تم اغتيال «سمير القنطار» بتدمير مبنى فى دمشق كان يقيم به، المبنى تم تدميره فى غارة إسرائيلية استهدفته تحديداً، ولم تعلن إسرائيل عن العملية، حزب الله هو الذى أعلن عنها، مقاتلو حزب الله ومن بينهم «القنطار» يدافعون عن الرئيس السورى بشار الأسد وعن نظامه، وتواجدهم فى دمشق يعنى أن العاصمة السورية ذاتها باتت فى حاجة إلى معاونة «أجنبية» للدفاع عنها.. الأهم من ذلك أن العملية تكشف أن إسرائيل تتابع جيداً ما يجرى فى سوريا، وفى العاصمة ذاتها، ليست هذه هى المرة الأولى التى نكتشف فيها ذلك، من قبل نفذت إسرائيل عملية اغتيال «عماد مغنية» قائد الجناح العسكرى بحزب الله فى دمشق، وقبلها كذلك كانت إسرائيل هى أول من أذاع خبر وفاة الرئيس حافظ الأسد، وتبين أنهم كانوا يراقبون القصر الرئاسى فى دمشق ولاحظوا يومها دخول وخروج كثير من المسؤ ولين إلى القصر دون ظهور الرئيس وبمتابعة مصادرهم داخل العاصمة اكتشفوا الأمر.
نعرف أن «دمشق» قريبة من إسرائيل جغرافياً، وهذا يدفع إسرائيل إلى التركيز عليها ومتابعتها بدقة، لكن الواقع أنها تتابع كل المنطقة تقريباً، أكثر من مرة ضبط جواسيس لإسرائيل فى بلاد عربية بعيدة عنها مثل اليمن والجزائر.
لم يكن «سمير القنطار» وحده داخل المبنى، كان معه آخرون من مقاتلى حزب الله، ولا نعرف هل كان الهدف هو «القنطار» ذاته أم من كانوا معه أم هم جميعاً..؟! وليس واضحاً كذلك هل كان لدى «القنطار» ورفاقه أى نية لتحرك ما ضد إسرائيل، أم كان هناك استشعار للخطر من مجرد وجوده ووجودهم؟ إسرائيل لم تتحدث فى الأمر ولم تعلن أى شىء.
أما وأن هناك خلية فيها مقاتلون من حزب الله على هذا القدر من الأهمية فى دمشق، فالأمر المؤكد أن هناك خلايا أخرى للحزب، والواضح أنه لم يتم استهدافها.. هل أرادت إسرائيل أن تبعث برسالة حادة ومباشرة إلى حزب الله، أنها تتابع كل ما يقومون به وأنها ليست غافلة ولن تسمح للحزب بالاقتراب منها؟ أم أنها تريد استفزاز حزب الله وهى تعلم أنه فى حالة من التورط بالحرب السورية وما يجرى فى العراق ومن ثم لن يكون قادراً على الاشتباك معها، فتزيد من إحراجه، خاصة فى الداخل اللبنانى، وأمام جماهيره عموماً.
رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» كان أعلن منذ فترة قصيرة أن إسرائيل تقوم بعمليات محدودة ونوعية داخل سوريا، والمعنى أن إسرائيل لا تغمض عينيها عن أعدائها ولا تغفل لحظة عما تعتقد أنه يهدد أمنها القومى، وتعد سوريا الآن فى أسوأ ظرف وأضعف حال، ومن ثم فإنها لا تمثل تهديداً لإسرائيل، ومنذ حرب أكتوبر عام 1973 لم تكن سوريا تمثل تهديداً لإسرائيل، ولم يكن هناك أى عملية من جانب سوريا ضدها، ولا حتى التفكير فى أى عملية، مصر وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل فى مايو 1979، ورغم هذه المعاهدة وجدنا بعض مناوشات حدثت بين حين وآخر من مجندين مصريين تجاه بعض الإسرائيليين، لأنهم لم يحتملوا «نفسياً» وجودهم أمامهم، سليمان خاطر، نموذجاً، لكن سوريا التى من المفترض أنها ليست فى حالة سلام مع إسرائيل، لم يقع على جبهتها شىء من هذا، لا أقصد أى مساس بالأشقاء السوريين، فقط أصف أمراً وقع، رغم هذا تظل سوريا بموقفها وإمكانياتها تهديداً محتملاً لإسرائيل، وبهذا المعنى لا تغمض الحكومات الإسرائيلية عينيها عن سوريا، والواضح أنها تتابع ما يجرى هناك بتدقيق شديد، سواء من الذين يدخلونها من الأجانب، بل ضد حتى أى تحرك سورى داخلى، سبق لإسرائيل أن دمرت «سراً» مفاعلاً نووياً صغيراً كانت سوريا تقيمه فى دير الزور، ولم نعلم عن العملية شيئاً إلا بعد شهور حين أعلنت إسرائيل عن الكثير من تفاصيلها، ولما هبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ضد السلاح الكيماوى السورى قبل عامين، تبين أن إسرائيل كانت وراء إثارة هذا الملف، وكان لديها كافة التفاصيل.
وإذا كانت إسرائيل تتابع بدقة ما يجرى فى سوريا وتعطى لها الحق فى التصرف دون احترام سيادة الدولة التى تقع فيها العملية، فإن هذا يجعلنا نفترض أنها تتابع بدقة كذلك ما يجرى عندنا، وأثبتت السنوات الأخيرة أنها تتابع أحداث سيناء وكانت حاضرة فى ميدان التحرير أثناء ثورة يناير، عبر رجل الموساد إيلان جرابيل، الذى غضب بعض «الثوار» من إعلان المخابرات العامة نبأ القبض عليه.
نحن أمام دولة لا تنسى أعداءها، سواء الحاليين أو السابقين، ولا تنسى العدو الفعلى والعدو المحتمل أو العدو الافتراضى، وهى دولة تضع أمنها القومى فى المرتبة الأولى وتفعل كل شىء من أجله، علنًا وسرًا، فى إطار القانون أو خارج القانون، وغالبًا ما يكون خارج القانون، وهى لا تلام على ذلك من الأمم المتحدة ولا من المجتمع الدولى، أما الولايات المتحدة فتتمسك بقاعدة أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها. وفى الداخل الإسرائيلى ترفع مثل هذه العمليات أسهم الحكومة فى نظر مواطنيها.
الأمن القومى لأى دولة هو مسألة أساسية، الولايات المتحدة بقوتها العظمى رفضت أن تتولى «دبى» إدارة أحد موانئها قبل سنوات، لأن وجود دبى يهدد الأمن القومى الأمريكى، ومع ذلك لم يستخف أى مواطن أمريكى بذلك ولا سخروا من اعتبارات أمنهم القومى ولا تهكموا من المسألة برمتها، كما نرى من بعضنا.
نقلا عن المصري اليوم