( قصة تربوية طريفة )
للأديب والشاعر فايز البهجورى
فى صباح يوم مشمس هبت ريح عاصفة دفعت الأشجار الى ان تتطوح فروعها ويميل بعضها على البعض الآخر
وفى احدى مزارع أشجار برتقال تساقط عدد كبير من ثمارها على الأرض.
وتصادف سقوط ثلاث برتقالات فى حفرة صغيرة تحت احدى الأ شجار .
ودار بين البرتقالات الثلاتة حوار طريف .
قالت البرتقالة الأولى للبرتقالتين الأخرتين :
لقد حان موعد رحيلنا من هذا المكان . فالى أين تتمنيان الذهاب .
قالت البرتقالة الثانية :
نحن البرتقال ، مثل بقية ثمار الفواكه الأخرى ، نعرف أن مصيرنا ينتهى دائما الى " معدة الانسان " . لقد رأيتهم هنا يفعلون ذلك كثيرا .
والأمر المؤسف أنه لا مفرّ لنا من هذا المصير .
وعلّقت البرتقالة الثالثة على هذا الكلام : حتى وان كان هذا مصيرنا المحتوم ، فليكن من حقنا أن نختار الانسان الذى سنستقر في معدته.
وردت عليها البرتقالة الأولى: و ما الفرق بين معدة انسان ومعدة انسان آخر ؟ كلها مقابر لنا.
ردت عليها البرتقالة الثانية : ليس هناك فرق بين معدة انسان ومعدة انسان آخر.
ولكن هناك فرق بين "انسان" و "انسان آخر"
وما دام الأمر كذلك فأنا أتمنى أن يكون مصيرى
" فى معدة انسان له سلطان ونفوذ كبير على المحيطين به . وليته يكون قائدهم أو رئيسهم ".
وهنا قالت البرتقالة الثانية : أما انا فأتمنى أن أصل الى " معدة انسان محروم ". لأنى سأكون بالنسبه له أمنية تحققت ، سوف يسعد بها كثيرا" .
فأى برتقالة لا تمثل بالنسبة للانسان المشهور أى أهمية ، لأنه ستكون هناك الى جانبها ثمرات فواكه أخرى كثيرة ، تنافسها فى الأهمية بالنسبة له .
سيكون هناك الى جانبها ثمار الموز والفراولة والمانجو والأناناس والبطيخ والكمثرى
وغيرها . وسأتوه أنا بين هذه الثمار المتعددة .
ولكنّى بالنسبة للانسان المحروم سأكون أنا أملا تحقق له ، وكنزا حصل عليه .
وعلقت البرتقالة الأولى فى هدوء : معك فى ذلك حق . فمن يسعى لأن يكون مقدّرا وذو أهمية وقيمة بين الصغار ، أفضل ممن يسعى ليكون غير ذى أهمية وقيمة بين الكبار .
***
سمع الحوار الذى دار بين البرتقالات الثلاثة بعض أعواد البرسيم فى الحقل المجاور .
فمال عود برسيم على عود برسيم آخر وقال له :
البرتقالات تتضرر من كون مصيرها الى معدة انسان .
ونحن البرسيم - ياحسرة علينا - مصيرنا الى معدة حمار .
رد عليه عود برسيم آخر قائلا .
أنا لا أتفق معك فى حسرتك على مصيرنا الى معدة حمار . فالحمار فى نظرى أفضل من بعض أفراد الانسان .
انه حيوان وديع مسالم لا يرتكب مثل تلك الحماقات التى يقوم بها الانسان .
هل رأيت حمارا يقطع رقبة حمار آخر من بنى جنسه ، كما يفعل ذلك الانسان؟ .
هل رأيت حمارا يحرق زريبة ، أو يدمّر أسطبلا للخيول، أو مرعىى للأبقار والخراف والمعيز ، أو مزرعة للدواجن، أو حتى عش للعصافير والطيور الصغيرة ؟
هل رأيت حمارا يرفص انسانا أو حيوانا عابرا للطريق ، كما يفعل الانسان مع بنى جنسه ؟
اننى أفضل أن يكون مصيرى فى " معدة حمار" . أعطيه الحياة ، ليعمل على اسعاد الآخرين .
وليس فى" معدة انسان " يسلب الحياة من الآخرين من بنى جنسه . ويدمر الحياة من حوله . لأنى بذلك أكون قد شاركته فى حماقاته .
***
كان عصفور صغير يقف فوق فرع شجرة بالقرب منهم . سمع الحوارات التى دارت بين البرتقالات الثلاثة . والحوارات التى دارت بين أعواد البرسيم .
و رفرف العصفور الصغير بجناحيه وقال :
أن عود البرسيم كان أكثر حكمة من البرتقالات الثلاثة . فقد أنصف الحمير وكشف بعض حماقات الانسان .
ثم طار الى فرع شجرة أخرى بعيدا عنهم .
اقتربت من العصفور حمامة كانت تتابع الموقف كله . همست فى أذنه قائلة :
لقد كنت موفقا فى كل ملاحظاتك أيها العصفور الصغير . ولكن يبقى شيئ هام .
كيف نوصل هذه الرسالة الى الانسان ؟