بقلم/القس ايمن لويس
فى ذكرى ميلاد المسيح اقدم للجميع ارق التهانى واجمل الامنيات . نعم فكلما تمر السنيين يتأكد لنا ان المسيح له المجد ، فعلا جاء للبشرية بعهد جديد ، ونور وهدايه بخلاص مجيد .
ما إن يقترب موسم من مواسمنا الدينية التى تبدائها الكنائس الطقسية بالصيام ، إلا ويثار موضوع الصيام حيث ان الكنائس الانجيلية لا تمارس الصيام بمفهومه الطقسى ، لكن ليعلم الجميع ان الصيام كممارسة تعبدية موجوده فى كل الكنائس المسيحية ، مع الاختلاف فى الاسلوب والممارسة . والواقع ارى اننا كمسيحيين اختلقنا لانفسنا قضايا تافهه جعلتنا ننشغل بأمور ابعد ما تكون عن قصد الله وخطتة . فنحتاج ان نعترف انه قد جرفتنا سطحية الفكر فأبعدتنا عن عمق الاعلان وسمو الهدف ، فجعلنا من الوسائل اهداف فضاع من حياتنا الهدف الاسمى . وواحد من المواضيع التى انتهجنا فيها هذا السلوك المزموم هو الصوم .
اولاً . ان يتم طرح السؤال بهذا الشكل الاستعلائى . أنت صائم ؟ لأى من الطرافان سواء من يمارس الطقس او من لا يمارسه ، فهو خطأ كبير على المستوى الاخلاقى او الروحى . فعلى المستوى الاخلاقى هو يحمل روح طائفية بغيض ينم عن الاستعلاء او الدينونه والاحساس بالافضليه . وعلى المستوى الروحى هو تعدى على تعاليم السيد المسيح الاساسية التى اكد فيها ان الممارسات العبادية هى مسؤلية شخصية للتقرب للرب يجب ان تمارس فى هدؤ وسرية ، بعيد عن الاعلان والتفاخر والمظهريه . «16 ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق اقول لكم: انهم قد استوفوا اجرهم. 17 واما انت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك 18 لكي لا تظهر للناس صائما بل لابيك الذي في الخفاء. فابوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية" مت6 .
ثانيا . من الخطأ ان نجعل من الصوم فريضة !! . فالصوم فى الايمان المسيحى هو ممارسة شخصية بدافع داخلى من الانسان ، للرغبة بالخروج من الاهتمامات العالمية ، والتنزه عن مشتهيات العالم والتعفف على الملذات ، للانشغال بالرب والتعبد له . اذا فنحن لا تحسب لنا حسنات عند القدير صاحب العرش كأجرة مدفوعه عن صيامنا !!؟ إن ظن البعض خطأ انه هكذا تكون الامور ، فانا اعرف ان ثقافة الاغلبية فى المجتمع ، تغلب عند كثير من المسيحيين معرفته الكتابيه بحسب الكتاب المقدس ، فالصوم وسيله لبلوغ هدف وليست فرضا . فالفرائض لدينا بحسب الكتاب المقدس التى تم الاعلان الكتابى عنها بأوامر صريحة هى المعمودية والعشاء الربانى (التناول) .
ثالثا . نحتاج ان نراجع دائما النصوص الكتابيه ولا تغيب عن اذهاننا ابداً ، حتى نتأكد دائما ان ممارساتنا العبادية صحيحة وليست خاطئة . فماذا نفهم من هذه النصوص ؟
1 - مت 9: 14 حينئذ اتى اليه تلاميذ يوحنا قائلين: لماذا نصوم نحن والفريسيون (كثيرا) واما تلاميذك فلا يصومون؟
مر 2: 18 وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون فجاءوا وقالوا له: لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين واما تلاميذك فلا يصومون؟
نلاحظ هنا ان الصيام الطقسى كان تقليدا يهوديا ، وكنا كثيراً !!؟
2 - 10 ثم دعا الجمع وقال لهم: «اسمعوا وافهموا. 11 ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان». 12 حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له: «اتعلم ان الفريسيين لما سمعوا القول نفروا؟» 13 فاجاب: «كل غرس لم يغرسه ابي السماوي يقلع. 14 اتركوهم. هم عميان قادة عميان. وان كان اعمى يقود اعمى يسقطان كلاهما في حفرة». 15 فقال بطرس له: «فسر لنا هذا المثل». 16 فقال يسوع: «هل انتم ايضا حتى الان غير فاهمين؟ 17 الا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج 18 واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر وذاك ينجس الانسان . مت15 .. نلاحظ هنا ان المسيح لم يقدم اى تشريع طقسى خاص بالصيام رغم ان المناسبة هى الافضل !!؟ .
3 - مت 9: 15 فقال لهم يسوع: «هل يستطيع بنو العرس ان ينوحوا ما دام العريس معهم؟ ولكن ستاتي ايام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون. من هذا القول نفهم ان الصيام مرتبط باحتياج ما فى وقت شدة !!؟ .
4 - كو 2: 16 فلا يحكم عليكم احد في اكل او شرب، او من جهة عيد او هلال او سبت .
ومن مراجعة سفر دانيال نفهم ان الصيام عن انواع معينة من الطعام ولا سيما الدهنية والاكتفاء بالنباتية والبقولية ، هو من أساليب الصيام الطقسية فى العادات اليهودية . ومن أهم النصوص التى لا يجب اغفالها ابدا فى قضية الاختلاف المسيحى فى ممارسة الصيام ما افرد له معلمنا بولس الرسول اصحاحا كاملا فى رسالته الى أهل رومية 14 . فمن النص نفهم ان اليوم لا يختلف عن البارحة ، وسطحية البشر فى فهم النص كانت منذ الاعلان الاول ومستمرة حتى الان ! ، وانه كما نتنازع نحن فى توافه الامور هكذا فعل المؤمنون قديما ! ، فقد كان هناك نزاع بين المؤمنين الاوائل على تفاصيل ممارسة الصيام ، وبعرض الامر على المعلم الرسول بقيادة مؤكدة من الروح القدس قدم الرسول اروع اجابة ، هى فكر وروح الرب يسوع المسيح . لنقرأ ماذا قدم بالروح : ومن هو ضعيف في الايمان فاقبلوه، لا لمحاكمة الافكار. 2 واحد يؤمن ان ياكل كل شيء، واما الضعيف فياكل بقولا. 3 لا يزدر من ياكل بمن لا ياكل، ولا يدن من لا ياكل من ياكل، لان الله قبله. 4 من انت الذي تدين عبد غيرك؟ هو لمولاه يثبت او يسقط. ولكنه سيثبت، لان الله قادر ان يثبته ... لنفهم ما يقوله الروح فالاجابة ليفعل كل واحد فى علاقته بالرب ما يستريح له !! . لان الصيام لدينا لا ، ليس فرضا لكنه تقدمه نقدمها للسيد ، وان كنت تقدم للرب عطيه فلا تنشغل ، ولا يعنيك الاخر . هو حر ، فلا تدين ولا تزدرى والا تحول الامر بالنسبة لك فخ من ابليس فتصبح وانت تريد ان ترضى الرب ، تفعل ما هو العكس وتسقط فى خطية الدينونة للاخرين ، والكبرياء الروحى ، والبر الذاتى !!؟ . لنستكمل معا بقية النص : (والذي ياكل، فللرب ياكل لانه يشكر الله. والذي لا ياكل فللرب لا ياكل ويشكر الله) . 10 واما انت، فلماذا تدين اخاك؟!! او انت ايضا، لماذا تزدري باخيك؟ لاننا جميعا سوف نقف امام كرسي المسيح،12 فاذا كل واحد منا سيعطي (عن نفسه حسابا لله) . 13 فلا نحاكم ايضا بعضنا بعضا، بل بالحري احكموا بهذا: ان لا يوضع للاخ مصدمة او معثرة. 14 اني عالم ومتيقن في الرب يسوع ان ليس شيء نجسا بذاته، الا من يحسب شيئا نجسا، فله هو نجس. 15 فان كان اخوك بسبب طعامك يحزن، فلست تسلك بعد حسب المحبة. لا تهلك بطعامك ذلك الذي مات المسيح لاجله . .
اننى اكتب هذا المقال لا لكى اقول من من الفريقين افضل ، ومن منهما هو الذى على خطأ . بل لكى اقول كم اخطأنا جميعا بجهل وسطحية ، وانى اشهد عن نفسى كم كنت احمق عندما كنت افتقر لفكر المسيح ، فدخلت فى منازعات تافهه عن الصوم واختلافته وغيره من المواضيع التى اعطها لنا الرب للبركة فحولنها بغباء الى قضايا خلافية ومنازعات تاريخية ، نجح فيها الشرير، من ابعادنا عن الهدف وننشغل بعيداً عن مجد المسيح .. اصلى ان تجد كلماتى نعمة ، فنقبل ان لكل منا الحرية فى الطريق التى يسلكها طالما اتفقنا اننا جميعا هدفنا واحد وهو الوصول للمسيح يسوع ، وما امجد هذا الهدف . وسوف نلتقى هناك بفضل محبته ، لانه هو محطة خلاصنا .