الأقباط متحدون - إما فيدرالية حقيقية، أو ثلاث دول مستقلة
أخر تحديث ٠٥:٥٣ | الثلاثاء ٢٩ ديسمبر ٢٠١٥ | ١٩ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٩١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

إما فيدرالية حقيقية، أو ثلاث دول مستقلة

د.عبدالخالق حسين
وصل العراق الآن إلى مفترق الطرق، فإما دولة عراقية حقيقية موحدة، أو ثلاث دول مستقلة بدون أي قناع  فيدرالي مزيف. لقد خدعونا عندما قالوا إن الشعب العراقي كان موحداً قلباً وقالباً، إلى أن جاء "الملعون ابن الملعون" بول بريمير، فأقام حكم المحاصصة الطائفية البغيضة، وبذلك "دق فيهم عطر منشمِ". بل راح البعض إلى أبعد من ذلك، إلى تمجيد العهد الصدامي، والإدعاء أنه لم يكن طائفياً لأنه كان علمانياً. نسي هؤلاء أن أغلب الطائفيين هم علمانيون حد النخاع، فكما قال العلامة علي الوردي: "الإنسان العراقي أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى". ويستشهد آخرون بعدم طائفية صدام، بأنه كان يقتل حتى أقرب الناس إليه عندما يشك في ولائه، وهذا صحيح، ولكن شتان بين أن يقتل من يهدد حكمه من حزبه وعشيرته، ويقتل أعداداً غفيرة بالجملة لأنهم من مكون معين لأسباب طائفية، وهو الذي رفع شعار (لا شيعة بعد اليوم)، ونشر سلسلة مقالات في صحيفة الثورة (لماذا حصل ما حصل)، يطعن فيها بالشيعة وشرفهم ووطنيتهم...، والتهجير القسري لأكثر من مليون شيعي من مختلف الانتماءات القومية بحجة التبعية الإيرانية...الخ، ولمن يريد المزيد عن طائفية صدام حسين وحزبه، فليفتح رابط مقالنا في الهامش: (الطائفية في عهد حكم البعث)(1).
 
لقد ذكرناً مراراً أنه أمست الحياة غير ممكنة مع بقاء حكم البعث الاستبدادي الجائر، ولم يكن بإمكان الشعب العراقي الأعزل إسقاطه لوحده وبإمكانياته الذاتية، فقد حاول مراراً وكانت النتيجة مئات المقابر الجماعية، لذلك فما حصل من تدخل المجتمع الدولي بقيادة أمريكا كان أمراً لا مفر ولا بد منه، أما ما حصل بعد السقوط من فوضى وإرهاب فأسبابه كثيرة، أهمها دموية فلول البعث، وإصرار المكون العربي السني على احتكار السلطة لاعتقادهم بأن حكم العراق من حقهم التاريخي لوحدهم، وغير قابل لأي تساؤل، إضافة إلى تدخل دول المنطقة، مثل السعودية و الخليجية الأخرى، وتركيا وسوريا وإيران، وتوظيف مشايخ الوهابية التكفيرية في الشحن الطائفي...الخ

والسبب الآخر والأهم الذي ساعد على تردي أوضاع العراق ما بعد صدام، هو حداثة التجربة الديمقراطية، وقلة خبرة الذين استلموا السلطة، وهذا أمر حتمي، لأن النظام الدكتاتوري لا يسمح للمعارضة بالتمرن على الحكم من خلال المعارضة الديمقراطية كالتي نشهدها في الدول الديمقراطية العريقة. كذلك قام حزب البعث الحاكم خلال حكمه الطويل بتفتيت النسيج الاجتماعي، واضطهاده إلى حد أنه جعل الشعب العراقي غير قابل للحكم إلا بالقبضة الحديدية البعثية الصدامية، لذلك قال صدام قوله المشهور: (إن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه خرائب بلا بشر). كما وتؤكد الدراسات العلمية أن النظام الدكتاتوري هو السبب الرئيسي لتفشي الفوضى بعد سقوطه حتى أصبح ذلك قانوناً طبيعياً. وهذا ما حصل في جميع البلدان التي تعرضت للاستبداد لفترة طويلة.(2)

على أية حال، ما أود تأكيده في هذا المقال هو أن الشعب العراقي لم يكن يوماً موحداً بإرادته الحرة طوال تاريخه المكتوب، ففي العهد العثماني كان العراق مقسماً إلى ثلاث ولايات، وكان هناك تمييز ضد الشيعة وتكفيرهم كما اليوم من قبل الوهابية، وإنما فُرضت عليه هذه الوحدة الوطنية المزيفة بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة من قبل الإنكليز عام 1921، استجابة لثورة العشرين التي قامت بها العشائر الشيعية بقيادة مرجعياتهم الدينية والعشائرية ضد الاحتلال الانكليزي "الكافر"، والدفاع عن حكم جلاديهم الأتراك باعتباره حكم إسلامي. لذلك فزعماء الشيعة، الدينيون خاصة ، لعبوا دوراً كبيراً في عزل أبناء طائفتهم وبناء نظام طائفي في العراق(3).
فالوحدة الوطنية قبل 2003، كانت وحدة مزيفة، فرضتها سلطة المكون الواحد بالقوة، حيث مارست الطائفية عملاً، ومنعت المكونات الأخرى المضطهدة من التحدث عنه ولو همساً، واعتبرت أي مواطن يشكو من التمييز الطائفي أو يتحدث عنه، طائفياً يعاقب عليه بالقانون. لذلك تحملت الفئات المضطهدة التمييز على مضض، ولم يلجأوا إلى الإرهاب كما حصل في العهد الديمقراطي بعد 2003.

كذلك يخطأ، إما عن عمد أو عن جهل، من يقول أن أمريكا دمرت الدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والمدنية، فالدولة المزعومة هذه لم تكن دولة الشعب العراقي لكي يدافع عنها الشعب أو الجيش، بل كانت دولة صدام حسين وحزبه الفاشي، (دولة المنظمة السرية)، وقد جعلها صدام أشبه بالهرم المقلوب القائم على رأسه، فما أن سقط صدام انهارت الدولة معه بكل مؤسساتها. فالكل يعرف أن 80% من الجيش العراقي لم يقاوم القوات الدولية، وخاصة في المناطق العربية السنية، بل اختفى الجيش. أما كردستان فكانت مستقلة ومحمية بقرار دولي منذ جريمة صدام في غزو الكويت عام 1990، وجميع الواردات النفطية كانت بيد الأمم المتحدة. فأية دولة كانت هذه التي يبكون عليها؟ وأية وحدة وطنية يتحدثون عنها في ظل حكومة المقابر الجماعية والأنفال، ومأساة حلبجة، وخمسة ملايين من شعبه كانت مشردة في الشتات، واقتصاد منهار؟

وبعد سقوط حكم البعث، توفرت فرصة ذهبية للشعب العراقي أن يبني له دولة ديمقراطية موحدة فيما لو تعامل قادته الجدد مع الظروف المستجدة بذكاء وحكمة، وعرفوا التعامل الذكي مع أمريكا لصالح العراق، إلا إنهم وبالأخص قادة الشيعة، لم يعرفوا كيف يكسبوا أمريكا إلى جانبهم، وهذا جزء من تراثهم التاريخي المدمر، الذي ربط معاداة الغرب وبالأخص أمريكا شرطاً من شروط الوطنية.

فخلال 13 عاماً الماضية، وبسبب التدخل الخارجي، والعوامل الأخرى المشار إليها أعلاه، بانت الحقيقة المرة للعيان، وهي أن الشعب العراقي منقسم على نفسه أكثر من أي وقت مضى. فهناك الكرد بقيادة رئيس الإقليم، مسعود بارزاني يريد الانتقام من الشعب العراقي على جرائم صدام حسين بحق الكرد، لذلك يمد يده إلى أية حكومة معادية للعراق الجديد في المنطقة، وأية جماعة إرهابية تريد تدمير العراق، بما فيه داعش، وجعلَ عاصمة الإقليم ملاذاً آمناً لكل الخارجين على القانون ضد الدولة العراقية. وصار دأبه الدائم هو التهديد بالانفصال لابتزاز الحكومة الفيدرالية. فقد أسس بمساعدة أمريكا دولة شبه مستقلة، ولكنه أبقى علاقة شكلية هامشية مع العراق من أجل حصوله على 17% من ثروات العراق والمشاركة في الحكومة المركزية الفيدرالية لشلها ومشاكسة رئيسها، مع الاحتفاظ بثروات كردستان لنفسه. وهذه الحالة الشاذة سمَّوها بالنظام الفيدرالي الذي لا وجود له في أي بلد آخر في العالم.

ولكن يبدو أن السيد مسعود أدرك أخيراً أن الذين استخدموه لتدمير العراق، مثل تركيا والسعودية وقطر، سيقفون ضد مشروعه الرامي إلى استقلال كردستان. لذلك أفادت الأنباء أنه طالب في اجتماع لقیادات حزبه بالعمل مع الاحزاب الكردية الاخرى لإیجاد آلیة للعمل على اجراء الاستفتاء على استقلال كردستان. والغرض من هذا الاستفتاء هو إيجاد مخرج من مأزقه للتنصل من الاستقلال فيما لو صوت الشعب ضده. وجماعة بارزاني راحوا يهيئون الجو لهذه النتيجة من الآن إذ بدأوا يصرحون أنه ولو استقلال كردستان حلم الكورد ولكن لم يحن وقته بعد!!

لذلك يجب أن يتحلى رئيس الحكومة العراقية بالشجاعة والصراحة، و يعلن رفضه التام لإبتزازات بارزاني، فإما استقلال كردستان استقلالاً تاما، وبالطرق الديمقراطية السلمية، وبحدود 8 نيسان 2003، أو نظام فيدرالي وفق ما أقره الدستور العراقي. وبخلافه فلكم استقلالكم، ومع ألف سلامة، ونتمنى لكم كل الخير والبركة، وأن تكون العلاقة بين جمهورية كردستان وجمهورية العراق علاقة صداقة وحسن الجوار. أما مشكلة ما يسمى بـ(المناطق المتنازع عليها)، فيجب استفتاء سكانها بإشراف دولي، فيما إذا تريد الغالبية البقاء مع العراق أو كردستان.

أما قادة المكون السني، فيبدو أنهم استخدموا الإستقواء بالقوى الخارجية والإرهاب كوسيلة لإعادة احتكارهم للسلطة، فكما الكرد، راحوا يهددون بالانفصال مرددين اسطوانة (التهميش والعزل)، ودكتاتورية المالكي...، علماُ بأنهم لجأوا إلى الإرهاب تحت مختلف المسميات بعد سقوط حكم البعث مباشرة وحتى قبل أن نسمع باسم نوري المالكي. فهؤلاء القادة، كما البرزاني، سلموا أمورهم إلى السعودية وتركيا وقطر وغيرها من الدول الخليجية، ولهم لوبي قوي في واشنطن، وسهلوا لمجيء داعش إلى محافظاتهم. ورحبوا علناً وبلا خجل بالاحتلال التركي لأراض عراقية في الموصل، وراحوا يختلقون له المبررات كمحاربة داعش، والكل يعلم أنهم من أدخل داعش إلى مناطقهم وبالدعم التركي السعودي القطري وبمباركة أمريكا للتخلص من المالكي.

فكل من الشركاء، من قادة السنة والكرد يريدون لهم دولة مستقلة، مع علاقة شكلية واهية مع الدولة العراقية من أجل ضمان حصتهم من ثروات االبصرة، البقرة الحلوب، لدفع مصروفات هذه الدويلات، إضافة إلى حصتهم في حكم ما تبقى من العراق لشل حكومته. هذه العلاقة الهلامية تعطيهم وتعطي أمريكا العذر بأنهم حريصون على وحدة العراق، ولكن أية وحدة هذه، عملياً دول مستقلة تحتفظ بقراراتها وثرواتها، وتستحلب ثروات المحافظات الجنوبية. هذه القسمة الجائرة يجب أن ترفض رفضاً باتاً من قبل سكان محافظات الوسط والجنوب وممثليهم في الحكومة والبرلمان. فإما دولة عراقية موحدة حقيقية، خاضعة للحكومة الفيدرلية المركزية، المسؤولة عن الدفاع والسياسة الخارجية وجمع الثروات، والضرائب الكمركية من المداخل الحدودية، كما هو جار في كل الدول الفيدرالية في العالم، أو تقسيم العراق إلى ثلاث دول مستقلة بعد استفتاء كل الشعب العراقي، وليس الشعب الكردستاني وحده. وقد قدمنا هذا الاقتراح في مقال سابق لنا بعنوان (لا للوحدة الوطنية القسرية)(4) 

ولكن فيما يخص العرب السنة، فعلى عقلائهم أن يعيدوا النظر في نتائج سياسات سفهائهم من البعثيين من أمثال الأخوين النجيفي، و طارق الهاشمي، وظافر العاني، ورافع العيساوي، وغيرهم  من الذين جلبوا الإرهاب وأنزلوا البلاء على سكان المناطق الغربية بتسليم أمورهم إلى تركيا والسعودية وقطر، وإخضاع أهاليهم إلى حكم داعش المتوحش الغاشم، وتحويل مدنهم إلى خرائب وأنقاض، إذ كما قال الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قوم.... سيهديهم إلى دار الخراب

فاستخدم هؤلاء الاختلاف المذهبي في الشحن الطائفي، لتبرير خيانتهم بحق الشعب والوطن. لذا نهيب بعقلاء المكون السني أن يأخذوا زمام أمور مكوَّنهم بأيديهم، وعدم تركها بأيد هؤلاء السفهاء، وأن يعرفوا جيداً أن مصيرهم مرتبط بمصير العراق الموحد. وأن هذه الصراعات الطائفية هي طارئة أشعلها أعداء العراق في الداخل والخارج لأغراض سياسية، وستزول بعد عودة الوعي للجماهير العربية العراقية، سنة وشيعة، وسيدركون أنهم خُدعوا من قبل أعداء العراق الذين لا يريدون له الخير.

خلاصة القول، العراق الآن في مفترق الطرق، فإما دولة ديمقراطية فيدرالية موحدة وفق ما أقره الدستور، وذلك بإجراء استفتاء عام، ليس للشعب الكردستاني فقط، بل لجميع مكونات الشعب العراقي، فيما إذا يريدون العيش سوية بسلام وأمان في دولة ديمقراطية فيدرالية قوية واحدة، أو الإنفصال إلى ثلاث دول مستقلة. وفي حالة تصويت غالبية أي مكون للإنفصال يجب تنفيذ رغبات أغلبية ذلك المكون وبالطرق الحضارية، ومع ألف سلامة.  
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter