«علينا أن نجِد طريقًا.. ما بين المذَّلة والكبرياء.. ونسير فيه»
هيكل- قناة الجزيرة 2008
(1)
لا ينظر الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى مكانة مصر بالتقدير الكافى.. كما أنه لا ينظر إلى الحضارة الفرعونية على النحو الواجب.. ورغم موسوعيّة كتاباته إلاّ أنّه لا يشير أبدًا إلى الحضارة المصرية.. ولا يتوقّفُ عندها.
وحين قرأتُ كتابه «الامبراطورية الأمريكية» توقَّعت- وهو يعرِض لتاريخ الإمبراطوريات والحضارات- أن يذكر الحضارة المصرية، لكنّه تجاوز ذلك تمامًا.. تحدَّثَ عن الجميع واستثنى مصر!
إنه أيضًا لم يضع أىّ اعتبارٍ للحضارة العربية الإسلامية.. ولا تاريخ الامبراطوريات فى الإسلام.
الحقيقة.. أن «الأستاذ» لا يرى شيئًا ما بين الهند والصين وروسيا شرقًا.. وما بين أوروبا والولايات المتحدة غربًا. إنه يرى العالم العربى «مساحة من الفراغ» بين كتلتيْن من التاريخ والحضارة!
وعلى الرغم من أن مصر هى المركز بالنسبة للعالم الإسلامى.. وأن «الأزهر الشريف» هو «عاصمة» ذلك العالم الممتدّ من جاكارتا إلى الدار البيضاء.. فإن «الأستاذ» لا يرى أيّة مركزيّةٍ للقاهرة فى عالمها الإسلامى.. ولا أية مكانةٍ تَخُصُّها عن غيرها.
وحين اختار «أوباما» أن يخاطب العالم الإسلامى من القاهرة.. قام «الأستاذ» بالحطّ من شأن هذا الاختيار، وقال ساخرًا: «حاول أوباما أن يتحدث فى دولٍ أخرى.. قالوا لا.. فجاء إلينا».. «مصر بعيدة عن الكتل الإسلامية فى آسيا.. وليستْ مسموعةً هناك».. «العالم الإسلامى لم يهتم بالزيارة ولا بالخطاب.. لا شىء ولا أثر فى باكستان ولا الهند ولا أندونيسيا».. «إن أمريكا إذا أرادت تغيير السياسات.. فمكان هذا هو الكونجرس.. وليس جامعة القاهرة»!
( 2 )
إذا سألتنى: ما هى السِّمة الأساسية فى المشروع الفكرى للأستاذ هيكل.. سأقول لكَ: إنها «العدميّة». إن الأستاذ «عدمى» للغاية.. يطرح المعلومات والآراء بغزارةٍ ومهارةٍ.. ثم يُغلق أبوابَ الأمل.. ويطفئُ أنوارَ الوطن.. وحين تبحثُ وراء الأستاذ وتتساءل: ما هو الحل؟.. الإجابة عند الأستاذ: لا حلّ!
يبدو «الأستاذ» فى أحيان كثيرة وكأنه يريد أن يَسْخَرَ من ضَعْفِنِا.. لا أنْ يطرح لنا «خريطة طريق نحو القوة». واحدٌ من نماذج «العدميّة» عند «الأستاذ».. ما أَوْرده فى كتابه «الامبراطورية الأمريكية» عن معضِلة إدارة العلاقة بين العرب وأمريكا.. حيث قال «الأستاذ» باستحالة الحلّ وحتميّة الفشل.
يقول «الأستاذ»: «مشكلة المشاكل.. بالنسبة للعالم العربى هى العلاقة مع الامبراطورية الأمريكية وسط شبه مستحيلاتٍ أربعةٍ.. تبدو وكأنها أضلاعُ صندوقٍ مغلق: 1- صعوبة إقامة صداقة حقيقية 2-خطورة الدخول فى عداءٍ مطلق.. يؤدى إلى صدامٍ عنيفٍ يفوق طاقتنا ومواردنا. 3- الاندفاع فى هذا العداء إلى النهاية.. دون حدٍّ، وهذا يصل بنا إلى الكراهية العاجزة. 4- استحالة الصبّر وترك الأمور لعوامل الزمن»
يواصل الأستاذ شارحًا استحالة إقامة صداقة مع أمريكا: «لأنَّ تلك فرصةٌ أفلتتْ من زمنٍ طويل». ثم يواصل الأستاذ «فلسفة اللامعقول» طارحًا رؤيته العدميّة: «لا ينبغى أن يكون الهدف هو هزيمة أمريكا.. وإنما ترويضها.. وذلك يكفى الجميع.. تاركين البقاء لحقائق الطبيعة وأحكام التطور»!
السؤال الآن: إذا كان «الأستاذ» يرى أن العلاقة مع أمريكا أسيرة كلّ المستحيلات: «الصداقَة المستحيلة» و«العَداء المستحيل» و«التّرويض المستحيل» و«الصبْر المستحيل».. فما هو الحلّ؟!
( 3 )
إن السياسة هى فنُّ الممكن.. وتحليل الأستاذ هذا يقع خارج علم السياسة.. إنه يقع داخل علمٍ آخر.. هو علم النفس.. وداخل بابٍ مُحدَّد هو باب «صناعة اليأس».
غدًا الجزء الثانى بمشيئة الله
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع