كان السبب الأهم وراء تأجيل صدور تقرير مراجعة نشاط وأفكار الإخوان المسلمين في بريطانيا هو خشية البريطانيين من ردود الفعل الإسلامية داخل بريطانيا على التقرير - حال صدوره سلبياً تجاه الإخوان - وليس ضغوط دول الخليج كما رددت وسائل الإعلام.
وبعد أكثر من عام على انتهاء التقرير - انتهى العمل به في ديسمبر 2014 - صدر أخيراً. وهو بالتأكيد يعد خطوة متقدمة للغاية، لعدة أسباب.
(1)
كانت معظم الدوائر السياسية والدبلوماسية في بريطانيا تعلم أن التقرير يحمل تقييماً سلبياً لنشاط وفكر الإخوان، وأن هذه الرؤية تعتبر تحولاً كبيراً في تعامل بريطانيا مع الإخوان تحديداً ومع الإسلام السياسي عموماً، ولكن كان على حكومة كاميرون حساب ردود الفعل المتوقعة حال الانتقال بالعلاقات مع الإخوان من الود والدفء إلى الإدانة الصريحة. فالتعصب الديني الإسلامي يتزايد في بريطانيا، وعلامات التأسلم لا تخطئها الأعين في العديد من المناطق والأحياء ذات الكثافة المسلمة، والانفصال الثقافي بين الأجيال الجديدة من المسلمين عن الثقافة البريطانية الشعبية تكبُرُ فجوته، والدواعش البريطانيون يسافرون إلى سوريا والعراق وبعضهم يعود إلى بريطانيا.
ومن هنا، فمن المتوقع عقلاً ومنطقاً أن أول إدانة صريحة، مباشرة، رسمية، من المملكة المتحدة، لجماعة الإخوان المسلمين، التي طالما تمتعت بحرية الفعل والقول داخل بريطانيا، سيكون لها آثار قد يكون بعضها مدمراً!
صدور التقرير إذن، بالرغم من التحسب والحذر البريطاني، خطوة بلا شك جادة وجريئة، وسيكون لها ما يليها.
(2)
هي أحداث باريس الدموية على الأغلب التي عجلت، أو حسمت الأمر البريطاني.انفجر المجتمع البريطاني بعدها على الفور غضباً وقلقاً.. وزهَقَاً كذلك.
الغضب مفهومة أسبابه ولا داعي لشرحها.. والقلق كذلك.. فماذا عن الزَهَق؟
وسط رد الفعل الشعبي التقليدي بنفي الإرهاب عن الإسلام، والدفاع - القوي عالي الصوت في وسائل الإعلام - عن المسلمين والدعوة لحمايتهم من أية مضايقات قد يوجهها إليهم البعض، في نفس الوقت ارتفعت أصوات جادة تتساءل لأول مرة عن سبب عدم إدانة المسلمين لهذه الأفعال بما هو أكثر من كلمات الإدانة الخجولة!
ظهر من يطالب بإعادة الرجال من اللاجئين السوريين إلي بلادهم وتسليحهم للدفاع عنها. قالوا ولماذا يترك الرجال أرضهم ويتعين علينا نحن الدفاع عنها برجالنا؟ لماذا لا نترك النساء والأطفال السوريين هنا ونسلّح الشباب من اللاجئين ونعيدهم ليحاربون داعش؟
قامت العديد من الأصوات المعتدلة بالرد على نبران الغضب المتصاعدة، وغَلَبَ الخطاب المتوازن المتسامح في النهاية (أو لعل الأمر مازال يتطور)، ولكن الخلاصة أن هناك عواقب قد تحدث في بريطانيا، وصدور التقرير سلبياً بالصورة التي خرج عليها، يؤكد أن المستقبل يحمل تهديدات أكبر للداخل البريطاني، خاصة بعد اشتراك بريطانيا في الحرب ضد داعش في سوريا، وهو الأمر الذي لم يمر بسهولة في الشارع بالرغم من تمريره بذكاء بواسطة ديفيد كاميرون في البرلمان.
والأهم أن البريطانيون وضعوا الكرة الآن في ملعب الإخوان ومن يناصرهم. فعليهم الاختيار بين 1) إثبات عدم ارتباطهم بالإرهاب فعلاً وفكراً، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا أعادوا النظر كليةَ في منابعهم الفكرية التراثية وتبرأوا من الكثير منها، أو 2) الرد العنيف على التقرير بما يؤكد صحته!
(3)
حمل التقرير ربما أول رأي بريطاني رسمي في فترة حكم الإخوان لمصر.
قال إن الإخوان لم يظهروا الاعتدال السياسي أو الالتزام بالقيم الديمقراطية. أضاف أنهم فشلوا في إقناع المصريين بكفاءتهم أو بنواياهم الحسنة. الأهم مما سبق، ذكر التقرير أنهم لم ينجحوا في استخلاص الدروس للمستقبل من فشلهم في حكم مصر.
ربما يكون هذا التقرير هو أكبر تدعيم لموقف مصر من الإخوان قبل وأثناء وبعد 30 يونيو.
(4)
بعدما قرر البريطانيون في تقريرهم أن أنشطة الجماعة وطريقة عملها تتسم بالسرية - إن لم تكن "سرية على نحو مشبوه" - وأنهم جسر يمر منه وبسببه بعض مرتكبي العنف (الإرهابيين يعني)، وأن الارتباط بالجماعة أو التأثر بأفكارها يعتبر مؤشراً على التطرف، بعد كل ذلك انتهى التقرير للجملة المفتاحية والتي كانت التكليف الأساسي للسفير جون جينكينز وأعضاء فريقه واضعي التقرير، وهي تحديد ما إذا كان نشاط و/أو أفكار الإخوان يمثلون تهديداً أو يلحقون ضرراً بالأمن القومي أو المصالح القومية البريطانية، فقال التقرير نصاً في نهاية ملخص نتائجه: "إن جوانب من أيديولوجية وتكتيكات الإخوان المسلمين، داخل وخارج بريطانيا، مخالفة لقيمنا، وكانت كذلك مخالفة لمصالحنا القومية ولأمننا القومي".
هذا أساس أكثر من جيد يمكن البناء عليه.
نقلا عن دوت مصر