الأقباط متحدون - جورج.. مدرس التاريخ الإسلامي
أخر تحديث ٠٤:٣٦ | الاربعاء ١٣ يناير ٢٠١٦ | ٤ طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٠٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

جورج.. مدرس التاريخ الإسلامي

رباب كمال
رباب كمال

وُلد جورج في قرية صغيرة في لبنان عام 1861، والده كان أميًا يُدعى حبيب، يملك مطعمًا متواضعًا في بيروت، أراد حبيب أن يصبح نجله جورج ساعده الأيمن في إدارة المطعم حين يصير شابًا، إلا أن الشاب الطموح أراد أن تجري الرياح بما لا تشتهي سفن أبيه، أراد جورج لسفينته أن تُبحر به إلى القاهرة وهو في ريعان الشباب ليستقر بها ويتخذ من مصر وطنًا حتى الممات.

جورج كان اسم الشهرة.. واسمه بالكامل جورجي حبيب زيدان، اشتغل بالصحافة ودرس الأدب والتاريخ، شق الرجل العصامي طريقه وسط أجواء ملبدة بالتحديات، وأصدر مجلة الهلال المصرية عام 1892، والتي تُعد أول مجلة عربية ثقافية ولازالت تصدر حتى يومنا هذا.

إلى جانب عمله الصحفي والأدبي، عشق جورج دراسة التاريخ الإسلامي، وأبحر في عالم الحضارة الإسلامية ليصدر عددًا من المؤلفات والدراسات في هذا الصدد.

هو مؤلف دراسة من خمسة أجزاء بعنوان تاريخ التمدّن الإسلامي (1906-1902 )، كما أنه صاحب روايات تاريخ الإسلام وهي سلسلة من الروايات التاريخية التي تتناول الحضارة الإسلامية ، سردها جورجي زيدان بلمحة من التشويق والإثارة كأنك تشاهد ملحمة سينمائية نصب عينيك، في محاولة منه لترغيب العامة في قراءة التاريخ الإسلامي من خلال 22 عملًا روائيًا من أشهرها فتح الأندلس وصلاح الدين الأيوبي.

قد يتبادر لذهن البعض أن ولع جورجي بالحضارة الإسلامية له أسباب عقائدية في نفسه لكن الحقيقة عكس ذلك، جورجي لم يُشهر إسلامه وتوفي كما وُلد معتنقًا للمسيحية، إلا أن عقيدته لم تثنه عن دراسة التاريخ الإسلامي الذي كان شغوفًا به.

تردد اسم جورجي زيدان بقوة في أروقة الجامعة الأهلية (المصرية) التي أنشئت عام 1908، وأصبحت فيما بعد جامعة فؤاد الأول وهي جامعة القاهرة الآن.

سر تردد اسمه، لم يكن بسبب دعوته لإنشاء الجامعة منذ 1897 من خلال كتاباته في مجلة الهلال، ولم يتردد اسمه لأنه كان مرشحًا فحسب لأن يكون أحد أساتذة الجامعة وإنما لسبب أكبر سيهز الرأي العام في مصر كلها. لقد رشحت الجامعة جورجي زيدان المسيحي ليُدرّس تاريخ الحضارة الإسلامية في كلية الآداب.

جورجي كان يُقدم قدمًا ويؤخر أخرى في قبول المهمة، فهو متخوف من رد الفعل المجتمعي، ولكن رئيس الجامعة بالإنابة السيد إبراهيم نجيب طمأنه بأن علمه الغزير في دراسة الحضارة والتاريخ الإسلامي وكذلك مؤلفاته ستشفع له عند الرأي العام.

لا يجوز لغير المسلم.. أم لا يليق؟
يبدو أن مؤلفات جورجي في الحضارة والتاريخ الإسلامي لم تشفع له أمام الرأي العام والصحافة التي شنت عليه حربًا ضروسا، وكأنه قادم للجامعة على رأس حملة صليبية لغزو الجامعة وليس لأداء مهمة علمية.

نشرت جريدة "المؤيد" خبرًا يفيد بأن الجامعة اجتمعت بشكل طارئ تلبية للرأي العام، وصوّت أعضاء إدارتها على "أنه لا يليق لغير المسلم تدريس مادة التاريخ الإسلامي".

مارست الجامعة تحت ضغط الرأي العام ورجال الدين"سُلطة الحسبة"، وتقمصت دور المحتسب والمطوع.. فبدلا من أن تستخدم الجامعة لفظ "لا يجوز" كما يفعل رجال الدين، استخدمت لفظ "لا يليق" وما الفارق تحديدًا في المعنى؟ كلها مرادفات مختلفة ويظل الفكر العقيم قائمًا بذاته.

أهم مكونات هذه القصة هو الأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي الذي دافع عن حق جورجي زيدان في تدريس مادة التاريخ الإسلامي وحق الطلاب في أن ينهلوا من علمه، وأن عقيدة جورجي لا شأن لها بالحكم على مادته العلمية.. رفض المنفلوطي اتهامات المناهضين لجورجي زيدان بأن نواياه خبيثه تهدف لتدريس التاريخ الإسلامي بغرض هدمه!!

قال حينها الأديب كلمات لا ينساها التاريخ ولا يجب أن ننساها نحن بالرغم أن هذه القصة عمرها مئة عام ويزيد.. قال المنفلوطي نصًا: " كأنما لم يكفهم أن يروا بينهم مسيحيًا متسامحًا حتى أرادوا منه أن يكون مسلمًا متعصبًا".

خطاب السيسي في الكاتدرائية
للعام الثاني على التوالي يتواجد الرئيس السيسي في قلب كاتدرائية العباسية للتهنئة بعيد الميلاد المجيد ليلة 7 يناير، وبعيدا عن تحليل الخطاب برمته في إطاره السياسي البحت، إلا أن ما لفت انتباهنا في خطاب هذا العام هو ما ذكره الرئيس عن مشاوراته مع أحد المفكرين- دون أن يذكر اسمه- مطالبًا إياه بإعداد كتاب عن نماذج التعايش بين المسلمين والمسيحيين.. وفجأة طرأ في ذهني قصة جورجي زيدان ومصطفى المنفلوطي على أنها القصة الأمثل لمثل هذا الكتاب.

ربما لأننا هرمنا من صورة القسيس والشيخ المتعانقين والكنيسة والجامع المتلاصقين في صور الكاريكاتور، وسئمنا اختزال الوحدة الوطنية في صراع مع السلفيين حول تهنئة المسيحيين في أعيادهم وسط فتاوى على شاكلة التهنئة تجوز.. وكأننا نمن ونتفضل على المسيحيين بالتهنئة.

قصة جورجي زيدان ليست مؤسفة بقدر ما تحمل الكثير من الدروس العامة وأهمها:
أولا: دور المحتسب والمطوع قامت به مؤسسات الدولة والصحافة وليس رجال الدين فقط، فكان الأكاديميون والصحفيون والشيوخ في جبهة واحدة !! لذا لا يجب علينا أن نختزل معركة تنوير العقول الآن في مجرد تجديد الخطاب الديني، وإنما في تجديد خطاب ثقافي يواكبه حتى لا نفاجئ بارتداء القوى المدنية لجلباب المحتسب.. فكم من قضايا فكرية تعرّض أصحابها للاغتيال المجتمعي على يد تيارات تدعي أنها مدنية!

ثانيًا: موقف مصطفى المنفلوطي الحازم والواضح جدير بالدراسة والتدريس لأبنائنا وجدير بأن يكون فكرا يُحتذى به ضد الأفكار المتعصبة. كان من الضروري نشر مثل هذه الأمثلة ( مؤازرة المنفلوطي لجورجي زيدان ضد داعشي ذاك الزمان) في مناهج التعليم الأساسي ليدرك أولادنا مفهوم خوض معركة من أجل وطن بلا تمييز.

غزوة البلح :
لطالما شدد الرئيس على أن قبول الآخر جزء لا يتجزأ من تجديد الخطاب الديني، وبينما كان يطالب الرئيس بتجديد الخطاب الديني، كانت الشرطة تجدد الخطاب البوليسي، وألقت القبض على ثلاثة شباب مسيحيين اتهمتهم بازدراء الأديان على خلفية توزيعهم تمرا على الصائمين قبيل الإفطار في شهر رمضان، وجاء البلاغ على يد صحفي يعمل في جريدة رياضية.. اتهم فيها الشباب باستخدام التمر كأسلوب خبيث للتبشير وعليه وجد فوزي أسامة (16 سنة)، وشادي سعيد (20 سنة)، وستيفن محب (21 سنة) أنفسهم متهمين في قضية ازدراء أديان في موطنهم بالإسكندرية فيما عُرف إعلاميًا بغزوة البلح.

قد نختلف على الأحداث و قراءتها، هل كان الشباب فعلا يُبشرون باستخدام التمر أم كانوا يوزعون التمر على الصائمين؟.. لم يشأ أحد منا أن يسأل السؤال الجريء ألا وهو.. هل التبشير تهمة أصلا؟ فالدعوة الإسلامية ليست تهمة فلماذا يُعد التبشير تهمة وكلا العقيدتين معترف بهما دستورًا وقانونًا ..؟ ولماذا يعتبر القانون أن التبشير ازدراء أديان؟ هل تحولت قضايا ازدراء الأديان لازدراء الإسلام؟ هذا على فرضية ثبوت أنهم كانوا في مهمة تبشيرية فعلا.

الخاتمة

صورة الرئيس والبابا تواضرس في هذه اللقطة صورة تاريخية بدون شك وما فعله الرئيس السيسي سابقة تاريخية في حضور قداسين عيد ميلاد مجيد في عامين متتاليين، ليكون أول رئيس يُقْدِم على ذلك بالرغم من المغالطات التاريخية التي خلطت بين زيارة رؤساء سابقين للكاتدرائية في مناسبات متفرقة وبين حضور فعلي للقداس.

لربما تُثلج هذه الصورة صدور كثير من أبناء وطن واحد يخشون الفرقة والمشاحنات الطائفية، لربما تنزل هذه الصورة بردًا وسلامًا على وطن يعاني من تفشي التعصب الديني، لربما تُعد هذه الصورة رسالة سياسية صريحة تضرب دعاة التطرف بصفعات متتالية على وجوههم، إلا أنه يظل مفهوم الدولة المدنية أكبر بكثير من مجرد اختزاله في زيارة الرئيس للكاتدرائية، حتى وإن كانت لفتة سياسية في محلها.

فهل تشفع زيارة الرئيس عما تُقدم عليه الأجهزة الأمنية في الإشراف على كثير من جلسات التهجير القسري للأقباط في مصر؟ هل تشفع زيارة الرئيس للكاتدرائية ...عن توجيه اتهامات ازدراء أديان لشباب مسيحي بتهمة توزيع التمر؟

الخلاصة أن الدولة المدنية لا تشن غزوات البلح !!
نقلا عن دوت مصر


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع