الأقباط متحدون - سيبوا الناس تفرح
أخر تحديث ١١:٣٨ | الاربعاء ٢٣ ديسمبر ٢٠١٥ | ١٣ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٨٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

سيبوا الناس تفرح

د.محمود خليل
د.محمود خليل

الاحتفال بمولد النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى مصر غيره فى أية دولة إسلامية أخرى. فقد ارتبط بمجموعة من الطقوس والعادات التى ورثناها عن العصر الفاطمى. وهو من العصور التى شاعت فيها الاحتفاليات، وعمت خلالها الأعياد. قد يكون السر فى ذلك هو المجاعات العديدة التى شهدها هذا العصر، والتى كان أشدها وطأة المجاعة التى عاشها المصريون خلال فترة حكم المستنصر بالله، والتى عُرفت بـ«الشدة المستنصرية»، وتواصلت لسبعة أعوام متتالية، وهدت حيل المصريين هداً. الإنسان الذى نسجت المعاناة حياته يميل إلى التمتع بالمواسم، خصوصاً حين يميل الناس إلى التوسعة على بعضهم البعض. وعامل آخر يمكن أن ينهض فى تفسير احتفاء المصريين بالأعياد والمواسم، يتمثل فى تاريخهم المديد فى القهر، الناتج عن الحكم الاستبدادى الذى سيطر على حلقات عديدة من تاريخنا. والمقهور يبحث عن أى سبب للسعادة، ومن التغفيل أن يفوّت أى فرصة تتيح له قدراً من البهجة والشعور بالفرحة. والمصريون «مفتّحين» بطبيعتهم، لذلك تجدهم شديدى الاهتمام بالاحتفاليات، واستجلاب السعادة، حتى ولو كانت فى قطعة من الحلوى!.

سبب آخر ينبغى أن نتوقف أمامه عند محاولة فهم سر اهتمام المصريين بالمواسم والأعياد، يتعلق بالولع باستدعاء الذكريات، أو استرجاع الماضى. وتكاد تكون المواسم والأعياد المادة الأساسية التى يستطيع المصرى الإمساك بها، عندما يرغب فى إنعاش ذاكرته، المصريون من الشعوب المغرمة بالتاريخ، بل قد يكونون أكثر غراماً من غيرهم، على هذا المستوى، لسبب بسيط، يتمثل فى طول الأمد. فنحن شعب يعيش فوق هذه الأرض منذ آلاف السنين، وبالتالى فلدينا مخزون هائل من الذكريات، يعود بعضها إلى آلاف السنين، مثل الأفكار والعادات المختزنة فى الأمثال الشعبية. صدى الذكرى يظهر لدى من حولك، حين تجد من بينهم من يميل إلى شراء حصان أو عروسة «حلاوة»، أو فانوس بشمعة، وينفر من المستحدثات العاجزة عن شحن خيال الذكرى.

مثلث الذكرى والقهر والحاجة الذى يفسر احتفاء المصريين بالمواسم والأعياد تتجمع أضلاعه بصورة أكثر من عبقرية فى ذكرى مولد محمد صلى الله عليه وسلم. فهى تشكل مناسبة لاسترجاع كفاح النبى من أجل حرية وكرامة الإنسان، وتصحيح مفاهيمه عن الحياة الدنيا والآخرة، وتقويم علاقته بأهل الأرض ورب السماوات، كما أن الطقوس والعادات المرتبطة بمولده صلى الله عليه وسلم فى حياة المصريين تمنح المصرى إحساساً بالفرحة، وبلحظات من السعادة يتخفف فيها من معاناته، وتدعوه إلى العطف على غيره، بصورة تعيد إنعاش خُلق الرحمة لديه. والرحمة خلق أصيل فى شخصية النبى صلى الله عليه وسلم، وسلوك يجلل سيرته العطرة، وركن أصيل من أركان رسالته. أرجو أن يكف البعض عن الكلام الذى يرددونه كل عام، حين يصفون ما يقوم به المصريون من احتفالات فى ذكرى مولد النبى بـ«البدعة». توقفوا عن جلد الناس، ودعوهم يفرحوا، ويوّسعوا على أنفسهم، وعلى غيرهم. يقول الله تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» (التوبة 128). صدق الله العظيم.. وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع