فقدت صديقاً عزيزاً وإنساناً من طراز فريد، كان النبل بعينه والأخلاق بسموها والالتزام بكامل معانيه، إنه دكتور مكرم مهنى، كانت لديه قدرة فريدة على جمع البشر حتى المختلفين منهم كمغناطيس جبار، برغم صوته الخفيض الهادئ كنت تحس الحسم وصرامة القرار، برغم جسده النحيف كنت تشعر أنك أمام عملاق، كان يحب مصر حتى الثمالة، داخلة فى تلافيف روحه وعقله، كان صيدلياً حتى فى تفاصيل حياته، فيمد يد الخير لشفاء الفقير، ويرّكب تراكيب بلسم الروح للمكسورين والمظلومين وجرحى القلوب، ولديه بامفلت سحرى من كلمات المودة والتشجيع لكل محبط ومكتئب، خطفه وحش السرطان منا فجأة، ذلك الغادر الذى دوماً يحرمنا من الأنقياء الأتقياء، كان يتألم فى صمت، رافضاً إحساس الشفقة، كان رجل أعمال يعشق تراب وطين مصر بالفعل لا بالقول، فقدت صديقاً وأخاً أكبر، أنهار الدمع لا تكفى لرثاء الأصدقاء الأوفياء، بدأت عصامياً ورحلت نظيف اليد رافعاً الرأس باراً بأهلك صديقاً لكل المكلومين الجرحى، رحل قديس الدواء، صاحب أجمل ابتسامة رضا على وجه الكون، رحل مكرم مهنى.
احتشدت فى جنازته كل ألوان الطيف المصرى، بكى الجميع وكأنهم يبكون أنفسهم، هل مثل هؤلاء الرجال يعوضون؟ هل سيتكرر هذا الملاك النبيل مرة أخرى؟ وهل يجود علينا القدر ولا يبخل ويضن الزمن ويكون كريماً معنا بمكرم آخر؟ جنازة مكرم مهنى كانت مظاهرة حب جارفة ودعه فيها الأصدقاء والأحباء الذين اكتشفوا أن خانة الأعداء صفر، برغم أن الأعداء هم أمر طبيعى فى مجال التنافس والبيزنس خاصة فى مصر، إلا أن هذا الرجل سافر وأقلع من مدار حياتنا الجوى بحقيبة خالية من الأعداء، وبحقيقة أنك تخلد بأعمالك وأصدقائك.
أخيراً أطلب من محافظ الجيزة إطلاق اسم د. مكرم مهنى على شارع فى 6 أكتوبر، فهو يستحق بما قدمه لهذا البلد بإخلاص وحب أكثر وأكثر، أتمنى تحقيق هذا الطلب تخليداً لذكرى رجل أحب هذا الوطن وذاب فيه حباً وعشقاً، فليس أبسط من لافتة تحمل اسمه نشم كلما قرأناها رائحة ذكراه العطرة.
نقلا عن الوطن