الأقباط متحدون - ضرورة تنقية التُراث الكنسي
أخر تحديث ١٧:٠٠ | الاثنين ١ فبراير ٢٠١٦ | ٢٣طوبة ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٢٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ضرورة تنقية التُراث الكنسي

بقلم الباحث / نجاح بولس

" هناك أمور تحتاج الى تحقيق ، والى معرفة ، والى تنقية التاريخ من الوعظ ، ومن القصص ، ومن الخيال ، ومن الفلكلور ، ومن التعصب لعقيدة معينة يُحَور التاريخ بحيث يتفق مع هذه العقيدة " 
 
كلمات ذهبية لأبينا المتنيح البابا شنودة الثالث في إحدى محاضراته ، متحدثاً عن ضرورة تنقية التاريخ الكنسي مما علق به من شوائب لا أصل لها في النصوص الإنجيلية ، او التقاليد الكنسية المتعارف عليها والمتوارثة من الآباء .
 
تحدث البابا الراحل عن بعض الخرافات المدسوسة في كتاب طقسي يسمى " الدفنار " ويقرأ في بعض الأديرة ، ويحتوي على قصص خيالية ليس لها أي أساس من الصحة تتعلق بقداسات يقيمها الآباء  الرسل ويحضرها المسيح بشخصه كذبيحة على المذبح ، وأخرى عن قديسين حضروا قداساً في السماء وأحضر أحدهم تفاحة من هناك .
 
ثم يستكمل قداسة أبينا الراحل حديثه عن بعض القصص الخيالية التي تخرج عن حدود المعقول في معجزات القديسين ، ومبالغات فى المعجزات بشكل لا يدخل العقل ، بل لا يتناسب مع فلسفة وطبيعة المعجزات الموجودة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، لدرجة أن الإعجاب ببعض الشخصيات في وقتنا المعاصر يدفع البعض الى تأليف قصص خيالية عن معجزات لهذا الشخص ، ومواقف له مع القديسين والسيدة العذراء ليس لها أى أساس من الصحة أو المعقولية .
 
ثم استطرد الحديث إلى الميامر ( سير القديسين ) التى دخل إلى الكثير منها الخيال والقَصَص وخصوصاً تلك المتعلقة بالأباء السواح ، التي لم تعتمد على التاريخ الموضوعي في سرد سيرة هؤلاء القديسين ، فتسرب إليها روايات خيالية غير صحيحة صورت بعض السواح يطيرون ويدخلون عبر النوافذ المغلقة ، وأشكال  كثيرة من القصص والروايات في حياة القديسين يختلط فيها التاريخ بالفلكلور الشعبي ، لدرجة ان بعض كُتاب قصص القديسين في وقتنا المعاصر يدخلون ما يستنتجونه من الحياة الى كتاباتهم ويقدمونه على أنه تاريخ . 
 
طالب البابا الراحل في كلماته الى ضرورة دراسة تاريخ الطقوس ، ودلل على سبيل المثال بصلاة الأجبية ، فهناك ضرورة في بحث تاريخ طقس الصلاة بالأجبية ، ومن رتب صلواتها ، ومن إختار المزامير والقطع والتقديسات ، وكذلك تاريخ طقس كل قداس تستخدمه الكنيسة ، وقد أشار أبينا الراحل إلى قيامه بإرسال بعض الدارسين إلى الخارج ، لدراسة تاريخ الطقوس ، إلا أن أغلبهم إستسهلوا مواضيع  أخرى  ولم يبحثوا في تاريخ الطقوس .
 
لذلك فإن هناك الكثير من الأمور تحتاج إلى تحقيق ، وإلى معرفة ، وإلى  تنقية التاريخ من الوعظ ، ومن القصص ، ومن الخيال ، ومن الفلكلور ، ومن التعصب لعقيدة معينة يدفع البعض لتحوير التاريخ بحيث يتفق مع هذه العقيدة .
 
إنتهت كلمات أبينا المتنيح البابا شنودة الثالث ، وبدأت معها مطالباتنا بضرورة الدراسة والتحقيق لكل تاريخ الطقوس والمعتقدات التي باتت مقدسة في كنيستنا وتُعامل معاملة النصوص الدينية ، بل أن البعض يعطى تقديس لممارسات كنسية هى في الأصل ليست طقوس من الأساس وليس لها تاريخ ، بل إبتدعها أو أدخلها  بعض الآباء  إلى طقوس الكنيسة منذ سنوات ليست ببعيدة ، وتعامل معها الناس بتقديس مطلق دون دراسة أو تحقيق .
 
منذ أيام قليلة حدث إنشقاق داخل البيت المسيحى ، وتراشق بين ابناء الكنائس القبطية وصل إلى شاشات الفضائيات ، بسبب واقعة رفض كهنة الكنيسة الأرثوذكسية  بقرية إتليدم بمحافظة المنيا الصلاة على جثمانا عروسان تابعان للكنيسة الرسولية ، فحدث جدال واسع وتشبث كل طرف بموقفه وإتسعت الفجوة في وقت تحاول القيادات الكنسية تضييقها بقدر الإمكان . 
 
معتقدات كثيرة وضعها كثيرون داخل ممارسات بمختلف الكنائس قدسها البسطاء بعد مرور سنوات ، أدت إلى إنشقاق داخل الكنيسة الجامعة ، وهناك ضرورة ملحة للبحث والدراسة وتنقية هذه المعتقدات من الأساطير والأفكار الفلكلورية ، وتفعيل المنهج العلمي في التفاعل مع الكثير من الطقوس الكنسية ودراسة تاريخها وأهميتها ، ومدى إعتماد بعضها والتخلي عن البعض الآخر .
 
وما دامت الكنائس تسعى للوحدة وتضييق الفجوة الثقافية بين بعضها البعض ، فلا بد أن ينتهج الجميع  لإستراتيجيات  مرنة في الحوار ، وأن يكون إمكانية التراجع عن سلوكيات متوارثة  هو الأساس في التوصل لأفكار ومعتقدات جامعة مترابطة ومتفقة مع النصوص المقدسة ، وهذا ما نهدف  البحث فيه مع باحثين آخرين عبر مقالات وأبحاث في إشكالية تنقية التُراث الكنسي فى مختلف الكنائس ، والتي سبقنا وأشار إليها معلمنا المتنيح البابا شنودة الثالث عبر كلماته التي  طرحنا بعضها في هذا المقال . 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter