الأقباط متحدون - ثورة 25 يناير: واشنطن و18 يوماً من الغضب
أخر تحديث ٠٢:٢٣ | الاثنين ٢٥ يناير ٢٠١٦ | ١٦طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨١٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثورة 25 يناير: واشنطن و18 يوماً من الغضب

استجابة عشرات الآلاف في مدن مصر الأخرى لخروج المحتجين في القاهرة كان نقطة تحول بالنسبة إلى لواشنطن.
استجابة عشرات الآلاف في مدن مصر الأخرى لخروج المحتجين في القاهرة كان نقطة تحول بالنسبة إلى لواشنطن.

 عندما بدأت مظاهرات الآلاف من المحتجين في السير في شوارع القاهرة والأسكندرية والسويس والإسماعيلية صباح يوم 25 يناير عام 2011، كانت لا تزال الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً في واشنطن. ولم تكن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعلم أنها بعد ساعات سوف تبدأ في مناقشة الأوضاع في القاهرة وقدرة حليفها الرئيس المصري حسني مبارك على التعامل مع تلك المظاهرات التي تزامنت مع احتفال عيد الشرطة المصرية.

طالب المحتجون باستقالة وزير الداخلية المصري حبيب العادلي احتجاجاً على ممارسات الشرطة القمعية. وبسبب تقدم توقيت القاهرة على واشنطن بسبع ساعات، كانت الصورة أمام أوباما وأعضاء فريقه للأمن القومي أن نظام الرئيس المصري يسيطر على الأوضاع في القاهرة وأنه لا يوجد ما يستدعي القلق.
جمعة الغضب
واستمرت الإدارة الأمريكية في مراقبة الأوضاع في القاهرة خلال اليومين التاليين، لكن نقطة التحول الرئيسية الأولى كانت في استجابة عشرات الآلاف من المصريين في المدن المصرية للخروج والاحتجاج على الأوضاع السياسية والاقتصادية بعد صلاة الجمعة يوم 28 يناير 2011، فيما عرف باسم "مظاهرات جمعة الغضب".
تعيين مبارك عمر سليمان نائبا له في محاولة لامتصاص الغضب.
وفي المساء كانت قوات الشرطة المصرية قد اختفت من شوارع القاهرة بعد أن فشلت في صد آلاف المحتجين الغاضبين عن الوصول لميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية.
ونزلت قوات الجيش إلى شوارع المدن المصرية وبدا أن الوضع في القاهرة قد خرج عن سيطرة وزارة الداخلية.
وألقى مبارك خطابه الأول خلال الأزمة معلنا فيه عن استقالة الحكومة وعن شرعية مطالب المحتجين الذين يريدون المزيد من الديمقراطية والإصلاحات السياسية.
وبعد الخطاب تحدث أوباما مع مبارك وطالبه "باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل الوفاء بتعهداته".
لكن مسؤولاً رفيعاً في إدارة أوباما قال للإعلام في اليوم التالي إن خطاب مبارك "كان مخيباً للآمال بشدة، وإن مبارك يعتقد أنه سيستطيع الخروج من هذه الأزمة، لكننا هذه المرة لا نعتقد أن تقديره سليم."
ويروي وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد أبو الغيط أنه تلقى يوم 29 من يناير اتصالين من كلينتون، شددت فيهما على أن القيادة المصرية مطالبة بالسماح بالمظاهرات السلمية وبدء إصلاحات (لم تحددها) بشكلٍ عاجل لإنهاء الأزمة.
هيلاري كلينتون أبدت مرونة في اتصالاتها مع السلطات في مصر
ويحكي أبو الغيط أنه نقل تفاصيل الاتصالين إلى رئيس جهاز الاستخبارات العامة المصرية اللواء عمر سليمان، الذي كان يرافقه في زيارة إلى أديس أبابا، وأن سليمان أخبره بأن "الأمريكيين يتحدثون بصوتين مختلفين، الصوت الأول هو صوت البيت الأبيض، والذي يبدو أنه يتخذ موقفاً متشدداً من النظام في مصر. أما الصوت الثاني فهو صوت وزارة الخارجية، التي أظهرت قدراً من المرونة خلال اتصالاتها مع دوائر الحكم في القاهرة."
وينقل أبو الغيط عن سليمان تعليقه على هذا قائلا إنها "طريقتهم التقليدية في توزيع الأدوار".
ولم يكن تحليل عمر سليمان لاختلاف طريقة واشنطن في التحدث مع القاهرة دقيقاً. فوفقاً لمذكرات هيلاري فإن البيت الأبيض كان "يواجه معضلة في كيفية التعامل مع الأحداث في القاهرة"، فبالرغم من أن "مبارك كان حليفاً استراتيجياً لعقود، فإن مطالب المحتجين بالخبز والحرية والكرامة كانت متوافقة مع القيم الأمريكية".
أما وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت غيتس فكتب في مذكراته أن البيت الأبيض كان منقسماً حول طريقة التعامل مع الأحداث في مصر. فنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن وكلينتون وغيتس ومستشار الأمن القومي توماس دونيلون كانوا "قلقين للغاية من أن الرئيس والبيت الأبيض وأعضاء فريق الأمن القومي يميلون بشدة إلى ضرورة تغيير النظام في مصر."

تعهد الجيش لأمريكا بعدم إطلاق النار على المحتجين
ووفق غيتس فإن "أعضاء فريق الأمن القومي دعوا الرئيس للوقوف بقوة مع المتظاهرين في مصر لأنهم أرادوا أن يكون أوباما على الجانب الصحيح من التاريخ"، بينما دعا بايدن وكلينتون وغيتس ودونيلون للتحرك بحذر، محذرين من "تبعات التخلي عن حليفهم لثلاثين عاماً".
"الآن تعني أمس"
واجتمع غيتس مع دونيلون خوفاً من أن تتحول الانتفاضة الشعبية إلى نسخة ثانية من الثورة الإيرانية عام 1979، وعبر له عن "قلقه العميق من أن الرئيس أوباما لن يستطيع من خلال بضعة بيانات وتصريحات أن يمسح من ذاكرة المصريين تحالف واشنطن لعقود مع مبارك"، وأن على واشنطن أن تدعو "لانتقال منظم للسلطة" لتفادي أي فراغ في الحكم.
وكان السفير الأمريكي السابق لمصر خلال الثمانينات، فرانك ويزنر، في هذه الأثناء، في القاهرة للتحدث مع مبارك كمبعوث لأوباما.
كانت مطالب المحتجين يوم 25 يناير محصورة في إقالة وزير الداخلية حبيب العادلي
كانت مهمة ويزنر إقناع مبارك بإنهاء قانون الطوارئ والتعهد بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية في سبتمبر/أيلول وإعلان أن نجله جمال لن يترشح أيضاً أو يخلفه في السلطة. وتقول كلينتون في مذكراتها إن مهمة ويزنر استندت لتوصياتها، التي عكست رغبتها منذ البداية في "انتقالٍ منظم للسلطة".
وفي الأول من فبراير/شباط ألقى مبارك خطابه الثاني، الذي تعهد فيه بما كانت إدارة أوباما قد طلبته منه. في أعقاب الخطاب حاول غيتس ومعه وزيرة الخارجية كلينتون إقناع أوباما بإن قطع العلاقة مع مبارك سوف يكون له تبعات سلبية على علاقة واشنطن بأصدقائها العرب في المنطقة.
وخلال اجتماع حضره دونيلون وبايدن وكلينتون ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولن وفريق الامن القومي، عرض غيتس على أوباما وجهة نظره التي ترى أن على الولايات المتحدة "أن تدع مبارك يرحل عن السلطة وهو يحتفظ بكرامته، ما سيمهد الطريق لانتقال السلطة إلى المدنيين بطريقة منظمة. وهو الأمر الذي سيرسل الى حلفاء واشنطن في المنطقة رسالة مفادها أنها لن تلقي بهم للذئاب."
لكن أعضاء فريق الأمن القومي من الشباب كانوا يدفعون باتجاه إرسال رسالةٍ أقوى، وهي أن على مبارك أن يترك الحكم خلال أيام.
وحاول أركان الإدارة الأكبر سناً إقناع الرئيس باختيار كلماته بحذر خلال التحدث مع مبارك، وجادل غيتس بأن استخدام كلمة "الآن" للإشارة الى انتقال السلطة، لن يكون أمراً مناسباً. واتفق الأعضاء الرئيسيون في الإدارة الأمريكية على أنه لا ينبغي إعلان مضمون مكالمة أوباما مع مبارك. لكن أوباما اختار، وفق غيتس وكلينتون، أن يصغي للأعضاء الشباب في فريق الأمن القومي، وأن يقول لمبارك أن "انتقال السلطة المنظم يجب أن يبدأ الآن"، وأن يتم الإعلان عن مضمون المكالمة.
وفي صباح اليوم التالي، سئل المتحدث باسم البيت الأبيض عن معنى كلمة "الآن"، فأجاب: "الآن تعني أمس".
شبح الثورة الإيرانية
وفي الثاني من فبراير، اشتبك مناصرون لنظام مبارك يركبون الجمال والأحصنة مع المتظاهرين في ميدان التحرير فيما عرف باسم "موقعة الجمل"، بينما لم تتحرك قوات الجيش التي كانت تحاصر الميدان لفض الاشتباك.
واشنطن نأت بنفسها عن مبارك بعد "موقعة الجمل" في اتصالات مع طنطاوي وعنان وعمر سليمان
وفي الليل قتل خمسة برصاص قناصة وجرح أكثر من ثمانمئة. وبعد الاشتباكات العنيفة التي نقلت وقائعها شبكات التلفزيون الإخبارية حول العالم، قررت إدارة أوباما أن تكثف من اتصالاتها مع وزير الدفاع المصري المشير محمد حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان ونائب الرئيس المصري اللواء عمر سليمان الذي كان قد عين خلال الأزمة.
وفضلت واشنطن بعد "موقعة الجمل" النأي بنفسها عن مبارك عبر الاتصال بالجنرالات الثلاثة: طنطاوي، عنان، سليمان. واتصلت كلينتون هاتفياً بسليمان و"شددت على أهمية الدور الذي أداه الجيش المصري في عدم التحرك ضد المظاهرات السلمية".
أما غيتس فتحدث مع طنطاوي وشدد على الحاجة "لأن يكون انتقال السلطة حقيقيا وسلميا، وأن يبدأ الآن." كما عبر له عن قلقه من أن انتقال السلطة إن لم يبدأ الآن فإن الأوضاع في مصر قد تخرج عن نطاق السيطرة.
أما مولن فتحدث مع عنان وعبر عن رغبته في حدوث "انتقال سلمي للسلطة"، بينما أكد عنان لمولن أن الجيش المصري لن يطلق الرصاص على الناس.
وكانت تلك هي اللحظة التي قررت فيها واشنطن عزل مبارك والاعتماد على الجيش لضمان ألا تتحول الانتفاضة الشعبية في القاهرة إلى ثورة إيرانية أخرى.
الرهان على سليمان
وفي الأيام التالية كثفت واشنطن من اتصالاتها مع سليمان، مما أوحى بأنه ربما يكون الرجل الذي تثق في قدرته على تحقيق "الانتقال المنظم والسلمي للسلطة". وفي الثامن من فبراير تحدث بايدن مع سليمان وجدد له "دعم الولايات المتحدة لانتقال حقيقي، سلمي، منظم، فوري، وشرعي للسلطة".
المجلس العسكري أعلن في أول بيان له التزامه بنقل السلطة إلى حكومة مدنية
لكن سليمان شكا لبايدن من "أن مهمة التفاوض مع المتظاهرين في التحرير ليست مهمة سهلة لأنهم لا يملكون قيادة يمكن التحدث معها." (البيت الأبيض، مكتب نائب الرئيس 8 فبراير 2011)
وفي العاشر من فبراير أعلن التلفزيون المصري أن مبارك سوف يلقي خطاباً هذا المساء. وقال رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ليون بانيتا لأعضاء في الكونغرس يومها "إن هناك احتمالا كبيرا لأن يتنحى مبارك عن الحكم هذا المساء".
لكن خطاب مبارك الثالث أتى مخيباً لآمال المتظاهرين في التحرير وإدارة أوباما، وحتى لأركان نظام مبارك نفسه. فقد رفض التخلي عن السلطة وأعلن أنه سينقل سلطاته لنائبه سليمان. وبعد الخطاب قرر الآلاف من المتظاهرين في التحرير التوجه إلى القصر الرئاسي.
وبدا لواشنطن أن الأمور في القاهرة تخرج عن السيطرة وأن مصر سوف تصبح "نسخة سنية من إيران". وتحدث غيتس مع طنطاوي لمعرفة ما الذي يحدث. وأخبره طنطاوي بأن جميع سلطات الرئيس باتت في يد سليمان وأن مبارك سيغادر لمنتجع شرم الشيخ، وأن الجيش المصري سوف يحمي الشعب.
استمرت الاتصالات بين غيتس وزير الدفاع الأمريكي ونظيره المصري المشير طنطاوي
ومن اللافت للنظر أن غيتس لم يطلب من طنطاوي إزاحة مبارك عن السلطة، لكنه شدد على أن واشنطن تريد من الحكومة المصرية الوفاء بوعودها في الإصلاح.
وكان انتقال السلطة بشكل "آمن ومنظم" في القاهرة لطرف تثق فيه الولايات المتحدة أمراً أهم من مصير مبارك.
وفي 11 من فبراير أعلن سليمان تنحي مبارك عن السلطة وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد، وهو ما اعتبرته واشنطن بدايةً لعملية "انتقال منظم للسلطة".
وتعهد المجلس العسكري في بيانه الأول بنقل السلطة لحكومة مدنية منتخبة وبالالتزام بجميع المعاهدات الدولية. واعتبرت كلينتون في مذكراتها أن هذه العبارة كانت "من أجل أن تطمئن إسرائيل أن الحكم الجديد سيلتزم بمعاهدة السلام التي يعد الحفاظ عليها واحداً من أهم المصالح الأمريكية في المنطقة".
وانتهت الأيام الـ18 بتنحي مبارك عن الحكم، وبتولي الجيش مهمة "الانتقال السلمي والمنظم للسلطة". لكن فصلاً جديداً من العلاقات المصرية الأمريكية كان قد بدأ.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.