كما كشف البرلمان عن ارتباكنا السياسى، كشف أيضاً، وبقوة عن ارتباكنا الأخلاقى، وأنا مندهش من اندهاش الناس من أداء البرلمان فى أيامه الأولى، ببساطة، نحن استيقظنا ونظرنا فى المرآة، فهل سنشاهد أنفسنا، أم تظنون أننا سنشاهد سكان اليوتوبيا أو مواطنى السويد وفنلندا؟!، فى ظل هذا الارتباك ومع ارتفاع غبار هذه المعارك البرلمانية البيزنطية فوجئنا بمعركة حامية الوطيس، وهى موقعة البوت المقدسة!!، نائب محترم أصدر فرماناً لحريم المجلس بعدم ارتداء البوت اتقاءً لشر الفتنة!، جزء السلاملك الذكورى طلب من قسم الحرملك الأنثوى التابع لبرلمان مصر المحروسة أن يتبعن الأوامر السلطانية المدون بها شروط الحشمة النسائية داخل الحرم البرلمانى، لن أبحث فى مكنون النائب ونيته، والبدائل التى يطرحها سيادته للنائبات فى المجلس، هل يريد سيادته منهن ارتداء البُلغة، أم السابو؟، وهل سبب المنع أن «البوت» مذكر، ولا يحل اجتماع المذكر مع المؤنث فى جسد أنثى هى فى قاع النار أصلاً، لأنها خرجت من بيتها، وخالطت الرجال وارتكبت كبيرة الكبائر، وهى لبس البنطلون، الذى جُلدت بسببه سيدة سودانية تطبيقاً لحكم الشرع؟!، وهل سيادته يضع «البوت» فى قائمة المحرمات تطبيقاً لفتوى منع الخيار والكوسة وعدم جلوس النساء على الكراسى؟، لن أبحث فى الأسباب والعلل والمبررات والنيات، لكنى أتساءل: هل الثورة هى خلع الحاكم، أم خلع الأفكار الرجعية المتخلفة؟، هل الثورة التى كان من وقودها الأساسى وعمادها الرئيسى نساء وبنات،
تنتهى إلى سجنهن وحبسهن، والسخرية منهن وترسيخ الدونية لديهن؟!!، هذا نائب منتخب لم ينجح بالتزوير، إنه إفراز دائرة غالبيتها تحمل نفس الأفكار، إذاً علينا أن نواجه أنفسنا ونعيد تقييم المسميات ووضع ما فعلناه فى حجمه الصحيح، ونزرع فى داخلنا اليقين بأن الطريق ما زال طويلاً أمام الثورة الثقافية والتغيير الاجتماعى المنشود، والمطلوب كبداية لأى فعل ثورى، أن ثقافة التصالح مع القبح جعلتنا نكره الجمال ونعادى البهجة ونفسر أى لفتة تفسيرات جنسية، ونترجم أى تصرف ترجمة شبقية مشحونة بالهلاوس والضلالات، ولا نستطيع دمج هذه الأحاسيس فى مشاعر الحب، بل تنحصر فكرتنا عنها فى أداء ميكانيكى، وكأننا نشغل ماكينة بأزرار، ما زلنا حشريين نحشر أنوفنا فيما لا يعنينا، ما زلنا إسطمبات وكليشيهات نعادى التنوع والاختلاف، ما زالت المرأة لدينا مصدراً للإزعاج، لا مصدراً للفرح والبهجة وتنظيم موسيقى إيقاع الكون والحياة، لا نتعامل معها كفراشة ملونة، بل كفراش نكاح!!، سيدات ونائبات البرلمان لسن وردة فى عروة جاكتة النظام، صوت النائبة «دينا» الرقيق ليس مدعاة للخجل والسخرية، بل مدعاة للفخر أن لدينا مثل هذه الدارسة المجتهدة التى استطاعت أن تخوض معركة طاحنة فى حى شعبى بسيط، نظر إلى عقلها لا إلى ملابسها، وهذا هو التناقض أن يقتنع بها وبمظهرها ويشجعها بسطاء غلابة بينهم عدد كبير غير متعلم أصلاً، ويهاجمها، وينتقدها نخبة من كتائب الفيس بوك!!.
يا مصر نواتك المصرية ما زالت جميلة رائعة، لكن القشرة الوهابية البدوية المستوردة المليئة بالقروح والندوب والقيح والصديد هى الظاهرة لنا والواضحة للعيان، لذلك لن ينتصر «النبّوت» على «البوت».
نقلا عن الوطن