الأقباط متحدون - شفيق جبر ومآثر الدبلوماسية الأهلية
أخر تحديث ٢٠:١٩ | السبت ٢٣ يناير ٢٠١٦ | ١٤طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨١٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

شفيق جبر ومآثر الدبلوماسية الأهلية

سعد الدين ابراهيم
سعد الدين ابراهيم

شفيق جبر هو أحد رجال الأعمال الأكثر تعليماً ووعياً ونجاحاً وانتماءً لمصر المحروسة. وهو مثل إخوان ساويرس (نجيب وناصف وسميح)، ومُنير غبور، ومحمد الأمين وإخوان منصور، وغيرهم، لم يهرب من مصر بعد ثورة 25 يناير، بل نهج عكس ذلك تماماً، فضاعف من استثماراته، وخلق الآلاف من فُرص العمل لشباب مصر، وتبنى برنامجاً لإرسال النابهين منهم لاستكمال دراساتهم العُليا ـ للماجستير والدكتوراه ـ فى أرقى الجامعات فى الخارج.

أكثر من ذلك اختار هذا الرأسمالى الوطنى المُستنير منطقة شعبية فى تلال المقطم، ليجعلها مقراً لشركاته، وينهض بمستواها العمرانى والجمالى والثقافى.

ومثلما حرص نجيب ساويرس على التواصل والحوار مع الاتحاد الأوروبى فى بروكسيل، فإن شفيق جبر حرص على التواصل والحوار مع البرلمان البريطانى بمجلسيه، العموم واللوردات. وضمن دورات الحوار تلك، دعا الرجل نُخبة من القادة البرلمانيين الإنجليز، لزيارة مصر فى منتصف يناير هذا العام (2016)، للتأكد بأنفسهم مُباشرة من استقرار الأوضاع فى مصر، وأمن وسلامة من يزورونها.

وقد دعانى الرجل ضمن مجموعة من المثقفين والسياسيين والإعلاميين المصريين، للّقاء بذلك الوفد البريطانى. وعلى امتداد ساعتين دار حوار صريح شارك فيه من الجانب الأهلى المصرى د. على الدين هلال، ود. محمد كمال، واللواء سامح سيف اليزل.

وضمن ما تناوله الحوار أوجه التعاون الأمنى والاقتصادى والثقافى والتعلمى، وضرورة مُراجعة بريطانيا لموقفها من الجماعات الإسلامية المتشددة، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، التى اتخذت من لندن مقراً لها لعدة سنوات، وحاكت من خلاله مؤامراتها ضد مصر وبُلدان أوروبية وأمريكية وأسيوية أخرى.

وشرح النواب الإنجليز طبيعة القوانين فى بريطانيا، والتى تُعطى اللاجئ إلى، أو المُقيم فى بلدهم كل الحقوق الواردة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وضمنها حُرية الحركة والتعبير عن الرأى، ما دام يفعل ذلك سلمياً. ولا يؤاخذ أو يُلاحق هذا اللاجئ أو المُقيم أو الزائر طالما لم يخرق قانوناً بريطانياً. وتدليلاً على ذلك ذكر بعضهم خارج الجلسة الرسمية، أن بريطانيا لا تتسامح فقط مع الجميع فى التعبير عن آرائهم، حتى لو بدت غريبة أو شاذة لغيرهم. بل ولأنه يؤمن الإنجليز بهذه الحُريات، فقد خصصت مساحة فى أكبر حدائقها العامة، وهى الحديقة المُسماة بهايد بارك (Hayed Park) لكى يتحدث منها أى إنسان بريطانى أو غير بريطانى بحُرية كاملة فى أى موضوع، وبأى لغة، وفى حراسة الشُرطة الإنجليزية. ويمكن للمتحدث أن ينتقد بريطانيا والملك أو الملكة، ونظامها السياسى والاقتصادى والاجتماعى. ومن ذلك، مثلاً أن إنجليزاً ومصريين كانوا يدرسون فى لندن فى ذلك الوقت هاجموا الحكومة التى كان يرأسها أنطونى إيدن، حينما شاركت مع فرنسا وإسرائيل فى الاعتداء عسكرياً على مصر، عام 1956، رداً على تأميم جمال عبدالناصر لشركة قناة السويس الإنجلو ـ فرنسية.

المهم لموضوعنا أن سِجالاً مُستنيراً بين وفد مجلس العموم البريطانى ونُخبة متنوعة من المصريين، جرى على مدى ساعتين فى قاعة المحاضرات الأنيقة بشركة أرتوك، التى يملكها رجل الأعمال المُستنير شفيق جبر، وأعقب الحوار حفل استقبال، جرى فيه مزيد من النقاش الحُر. وفى يقينى أن هذا الحدث الثقافى هو أفضل من أى مجهود إعلامى أو دعائى مُباشر لإصلاح بعض ما علق سلبياً بسُمعة مصر، بعد حادث سقوط الطائرة الروسية التى كانت تحمل مئات السُياح الروس، فوق شبه جزيرة سيناء، قبل عدة أسابيع. وتسبب ذلك فى مقتل لموسم السياحة، التى هى مصدر رئيسى لدخل مصر من العملات الصعبة، أسوة بالدخل من البترول، ومن قناة السويس.

ولكن زيارة مثل تلك التى تمت لوفد بريطانى رفيع المستوى، بدعوة من رجل الأعمال شفيق جبر، هى فى رأينا خير إجابة، على الدعاوى المُغرضة لجماعة الإخوان المسلمين، والتى تهدف إلى الإساءة لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسى، حتى لو تسبب ذلك فى الإضرار بالاقتصاد المصرى، وبأرزاق تسعين مليوناً من أبناء وادى النيل.

منذ ثلاثين سنة كتبت فى مجلة الأهرام الاقتصادى مقالاً بعنوان «رأسمالية بلا مآثر»، وكان ذلك فى عنفوان سنوات الانفتاح، فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث رأيت وقتها رأسمالية متوحشة، لا همّ لأصحابها إلا مُضاعفة ثرواتهم ونهب مصر. وقارنت بين تلك الرأسمالية، وسابقة لها قبل ثمانين عاماً، وتحديداً فى عشرينيات القرن الماضى. ورمز لها فى ذلك الوقت طلعت حرب، مؤسس أول بنك وطنى فى مصر، وهو بنك مصر. والذى سرعان ما اتبعه طلعت حرب وعدد من رفاقه بأنشطة ثقافية وفنية وخيرية رائدة، مثل صناعة المسرح والسينما ورعاية الآداب والفنون. فظهر وازدهر مسرح رمسيس، واستديو مصر. وفى غضون السنوات العشر التالية، كانت مصر ثانى أو ثالث دولة فى العالم، من حيث عدد الأفلام التى كانت تنتجها سنوياً. هذا إلى جانب الساحات الرياضية الشعبية التى أنشأها بنك مصر فى كل عواصم المُحافظات.

كانت تلكم هى مآثر الجيل الأول من الرأسمالية المصرية الحديثة. وحمدت الله أن قيض لمصر جيلاً جديداً من الرأسماليين المُستنيرين الذين لا يكتفون بمُضاعفة ثرواتهم ولكنهم يضعونها، أو يضعون جزءاً منها للخدمة الوطنية العامة. ومن ذلك هذا النوع من الدبلوماسية الأهلية، التى يُمارسها شفيق جبر، بالتوازى مع الدبلوماسية الحكومية التى تتولاها وزارة الخارجية المصرية.

فشكراً لشفيق جبر، وأكثر الله من أمثاله. آمين.

وعلى الله قصد السبيل.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع