بقلم يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها-(569)
يقولون إن زيارة السيسي للكاتدرائية المرقسية بالعباسية ليلة عيد الميلاد لم تكن مفاجأة…وأقول إنها كانت مفاجأة سارة بجميع المقاييس,لأنها جاءت علي غير المتوقع بعد الإعلان عن حضور مندوب عن رئيس الجمهورية الاحتفالات طبقا للبروتوكول السياسي المتبع…لكن تكرار الرئيس السيسي لمفاجأته الجميع بدخوله الكاتدرائية هذا العام مثلما فعلها العام الماضي كان له مفعول السحر في انفجار مشاعر الفرح والتقدير والحب وسط الحاضرين علي جميع مستوياتهم-إكليروس ومسئولين ومواطنين أقباطا ومسلمين-كما ترددت أصداؤها بذات مشاعر السرور والعرفان عبر مصر والمصريين…أما عن العالم من حولنا فقد أرسلت الزيارة رسالة قوية عظيمة عن مصر الجديدة-شعبا وقيادة-حيث لافرق إطلاقا بين المصريين وانصهارهم في وعاء الوطن بات حقيقة راسخة.
سيظل الرئيس السيسي كما عهدناه مستحوذا علي محبة المصريين وتأييدهم الجارف لقيادته بدفء حديثه وبساطة وتلقائية كلماته وقدرته الملفتة علي إشعارهم أنه واحد منهم يشعر بما يشعرون ويتصارح معهم عما يجيش في صدورهم ولايترفع عن الاعتذار لهم وتطييب خواطرهم ومطأنتهم إزاء ما يحدث وما سوف يأتي…وأجدني أكرر ما سبق وكتبته تعليقا علي زيارة السيسي للكاتدرائية العام الماضي:حقا كان السيسي في تلك الليلةبابا نويل المصريين.
لم أكن ضمن الحضور في الكاتدرائية ليلة العيد وتابعت الصلوات والاحتفالات ووقائع زيارة الرئيس عبر شاشة التليفزيون…ولعل ذلك حرمني من معايشة البريق الحقيقي للزيارة والشرارة الكهربائية التي سرت وسط الحضور بدخول السيسي وحديثه وخروجه الذي ألهب المشاعر الجياشة-وذلك يذكرني بالمقارنة بين من يحضر مباراة كرة القدم في الاستاد وبين من يتابعها عبر شاشة التليفزيون-لكن لعل المتابعة من خارج المشهد وعن بعد تسمح للشخص أن يري ويسمع من منظور أوسع وأشمل من ذلك المتاح لأي من الحاضرين طبقا لما يسمح به موقعه وزاوية رؤيته…وأصارحكم القول؟…لم يكن كل مارأيت أو كل ما سمعت يتناسب مع الحدث ولا المكان ولا الحضور.
لعلي أفتح اليوم ملفا مسكوتا عنه سرت بشأنه همهمات متناثرة في السابق ولكن لم يتم بحثه وحسمه بصراحة وشجاعة من قبل وظل هذا الملف يؤرقني-مثلي مثل الكثيرين-وأشعر أن الوقت حان لفتحه…إنه ملف السلوك الواجب اتباعه وترسيخه في الاحتفالات الدينية وفي الملتقيات الكنسية وفي حضور الشخصيات القيادية…فمن الواضح أن ثقافة المصريين واندفاعهم في التعبير عن مشاعرهم-فرحا أو حزنا-لا يحدها زمان أو مكان أو حضور وتترك منطلقة عفوية جارفة دون ضبط أو توجيه أو سيطرة,الأمر الذي يتجاوز الحدود اللائقة أو المقبولة في بعض الأحيان.
تحدثت ومعي الكثيرون في مناسبات سابقة عن السماح بالتصفيق والهتاف داخل الكنسية وأن تلك العادة يجب ضبطها إما بالمنع تماما احتراما للمكان الذي تقام فيه الصلوات والاحتفالات الدينية,أو علي الأقل بالالتزام بالتصفيق المقتضب الرزين الخالي تماما من الهتاف أو الصفير أو الزغاريد…لكن بينما يقع ذلك العبء علي القائمين علي النظام داخل الكنيسة يتم الاستسلام للأمر الواقع حتي بات المشهد المألوف في كل عيد موجات التصفيق غير المنضبطة التي تتبع تلاوة اسم كل مسئول أو شخصية عامة يتم شكره علي حضوره بشكل يعوق رسالة الشكر ذاتها كما يتجاوز اللياقة عندما تتباين درجات التصفيق وشدتها ومدتها بين شخصية وأخري مما يسبب حرجا للكثيرين, ناهيك عما يصاحب ذلك من الهتاف والصفير وقيام الشخصية المعنية بالوقوف لتحية الحضور وكأننا في سرادق عرس وليس في كنيسة.
وطبعا كان لتراكم تلك السلوكيات وعدم ضبطها متسع لانطلاقها وانفلاتها إبان زيارة السيسي للكاتدرائية حيث تحول الأمر منذ دخوله وحتي مغادرته إلي هرج ومرج وخلط مشاعر الفرح والتقدير وبالفوضي والعشوائية-الأمر الذي سجلته الكاميرات علي وجوه فريق الحراسة المحيط بالرئيس والقائمين علي الأمن والنظام عموما بالكاتدرائية-فلم تنجح الكاميرات في إخفاء قلقهم بل وعصبيتهم وذلك أمر مفهوم إزاء المسئولية الجسيمة التي يضطلعون بها- فما معني الاستهانة بحرمة ووقار المكان والتنكر لجلال الاحتفال والصلوات وترك أماكن الجلوس للاحتشاد العشوائي بالممرات وإطلاق العنان للصيحات والصرخات حتي وإن كانت بغرض الشكر والتقدير؟!!
ووسط ذلك المشهد الأقرب إلي المهرجانات انطلق الحضور يقاطعون حديث الرئيس بلا ضابط أو رابط مما اضطره أن يرجوهم بكياسة ودبلوماسية أن يتوقفوا ليسمعوه لكن دون جدوي وظل الرئيس يقطع كلامه ويبتسم لئلا يعكر جو الزيارة حتي اضطر أن يقول مازحا:…طيب ياللانسقف كلنا مع بعض!!وبعد ذلك أنهي الرئيس زيارته واتجه خارجا مغادرا الكاتدرائية ليتحول خط سيره إلي ساحة تزاحم وصراع بين كل من أرادوا التعبير عن مشاعرهم أو شكر الرئيس أو عناقه وبين أطقم الحراسة والأمن!!!…
اسمحوا لي أن أقولها بعد طول صمت:إن الكنيسة والرئيس علي السواء يستحقان منا أفضل من ذلك!!
نقلا عن وطنى