الأقباط متحدون - الشيخ شيبة وفنجال القهوة
أخر تحديث ٠٥:٠٠ | الاثنين ٢٥ يناير ٢٠١٦ | ١٦طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨١٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الشيخ شيبة وفنجال القهوة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
بقلم فاروق عطية
الأيام غير الأيام والزمن دوار وسنة الحياة التغيير، ومن المفروض أن يكون التفيير للأفضل، ولكن ما يحدث في الواقع هوعكس ذلك تماما. قد يكون التغيير للأفضل حادثا بالفعل في الدول الراسخة المستقرة سياسيا والتي وصلت إلي قمة الرقي والثقافة، ولكن في دولنا النايمة التي ترزح تحت نير الفاشية المزدوجة، الواقعة تحت سندال الفاشية العسكرية ومطرقة الفاشية الدينية، الوضع مختلف ولابد أن يكون مختلفا، لأن الفاشية العسكرية تزرع في الناس الخوف من قول الحق وتقتل في نفوسهم حرية الرأي والتعبير وتأصّل فيهم الكذب والنفاق والتملق والتقرب من الكبير واللهج بفضائله، ومن جاور السعيد يسعد. أما الفاشية الدينية التي تعلم الناس الخوف من الله وعقابه بدلا من تعليمهم محبة الله وعطاياه وتسامحه، وتؤثم الخروج علي ولي الأمر وتطلب منهم إطاعة أولي الأمر كما يطيعون الله ورسوله، وتحشر في أذهانهم تقديس كتب التراث وإعطائها درجة من الإجلال تقارب الكتب السماوية رغم ما فيها من أخطاء وفظائع لا يقبلها عقل ولا منطق، تؤدي في النهاية إلي طريقين أحلاهما مر، إما للتطرف ونهايته الإرهاب، أو الاستكانة للتدين الكاذب ونهايته التعلق بمظاهر الدين دون التدين.
 
   حياتنا أيام الزمن الجميل لم تكن كذلك. كانت لدينا ديموقراطية حقيقية وأحزاب تتبادل الحكم في سلاسة ويسر. قد تكود ديموقراطية وليدة غير مكتملة الأركان لكون أكثر من نصف المجتمع أميون، ولكن كان من الممكن أن تنمو وتتقدم وتصل للديموقراطية الكاملة لو لم تسرق الأحلام بحركة الضباط التي أسموها ثورة وكانت في الحقيقة فاشية عسكرية مكتملة الأركان لم نستطع الخلاص من سلاسلها وقيودها التي تكبلنا  حتي الأن.
 
   ولما كنا نسير في طريق الديموقراطية بخطوات واثقة، لم تلجأ الأحزاب للاحتماء برجال الدين الذين يزينون لهم ما يفعلون ويطلبون من الناس إطاعة الله والرسول وأولي الأمر منهم، لذلك لم تنشأ الفاشية الدينية ولم نسمع عنها. كنا شعب واحد لا فرق بين الناس لا للعرق أو اللون أوالدين. الأزهر كان حقيقة رائدا للوسطية الدينية. لم تعرف مناهجه ما نسمع عنه هذه الأيام ولا داعي لذكره. وكان الناس حقيقة متدينون بالفطرة فعلا لا قولا.
 
   والحديث عن الزمن الجميل والأيام الخوالي عاد بالذاكرة لأيام الطفولة والصبا، وأيام المدرسة الابتدائية وذكرياتها الحلوة. ففى السنة الثالثة الابتدائية كان يدرسنا مادة اللغة العربية الشيخ شيبة. والشيخ شيبة معلم أزهرى معمم بارع فى مادته, إستفدنا منه كثيرا خاصة فى تدريبنا على تجويد الخط نسخ ورقعة وثلث, كما حببنا فى تذوق جمال الشعر واستساغة موسيقاه, وحببنا فى التعبير بأن نحول أى موقف إلى قصة أو سيناريو, ولنا معه ثلاث مواقف مرحة لا يمكن نسيانها. 
 
   الموقف الأول ويبدو أنه كان يريد قراءة خبر عاجل ومهم بالصحف, فور دخوله الفصل تساءل: أمع أحدكم جريدة؟ فأجابه محمد عاكف: أيوة يا أستاذ, دقيقة واحدة وأحضرها لك من دكانة أبويا. وانطلق خارجا كالسهم وعاد وهو يجر جريدة نخل بسعفها طوها يكاد يكون ثلاث أمثال طوله, وصل الفصل متقطع الأنفاس وهو يجرها بكلتا يديه. وحين رأى الشيخ شيبة هذا الموقف كاد أن يسقط على قفاه من الضحك ثم قال: يا إبن القفاص أنا أريد جريدة أى صحيفة أى جورنال أى نيوز بيبر, أفهمت يا ابن ال..
 
   الموقف الثاني: كانت حصة المطالعة دائما ما تكون فى الحصة السابعة حيث يكون الشيخ شيبة قد استنفد كل نشاطاته فيجلس على مقعده ويطلب منا إخراج كتاب المطالعة, ويطلب منا أن نقرأ كل واحد صفحة وهو يراقب ويصحح الأخطاء. أحضر له أحمد بليلة (الفراش) فنجال القهوة السادة كطلبه, وضع قطعة من الأفيون تحت لسانه وراح يحتسى قهوته فى تلذذ, وحين انتهى من احتساء فنجاله كان قد راح فى نعاس عميق وتعالى غطيطه. قام أحد الطلبة بالتقاط عمامته ووقف فوق التختة وقام بتعليقها فى حديدة معقوفة بالسقف (تستخدم فى تعليق كلوب إذا انقطع التيار الكهربى وكان هناك نشاط ليلى) وحين دق جرس انتهاء الحصة استيقظ من غفوته وتأهب للخروج فلم يجد عمامته. صاح بنا: أين العمامة يا أبناء القوارض واللصوص؟ فلم يجبه أحد. ونتيجة صياحة وجلبة التلاميذ يريدون الخروج حضر الناظر ليرى ما سبب هذه الأصوات المتعالية. لمح الناظر عند دخوله العمامة معلقة فى السقف, فسأل الشيخ شيبة: إيه يا مولانا, هو انت نمت فى الحصة؟ فأجاب الشيخ شيبة: والله وبالله وتالله وكتاب الله والمصحف الشريف والختمة الشريفة وختمة قنبر وما بحب احلف واصل ما كنت نايم. فقال الناظر بسخرية: كل هذه الأيمانات ومبتحبش تحلف واصل.. أمال لو كنت بتحب الحلفان كنت عملت إيه؟ ثم أردف: إزاى ما كنتش نايم والعيال خدوا العمامة من على راسك وعلقوها فى السقف؟ أجاب: ربما فعلوا ذلك عندما تركت عمامتى على المنضدة وذهبت لدورة المياه..
 
   الموقف الثالث: أحضر أحد التلاميذ فى فسحة الخمس دقائق قبل الحصة السابعة مغراة من ورشة نجارة والده وقام بطلاء المقعد بالغراء. جاء الشيخ شيبة كعادته وجلس على الكرسى وطلب منا القراءة من كتاب المطالعة واحتسى فنجاله مع قطعة الأفيون كالعادة ولكنه احتاط حتى لا ينام وظل متابعا لنا, وحين انتهاء الحصة قام ليخرج فوجد الكرسى ملتصقا بجبته, فصاح ينادى الفراش أحمد بليلة وحين حضر مسرعا, خلع جبته وقال: خذ الجبة والكرسى وانقعهما فى الماء حتى الصباح.
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter