تهنئة من القلب أتوجه بها إلى الأحباء المسلمين بمناسبة عيد الفطر المبارك، راجياً للجميع الخير والوئام، ولبلادنا ولمنطقتنا وللعالم الاستقرار والسلام.
شهر رمضان يكون فرصة للتلاقي وللترابط بين الناس، ففي هذا الشهر تحرص بعض الكنائس على عمل موائد إفطار تضم المسلمين والمسيحيين للتعبير عن الوحدة والترابط ورفض جميع محاولات التفتيت والتقسيم، كما ينتهز البعض هذه الفرصة فيقوم بتوزيع البلح أو بعض المشروبات المثلجة في الشوارع وداخل عربات المترو قبل موعد الإفطار، ومن الجميل أنك لا تستطيع أن تعرف ديانة من يقوم بالتوزيع، كما أن من يقومون بالتوزيع لا يسألون عن ديانة المتلقي، فهم يعطون البلح والمرطبات لكل عابر أمامهم في الشارع سواء كان مسلماً أو مسيحياً.
أما ما حدث الأسبوع الماضي في الإسكندرية فكان غريباً بكل المقاييس عن الروح المصرية الأصيلة، ففي يوم الجمعة 10 يوليو 2015 قام شاب يبلغ من العمر ستة عشر عاماً ويدعى فوزي أسامة فوزي بتوزيع أكياس بداخلها 3 تمرات، وأثناء قيامه بذلك فوجئ بشخص يدعى محمود عبد الحليم موسى ويبلغ من العمر أربعة وأربعين عاماً ويعمل صحفياً بجريدة ميدان الرياضة، وقام هذا الصحفي باحتجاز فوزي وتفتيشه بدون وجه حق، وكان معه نسخته الشخصية من الكتاب المقدس ونبذة صغيرة تحوي بعض تعاليم السيد المسيح التي يدعو فيها إلى المحبة والسلام والرحمة، فأخذه إلى نقطة الشرطة.
وبعد حوالي 20 دقيقة قام فوزى بالاتصال بصديقه ويدعى شادي سعيد رياض 20 عاماً الذى قام بدوره بالاتصال بصديق آخر ويدعى ستيفن بطرس فايد 22 عاماً، وذهبا معا للسؤال عن صديقهم فوزي، فزج بهم رجال الشرطة وأدخلوهم فى المحضر على الرغم من أن "الشاكى" عند سؤاله أمام النيابة عن هذين الشابين قال: إنهم لا دخل لهم بالتوزيع، ومن قام بالتوزيع هو فوزى فقط، ولكن تم التحفظ على الشباب الثلاثة، وبعد فترة تم أخذهم على قسم أول المنتزه، ثم تم ترحيلهم إلى نيابة أول المنتزه.
وأثناء التحقيقات وجهت النيابة العامة سؤالاً للشاكي: هل قام أي من المتهمين الثلاثة بازدراء الدين الإسلامي؟ وهل دعاك أحدهم لاعتناق المسيحية؟ جاءت أقوال الشاكي: لم يحدث هذا على الإطلاق، وعلى الرغم من كل هذا وجهت النيابة العامة تهمتين للشباب الثلاثة، الأولى: ازدراء أديان، الثانية: اتّباع أسلوب تبشيري حديث، وبعد انتهاء التحقيق أعادوا الشباب مرّة أخرى إلى قسم منتزه أوّل، وتم إخلاء سبيلهم بكفالة عشرة آلاف جنيه لكل شاب، على ذمّة القضيّة وبضمان محلّ الإقامة.
وتعليقاً على هذه القصة المؤسفة لي بعض الملحوظات:-
أولاً: ماقام به الشباب المسيحي من توزيع للبلح قبل الإفطار على المارة في الشوارع هو أمر إيجابي وحميد ويجب أن يستمر، وهذا الأمر في حد ذاته كاف للتعبير عن المحبة التي دعا إليها السيد المسيح في تعاليمه.
ثانياً: إن تعاليم السيد المسيح التي تفوه بها في موعظته على الجبل، والتي قيل إن الشباب يقومون بتوزيعها على المارة في الشارع، لا تحوي أية إساءة أو ازدراء لأي دين من الأديان، فهي تعاليم تدعو لمحبة الآخر المختلف أياً كان دينه أو عرقه، وقد سبق وأشاد الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في أحد البرامج التليفزيونية بهذه الموعظة فقال:" إني أتغنى بموعظة المسيح على الجبل وتدمع عيني وأنا أقرأها"، هذا فضلاً عن أن عدداً ليس بقليل من المسلمين كثيراً ما يستشهدون بهذه التعاليم سواء في موائد الإفطار التي تجمعهم بالمسيحيين، أو في غيرها من المناسبات.
ثالثاً: إن الإسلام دين دعوة، والمسيحية تبشر بالمحبة والسلام والإخاء الإنساني بغض النظر عن اللون والدين والجنس، ومن حق كل أحد أن يدعو لدينه وأن يبشر بمعتقداته طالما يفعل هذا بالحكمة والموعظة الحسنة، وطالما أنه لم يتبع في دعوته أوتبشيره أساليب الترهيب أو الترغيب، وحيث إن من يبشرون بالمسيح وبتعاليمه لا يُكرهون أحداً على الإيمان به، ولا يستخدمون العنف أو الإرهاب في الدعوة للمسيح، فمن حقهم أن يبشروا بتعاليمه السامية التي تدعو للمحبة والسلام والمساواة بين البشر.
لقد سافرت إلى بعض بلدان أوروبا وعلى الرغم من وجود أغلبية تدين بالمسيحية في تلك البلدان إلا أني شاهدت بعيني رأسي مسلمين يدعون الأوروبيين إلى اعتناق الإسلام، بل ورأيت ما هو أعظم من هذا، رأيت مسلمين يهاجمون المسيحية علناً في شوارع وطرقات البلدان الأوروبية بل ويقومون علناً بتوزيع المنشورات والكتيبات التي تهاجم المسيحية ومع هذا لم يمنعهم أحد، بل ولم يلصق بهم أحد تهمة ازدراء المسيحية !! لماذا ؟!! لأن البلدان الأوروبية تقدر حرية الرأي والتعبير، وأن الفكر يواجه بالفكر، وهذه الدول تقدمت لأنها تحترم حقوق الإنسان والحريات، ومن ثم فهي لا تمنع أي أحد من أن يدعو لدينه.
رابعاً: حتى لا تختلط المفاهيم وحتى لا تتوه الحقائق، لابد أن نؤكد أن التبشير لا يعني أبداً ازدراء الأديان، فالتبشير هو فقط نشر تعاليم المسيح، أما ازدراء الأديان فهو التعرض للأديان الأخرى المغايرة بالتهكم والسخرية وهو أمر لم يدعونا إليه السيد المسيح، وكل مسيحي حقيقي لا يمكن أن يوافق على ازدراء الأديان الأخرى، وحيث إن التبشير لا يعني أبداً ازدراء الأديان، فإنه من المضحك المبكي فى عالمنا العربي أن يصر البعض على إلصاق تهمة ازدراء الأديان بالمبشرين بالمسيح لا لشيء إلا لكي يحدوا ويحجموا عملية التبشير، ويروعوا قلوب المبشرين بتعاليم المسيح، حتى يكفوا ويمتنعوا عن فعلهم الآثم !!!
خامساً: إن ما حدث الأسبوع الماضي في الإسكندرية من انتهاكات للقانون بدءاً من قيام الصحفي بالقبض على أحد الشباب، والزج بأشخاص لا علاقة لهم بالموضوع، وكذلك توجيه تهم إليهم لا وجود لها في نصوص القانون، حيث إنه لا توجد جريمة إلا بنص، والتبشير ليس جريمة، كل هذه المخالفات التي تمت من خلال بعض المتعصبين تسئ للدولة المصرية وتمس هيبتها وتظهرها أمام العالم بمظهر غير حضاري، وأنها دولة يغيب عنها القانون، ويتلاعب بهيبتها المتعصبون، وتحكمها القبيلة وشريعة الغاب.
هناك عطب في العقل المصري.
التعصب الأعمى لايزال مسيطراً على الكثير من الأذهان.
لماذا الخوف من فتح نوافذ الحرية ؟
متى سنحترم الحريات ولاسيما حرية التفكير والتعبير ؟!!
بدون حريات لن تصبح مصر "أد الدنيا"
بل سيكون مكانها آخر القطار الحضاري و"ذيل الدنيا"!!
نقلا عن دوت مصر