عايدة نصيف
فى مقالى السابق طرحت مقدمة عن علاقة التعليم بقيم المجتمع، وانتهيت بالانتقال من الهيكل التعليمى الى العملية التعليمة، وفى مقالى هذا أعرض اشكالية العلاقة فى قضية التعليم بين الطريقة والمضمون او بين الشكل والمضمون، أو بين الاساليب التربوية والمادة العلمية، وهناك فريقين تجاه تلك الاشكالية، الفريق الاول وهم التربويون اذ يؤكدون على ان آفة التعليم فى مصر هى عدم الاهتمام بالطرق التربوية السليمة وعدم تطبيق أبحاث التربويين، فى حين ان الفريق الثانى المهتم بنواتج وثمار العملية التعليمية فى المجتمع يؤكدون على عكس ذلك ، ان ما يعانى منه التعليم هو التطبيق المفرط بالشكل وبالطريقة على حساب المضمون والجوهر والتى ادت الى تدهور التعليم بهذا الشكل الذى يستشعره المجتمع الان.
وأنا ارى أن نبحث المشكلة من جذورها، فهناك عهودًا سابقة سيطر على العملية التعليمية فيها بعض النظريات التربوية الخاطئة ومن ثم كان تدهور التعليم، فاذا رجعنا الى التاريخ وقمنا بالتدقيق نجد أن التعليم ظل حتى الاربعينات واوائل الخمسينات يهتم اساسا بالمضمون ولكنه تحول بعد ذلك الى اهتمام مفرط بالشكل وبالطريقة دون المضمون الذى يُنتج تنمية فى المجتمع فى كافة المجالات ، ومن ثم تحولت مدارسنا الى شكل دون مضمون ، اما الاهتمام بالعلم ذاته فقد تراجع الى الصفوف الخلفية وربما اختفى تماما وهو ما نتج عنه بعض الصور السلبية والسيولة الاخلاقية التى نراها الان فى المجتمع.
وفى فترات سابقة معينة ومن الحقائق المعروفة أن بعض المسئولين عن توجيه التعليم كانوا يعلنون صراحة تلك المظاهر الخارجية للنشاط، أما مدى استيعاب الطلاب للعلم وتحصيلهم للمعلومات وقدرتهم على تحصيل المعرفة فكان فى نظرهم أمر ثانوى، اما الان فقد فقد التعليم الشكل والمضمون، وكانت بداية تدهور التعليم هو الخروج بوظيفة النشاط التربوى الغير سليم والمصطنع وليس الحقيقيى بل وابتعادا عن القيم الاجتماعية الاصيلة لتتبدل بقيم اجتماعية اخرى بديلة .
والاشكالية هنا ليست انحرافا او خطأ ينتمى الى مجال التعليم وحده وانما هى جزء من انحراف اوسع بكثير يتعلق بأسلوب حياة المجتمع بوجه عام؛ واقولها بصورة صريحة هذا وجه من اوجه النفاق وعدم الاحساس بالمسؤلية الاجتماعية والوطنية والاتجاه الى (سد الخانات ) بدلا من الاهتمام الجاد بالمشكلات وايجاد حلول لها؛ ومن ثم فان الظروف التى ادت بالتعليم الى الاهتمام بالطرق والاساليب الشكلية دون المضمون جزء لا يتجزأ من طابع عام فى قيم المجتمع
واقف عند ظاهرة اخرى من مظاهر تدهور التعليم فى بلادنا الا وهى ظاهرة الحفظ الحرفى للمعلومات العلمية دون محاولة لهضمها او اتخاذها وسيلة لحل المشكلات المعقدة التى يواجهها الانسان فى حياته
هذه الطريقة التى جعلت تلاميذنا أشبه ما يكونوا بآلات تسجيل تفرغ ما لديها وقت الامتحان، دون أن يتبقى لديهم شىء مما عرفوه لكى يستعينوا به فى مواجهة المهام والقضايا المعقدة التى تزدحم بها الحياة ، وهذا الطابع الغالب على اساليب التعليم فى كثير من المعاهد التى تقدم تعليما دينيا ولغويا تقليديا كان منذ عهد بعيد ولا يزال هو الحفظ عن ظهر قلب، وهذه الطريقة تندرج تحت السلطة المطلقة للنص دون اعادة تجديد الفكر واعمال العقل ، ولكن اللحظة التاريخية التى نعيشها تتطلب اعمال العقل واعطاء القدرة العقلية للطلاب للابداع والابتكار والتفكير فى ظل وضع اليات حديثة ومتطورة تراعى الشكل والمضمون لتكون العملية التعليمية ثمارها تنمية الانسان والمجتمع واستعادة قيمنا الدفينة التى تحملها الهوية المصرية الاصيلة. ولنعرض آلية التطوير والتحديث فى مقالنا القادم ان شاء الله