لا يمكن أن يكون هو وليس هو فى آن واحد. ثم جاء هيجل وارتأى أن الهوية تنطوى على نقيضها، فأقول أنا هو أنا وأنا لست أنا. ومن هنا كان مبدأ التناقض.

وسواء كانت الهوية ثابتة على نحو ما ارتأى أرسطو أو متطورة على نحو ما ارتأى هيجل فالهوية مهيأة للدخول فى أزمة، إما بسبب ثباتها على الرغم من تطور الواقع أو بسبب تطورها من الداخل لمواكبة واقع مغاير.

ومع بداية بزوغ الأصوليات الدينية فى الثلث الأول من القرن العشرين كان الحسم لصالح الهوية بالمعنى الأرسطي، لأن الأصوليات أيا كانت سمتها الدينية «تفكر فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبي»، أى أنها تمطلق النسبى وهو هنا الهوية فتمنعها من التطور على الرغم من تطور الواقع، وبذلك تدخل فى تناقض مع ظاهرة بازغة وغير مسبوقة وهى ظاهرة الكوكبية، وتعنى أن كوكب الأرض أصبح وحدة بلا تقسيمات، الأمر الذى يلزم منه القول بالاعتماد المتبادل بين الأمم والشعوب بديلاً عن القول بالاستقلال التام. ومن شأن هذا الاعتماد المتبادل استحالة حل أى إشكالية إقليمية إلا فى إطار كوكبي. والعكس بالعكس. ومن أمثلة الإشكاليات الإقليمية الصراع العربى الإسرائيلي. ومن أمثلة الإشكاليات الكوكبية الأصوليات الدينية والارهاب.

وتأسيساً على ذلك كله يمكن فهم أسباب تدمير مركز التجارة العالمى بنيويورك. فهذا المركز هو أعلى مراحل الثورة العلمية والتكنولوجية من حيث هو رمز على الكوكبية. وقيل عن هذا التدمير إنه مرتبط ارتباطا عضويا بهيمنة القطب الواحد وهو أمريكا، أو هو مرتبط بالفجوة العميقة بين الشمال والجنوب أو بالصراع التقليدى بين الغرب والعالم الاسلامي. واللافت للانتباه هنا أن هذه أقوال كانت شائعة قبل تدمير المركز. ولكن مع بزوغ ظاهرة الكوكبة مع بداية القرن الحادى والعشرين فيكون من اللازم أن يأتى التعليل متسقاً مع هذا البزوغ. ولا أدل على ذلك من الذى قيل عن ذلك التدمير بأنه إرهاب، وأن هذا الارهاب مع التطور أصبح الآن ارهابا كوكبيا لا تخلو منه أية دولة على كوكب الأرض. ومن هنا يكون علينا تحليل الارهاب برؤية كوكبية. وإذا كانت الكوكبية من افراز الثورة العلمية والتكنولوجية، وإذا كانت هذه الثورة من إفراز المسار الحضارى الذى بدأ بالعلمانية فى القرن السادس عشر وانتهى بالليبرالية فى القرن التاسع عشر مروراً بنظرية العقد الاجتماعى فى القرن السابع عشر والتنوير فى القرن الثامن عشر، نقول إذا كان ذلك كذلك فتكون الكوكبية من إفراز ذلك المسار الحضاري. وإذا كان مولد الارهاب كوكبيا فى 11 سبتمبر فمولده اذن ممهد لتدمير الحضارة. ومن هنا تنطوى الحضارة على نقيضها، أى تنطوى على فنائها. وإذا كان ذلك كذلك فالمطلوب إذن إزالة هذا التناقض، إلا أن هذه الإزالة لن تتحقق إلا بابتداع حل يكون مركبا من مفهومين من بين المفاهيم الكامنة فى الطرفين المتناقضين.

والسؤال اذن: ما هو هذا المركب؟

من مفهوم الحضارة نستنبط التقدم المستند إلى العقل، ومن مفهوم الارهاب نستنبط الدين بعد استبعاده من الأصولية الدينية التى هى أصل الارهاب. والمقصود بالدين هنا الدين بمعنى الايمان المدعم بالعقل من أجل فهمه، أى الدين فى إطار إعمال العقل. والتحدى هنا يكمن فى قبول سلطان العقل المحرك للحضارة، ومن ثم يوصف هذا التحدى بأنه تحدياً حضارياً يستلزم تحالفا كوكبيا دفاعا عن الحضارة.

والسؤال بعد ذلك: كيف نؤسس هذا التحالف؟

وأجيب بسؤال: التحالف ضد من؟

ضد عدو يلزم تحديده. وهذا العدو يشير إليه ضمنيا ذلك التحدى الحضاري، وهو الأصولية الدينية النافية للعقل لأنها تنكر إعمال العقل فى النص الديني، أى تنكر التأويل، كما تنكر مؤسسه وهو ابن رشد الذى كان سببا فى تقدم أوروبا ابتداء من القرن الثالث عشر بفضل بزوغ الرشدية اللاتينية وكان سبباً فى تخلف العالم الاسلامى عندما كفروه وأحرقوا مؤلفاته، أى عندما استبعدوه ابتداء من القرن الثالث عشر إلى القرن الحادى والعشرين.

التحالف الكوكبى اذن نؤسسه برشدية كوكبية تؤلف بين نقيضين هما أوروبا والعالم الإسلامي، وتكون الغاية منه الدفاع عن الحضارة.
نقلا غت الأهرام


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع