الأقباط متحدون - عبد القدوس ودولة الفشل !!
أخر تحديث ٠٦:١٧ | الأحد ١٠ يناير ٢٠١٦ | ١ طوبى١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٠٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عبد القدوس ودولة الفشل !!

كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
 يحدثنا كثيراً خبراء علوم الاجتماع والإدارة والسياسة والاقتصاد عن النجاح والفشل وفق رؤى ونظريات يتم تحديثها اتساقاً مع معطيات العصر ومتغيراته .. فمنهم من يرى أن من نصفهم بالفشل إما نوعية من الناس تفكر دون تنفيذ أو أخرى تنفذ دون تفكير ، ويخاطبون حكوماتهم للاستثمار الأمثل لثروات الشعوب وموارد أوطانهم تحقيقاً ووصولاً لأقصى درجات النجاح والتقدم ..
 
يتم تعريف "الدول الفاشلة" على أنها تلك الدولة التي لا تستطيع القيام بالوظائف الأساسية المنوطة بها (توفير الأمن، تقديم الخدمات العامة، إدارة آليات السوق، الإدارة الكفء للتنوع الاجتماعي في الداخل بل وتوظيفه) حسب تصنيف مجلة السياسة الخارجيه الامريكيه وتشرح المجلة المقاييس المعتمدة للدول الفاشلة ومنها عجزها عن تفعيل دولة القانون وتأمين الأمن والغذاء لسكانها وعدم قدرتها على استغلال التنوع الاثني لسكانها إضافة إلى فشلها في إدارة سياسات اجتماعية واقتصادية. وتزداد خطورة هذه الدول مع ازدياد حدة الأزمات لأن الدولة الفاشلة غير مهيأة لمواجهة المستجدات والمخاطر الداخلية والخارجية، تلك الأزمات التي تبرز عوامل "الفشل" الكامنة في الدولة، وتزيد من احتمالات تحول هذه الدولة إلى تهديد للسلام والاستقرار الدوليين .لا يتم تصنيف الدول الفاشلة بشكل ترتيبي كمي فقط، حسب مجموع نقاطها الدالة على الفشل، ولكن يُوزع المقياس الدولي إلى فئات بحسب درجة تهديد الدول للاستقرار والسلام الدولي، بحيث تبدأ بالفئات بالأشد خطورة؛ وهي فئة الدول الخطرة وتليها فئة الدول المعرضة للخطر ، ثم الدول المتاخمة للخطر ثم المستقرة والفئة الخامسة هي الدول الأكثر استقراراً..
 
 في مثل هذه الأيام من شهر يناير منذ أكثر من 90 سنة جاء إلى الدنيا الكاتب الروائي والقصصي والسياسي النبيل الشجاع إحسان عبد القدوس والذي قيل أن أهم أساتذته الكبار بعد والدته هم محررو " روز اليوسف " الأوائل : التابعي ومحمود عزمي والعقاد .. يقول رجاء النقاش أنه تعلم من التابعي أسلوب الكتابة والتابعي هو عميد الأسلوب الصحفي المعاصر بلا منافس له في هذا المجال .. إنه ساحر الكلمة الصحفية ومعلم الأجيال ، ويضيف أن إحسان قد تعلم من محمود عزمي نظرته " التقدمية " إلى مشاكل الحياة والمجتمع والإنسان ، فقد كان عزمي من أعظم دعاة التجديد والتقدم .. وتعلم من العقاد جرأة الكاتب وفروسية صاحب القلم والاشتباك مع الأفكار الخاطئة ، ويبقى المعلم الأول في حياة إحسان والدته فاطمة اليوسف ..
 
يقول عبد القدوس في مقال شهير له تحت عنوان " دولة الفشل " بمجلة روز اليوسف في عددها الصادر بتاريخ 8 يوليو 1951 أي منذ ما يقرب من 57 سنة عن فشل الحكومة في تلك الفترة مستهلاً مقاله بعبارات ساخرة تهكمية " إننا في مصر نؤمن بالفشل ونعبد الفاشلين " .. ويستطرد " الفشل في كل مكان ، وأمام كل خطوة ، وفي حنايا كل " ملف " وفي ظلام كل " درج " ، وفي طيات كل صوت .. والفاشلون هم الذين يتولون مقاديرها ، وهم الذين يسوقونها من فشل إلى فشل ثم إلى فشل .. رئيس الوزراء فشل في أن يحقق أهداف مصر القومية ، وفشل في أن يحتفظ بقوة الشعب ، وأن ينتصر للدستور ، وتوفير قوت الشعب ، وفشل في أن يجمع من حوله وزراء ناجحين ، وفشل في أن يحقق أهداف مصر وفشل في أن يصون كرامة وطنه ..  " ثم يتحدث عن وزير المالية قائلاً " لقد فشل في أن يجعل من ميزانية مصر ميزانية محترمة وفشل في أن يوقف التضخم المالي ، وفشل في أن يرضي الطوائف ، وأن يفرض إرادته على الأغنياء ، وأن يوقف شهوات أصحاب النفوذ ، وأن يصون مال الدولة من أيدي المختلسين والطامعين .. " .. وإذا كان هذا هو حال الحكومة فإنه يقول عن المعارضة " المعارضة يتولاها زعماء فاشلون .. فشلوا في اكتساب ثقة الشعب ، وفشلوا في مواجهة الحقائق السافرة ، وفشلوا في وقف طغيان الحكومة وأخطائها " .. ويستطرد إحسان في حديثه عن الأداء الفاشل من وجهة نظره لعدد من الوزراء ويختتم مقاله بنتائج سوداوية ساخرة فيردد العبارات التالية " ويل للناجحين ، وويل للحر الأبي الذي يخشى ضميره ، ويخشى الله في وطنه ، وويل لمن يحاول أن يجعل من مصر دولة منتصرة ناجحة ، وويل للكفء الذي ينظر إلى الأمور نظرة جدية ويعمل متعمداً النجاح لا متعمداً الفشل " .. ثم يختتم مقاله " جربوا صنفاً آخر من الرجال " ..
 
لقد تابعنا عبر العديد من مواقع الإنترنت في الفترة الأخيرة نشر قوائم بالدول الفاشلة يتم الإفصاح عنها سنوياً من خلال اتفاق بين مركز التمويل من أجل السلام ومجلة شهيرة استناداً إلى معايير اجتماعية واقتصادية على أن تشمل قدرة الدولة أو فشلها في ضمان الأمن وتأمين حاجات مواطنيها الأساسية وامتلاكها شرعية سياسية .. والمعايير الأساسية الثلاث السابقة تتضمن إثنتي عشر معياراً فرعياً ، بحيث تشمل " الضغوط السكانية ، حركة كتل اللاجئين ، انعدام برامج التنمية بين الأقليات ، التدهور الاقتصادي الحاد ، الجرائم الاجتماعية للدولة ، نقص الخدمات العامة ، إعلان حالة الطوارئ وتدهور حقوق الإنسان ، والانقسام الأمني الداخلي كحالة أن تكون هناك دولة داخل الدولة ... وغيرها " ..
 
وقد تم إصدار ثلاث قوائم منذ عام 2005 ، في القائمة الأولى كان مجموع الدول الفاشلة ، بحسب هذه المعايير الأمريكية هو " 75 دولة " ، وفي القائمة الثانية كان المجموع " 146 دولة " ، أما القائمة الثالثة لعام 2007 فقد بلغ المجموع " 177 دولة " .. وقد شملت القوائم الثلاث معظم الدول العربية والإسلامية ..
 
وسواء اتفقنا أو اختلفنا على المعايير التي تم تحديدها من قبل الأمريكان وشرعية احتكارهم الحكم على مسيرة نظم حكم دول العالم والتقييم وتصنيفها إلى دول ناجحة وأخرى فاشلة ، فإننا في مصر المحروسة وقد كان لنا موقعاً متقدماً مؤشراً إلى درجة ما من الفشل الحكومي في كل هذه القوائم ، نتوجه إلى حكومتنا الحالية برسالة أقل حدة من رسالة المبدع إحسان عبد القدوس نطالبهم فيها بأن يجالسوا الناس وأن يكفوا عن بث الرسائل الإعلامية المثيرة للقلق والتي لا تعبر بصدق عن واقع الناس وطموحاتهم ..

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter