فى الأيام الأولى لجلسات البرلمان بدت علامات من الفوضى فى ممارسة بعض الأعضاء دورهم ومسؤوليتهم، وملأ الصوت العالى القاعة وأصر بعض النواب على أن يكون قسمهم «على مزاجهم»، وليس محترما للنص المكتوب.
وحاول رئيس البرلمان الدكتور المستشار على عبدالعال أحيانا بصوت يحمل معنى الحزم والضبط والربط مهددا باستعمال قواعد ونصوص اللائحة على المخالفين، وأحيانا بصوت ينادى لغة العقل والهدوء حتى يستطيع الأعضاء على الأقل أن يستمعوا لكلمات بعضهم.
ولكن للأمانة كانت هناك مجموعة على مستوى عال من الضبط والربط، لاسيما هؤلاء الذين كان وراءهم مدة طويلة من الممارسة أو جددا ولكن وراءهم ما التزموا به وتعلموه فى سنوات التكوين والعمل سواء فى الجيش أو البوليس وأعرف كثيرا منهم ورأيتهم فى أماكنهم بهدوء ولا يتكلمون إلا حينما تعطيهم المنصة الكلمة.
ومع ذلك لم أفهم كيف أن بعض العقلاء مثل العزيز سيف اليزل والعزيز مصطفى بكرى حينما يزيد الخلاف بينهما إلى درجة كبيرة تصل إلى مقاطعة الأخير للاجتماعات رغم انتمائهما لتنظيم سياسى واحد تم التهديد بالفصل.
وفى جلسة الأحد 17 يناير وجدنا لغة العقل تغلب على النواب حينما يصوتون على مشروعات قوانين ذات أهمية استراتيجية مثل قوانين الانتخابات الرئاسية وقوانين القوات المسلحة ومكافحة الإرهاب وكان وراء ذلك معنى هو تقدير النواب لأهمية القوانين ذات الأهمية السيادية والقوانين التى تحمى الأمن القومى.
وحيئذ يصل التصويت بين 476.468 صوت فى حين فى جلسة السبت 16 يناير حظى قانون الخدمة المدنية بنقاشات وجدال بل وأوصت لجنة القوى العاملة برفضه..!!
إذن هناك بين مشروعات قوانين ترتفع أصوات قبولها إلى درجة عليا لأهميتها الاستراتيجية وهناك مشروعات تعتبر فى حسابات نواب المجلس أقل أهمية استراتيجيا مثل قانون الخدمة المدنية.
وكادت معركة أن تقوم الإثنين الماضى حينما انتشر فى البرلمان خبر منع مجموعة من الصحفيين البرلمانيين من دخول المجلس وسارع المستشار أحمد سعد الدين أمين عام مجلس النواب بنفى وجود أى علاقة بين أمانة المجلس أو رئيس المجلس بقرار منع الصحفيين الذى أصدره اللواء الفرارجى مدير الإدارة العامة لشرطة مجلس النواب، وأضاف سعد الدين أن التصرف كان فرديا ويتعلق بإجراءات استخراج تصاريح الدخول.
وأصر سعد الدين فى تصريحاته على احترام حرية الصحافة ودورها فى المجتمع، كما وعد بأن تقوم الأمانة العامة بعمل التحقيقات اللازمة للوقوف على جميع ملابسات هذا الموضوع الذى يهدد حرية الصحافة، وكان إيجابيا أيضا أن يسارع اللواء أبوبكر عبدالكريم مساعد وزير الداخلية لشؤون الإعلام والعلاقات العامة بأن يعلن أن الوزارة «ليس لها علاقة من قريب أو بعيد مع أزمة الصحفيين فى البرلمان». وانتصر الصحفيون فى معركة لم تدم طويلا...!!
أما عن سرعة تحرك البرلمان فى إصدار القوانين المطلوب إقرارها فقد أعلن الدكتور على عبدالعال أن الجلسة المسائية ليوم الاثنين قد انتهت من إقرار 248 قرارا بقانون وأنه يبقى 73 قانونا ستتم مناقشة 30 منها فى الجلسه الصباحية الثلاثاء، و43 الباقية فى الجلسة المسائية. أقل ما يمكن أن يقال إن سرعة تحرك البرلمان كان قياسيا..!!
ليت أعضاء البرلمان من الذين دخلوا البرلمان أول مرة يقبلون بكل تواضع أنه ليس عارا أن يقبلوا حاجتهم إلى تعلم «الثقافة البرلمانية» مع كل الاحترام إلى فكرة أنهم ممثلو الشعب.
ولكن الثقافة البرلمانية يجب أن نجد وسيلة وصول العلم بها إلى عقل وأذهان البرلمانيين.
لو علم الجميع أن تاريخ برلمان مصر منذ عهد الخديو إسماعيل كان حافلا وكنا من أول دول المنطقة التى أدخلت الدستور فى حياتها ومعه الديمقراطية وكان طموح الخديو إسماعيل أن تكون مصر جزءا من أوروبا وحينما نستعرض أسماء عمالقة السياسة المصرية من سعد زغلول باشا إلى مصطفى كامل ومحمد فريد والنحاس باشا وحينما نتذكر أيضا أسماء المفكرين والكتاب أمثال الإمام الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغانى سنشعر أن مصر عاشت عصر زعماء آمنوا بالقانون والدستور والشرعية والديمقراطية فأغنت حياتنا البرلمانية، وأصبحت نموذجا حيا ومشرفا لأجيال تتابعت ومارست الحرية والديمقراطية. وحينما نعود إلى قلم وأفكار كتاب مصر لهذا العصر سنجد سلاسل من ذهب تغنى العقل.
أقول كل ذلك لكى أؤكد على الأهمية القصوى لأن يتعلم البرلمانيون الثقافة والتاريخ البرلمانى والديمقراطى فى حياة مصر.
مصر كانت وستظل جزءا من التاريخ العالمى للدساتير والنظم البرلمانية بقى أن نرتفع بالمستوى الحالى لفهم وتعامل البرلمانيين مع لغة الحوار حتى نصل إلى المستوى المرجو والمأمول.
نقلا عن المصري اليوم