بقلم : جيهان فوزي | السبت ٢٦ ديسمبر ٢٠١٥ -
٣١:
٠٥ م +02:00 EET
جيهان فوزي
لا يخفى على أحد أن أزمة معبر رفح سياسية بامتياز، صراع على السلطة والسيادة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية الشرعية، لكن لحظات الصراحة التي تنتاب حركة حماس أحيانا تكشف عن النوايا الحقيقية وراء هذا التشدد والرفض والتلكؤ في إيجاد حل لهذه الأزمة المستفحلة والتى باتت عصية على الحل يدفع ثمنها أبناء القطاع الموجوعين والمحاصرين .
منذ سنوات وبالتحديد بعد فرض سيطرة حركة حماس على مقدرات الحياة في قطاع غزة، يعانى سكان القطاع من أزمة حصار خانق يعزلهم عن العالم الخارجى، بسبب المعبر الوحيد الذي يفصلهم عن التنقل خارج هذه المساحة المحدودة، فهناك معبران يتحكمان في تنقل مواطنى القطاع أحدهما مغلق تماما وتتحكم فيه إسرائيل بشكل كامل وهو معبر إيريز شمال غزة يفصل بينه وبين الخط الأخضر (إسرائيل والضفة الغربية)، ومعبر رفح الحدودى مع مصر والذى تتحكم في إدارته حركة حماس، والكل يعلم الأزمة التي يعانى منها هذا المنفذ والمتنفس الوحيد لسكان القطاع للتنقل والسفر من وإلى قطاع غزة، وقريبا طرحت العديد من المبادرات لحل أزمة هذا المعبر الذي يمثل عنوان الحصار والأزمة السياسية والاقتصادية لأهالى القطاع، وورقة الضغط أيضا التي يساوم من خلالها القائمون على إدارة القطاع بالابتزاز والولولة بسبب إغلاقه المستمر من قبل السلطات المصرية لدواع خاصة بأمنها القومى.
مؤخرا توصلت السلطة الفلسطينية وبموافقة الفصائل الفلسطينية إلى شبه اتفاق مع مصر يقضى بفتح المعبر بشكل منتظم على أن يتولى إدارته السلطة الرسمية الفلسطينية ضمن ترتيبات جديدة، الأمر الذي رفضته حركة حماس، وهناك إصرار على عدم تسليم المعبر للسلطة الفلسطينية دون إشراكها في إدارته وفقا لمبدأ الشراكة الإدارية وتطالب بوجود 60 موظفًا من موظفيها وموافقة السلطات المصرية على سفر قياداتها من وإلى قطاع غزة، وهو ما ترفضه مصر والسلطة على حد سواء، فما الحل؟!
السلطة الفلسطينية ترفض شروط حماس كون مصر ترفض التعامل معها إلا في إطار المصالحة مع السلطة الفلسطينية، والحل الوحيد لإنهاء هذه القضية يكمن بتسليم المعبر دون شروط مسبقة وعودة العمل فيه كما كان قبل الانقسام، فلماذا ترفض حماس؟!
معبر رفح أهم العقبات التي تقف حائلا أمام تطبيق اتفاق المصالحة، وعلى الرغم من أن فتح المعبر يعد حاجة إنسانية ملحة للسكان في قطاع غزة، إلا أنه لايزال خاضعًا لاعتبارات سياسية بين أطراف الانقسام (فتح وحماس) الأمر الذي من شأنه أن يفشل أي اتفاق بفتحه من دون وجود توافق بين الحركتين وهذا على ما يبدو لن يحدث.
حتى وقت قريب كانت حجة حماس أن هناك حكومة توافق بيدها اتخاذ القرار، لكن واقع الأمر يقول إن حكومة التوافق هذه مجرد عرائس ماريونت تتحرك بأوامر من قيادات الحركة المسيطرة على القطاع، ولأن حماس تدرك جيدًا أن الهوة بينها وبين فتح والسلطة سحيقة فقد بدأت تطلق قذائف التصريحات التي تبرئ ساحتها من أي احتمال لاتهامها بعرقلة خروج هذا الاتفاق للنور، كى يخفف من معاناة الناس التي أصبحت لا تطاق، فمرة يخرج القيادى محمود الزهار بتصريح يشكك بالاتفاق ويقول إن حماس لن تسلم المعبر للمهربين واللصوص!! ولا أدرى من هم المهربون ولمصلحة من يعملون في التهريب؟! ثم يطلق صلاح البردويل شظايا غضب الحركة في وجه الجميع معتبرا تسليم المعبر ليس سوى دعوة مشبوهة تستهدف المقاومة، وكان يجب على البردويل أن يستكمل نثر شظاياه ويوضح لنا كيف سيكون فتح المعبر استهدافًا للمقاومة، هل عبر اعتقال عناصر القسام مثلا وزجهم في السجون؟ وإذا كان كذلك بتهمة ماذا إذا لم يكن هناك ما يدينهم؟ ثم يطلق مشير المصرى عنان غضبه ويعتبر تسليم معبر رفح هدفه تسليم شرف غزة!!
لا تبدو تلك التصريحات نابعة من الفراغ، بل إن هناك ما يحركها في الفضاء الإقليمى والدولى الذي لا يريد الخير لأى توافق قد يؤدى إلى نهاية الانقسام الفلسطينى- الفلسطينى، حماس تؤكد كل يوم بممارساتها أنها يجب أن تكون جزءا من المعادلة وأنها قوة لا يستهان بها، بما لديها من قاعدة عريضة في القطاع سواء عسكرية أو تنظيمية تؤهلها لتكون شريكة إن لم تكن حاكمة ومسيطرة، ولا يمكن أن تتخلى عن ذلك بسهولة أو التضحية به في سبيل حل أزمة نحو مليونى إنسان محاصر منذ أكثر من ثمانى سنوات بسبب الانقسام، ففى الماضى القريب راهنت حماس على إنشاء ميناء بحرى خاص بالقطاع يوصله بالعالم الخارجى، مقابل اتفاق تهدئة طويل الأمد برعاية قطرية تركية تتوقف فيها المقاومة في غزة، حماس تسعى أن يكون لها دور سياسى على الصعيد الإقليمى والدولى، وبالتالى تكسب الشرعية الدولية والإقليمية من خلال اتفاق التهدئة، بالإضافة إلى أن الميناء أو الممر المائى الذي تطمح لإنشائه له أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية، يظل البعد السياسى هو الأخطر لأنه ببساطة يمثل مظهر من مظاهر السيادة والاستقلالية، وبالتالى إذا أقيم الميناء في ظل الانقسام بعيدا عن المصالحة فهذا دليل يعزز الانقسام ويجعل منه كينونة سياسية قائمة بذاتها ومعترف بها، ولأن طموح حماس في السيطرة والحكم ليس له حدود، فهى تزايد على شرف المقاومة وشرف غزة الذي سيستباح إذا ما تخلت عن سيطرتها في إدارة المعبر!! لذلك ليس مستغربا أن تعرقل أي اتفاق من شأنه سلبها السيادة على معبر رفح الذي تعتبره جزءا أصيلا من سيطرتها على قطاع غزة.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع