إلى المرعوبين من الرجال الذين لا يتوقعون كيف تصير حياتهم الجنسية بعد الستين، نقول: عندما تتوقع أن قدرتك على الجرى كيلومتراً واحداً ستقل عندما تصل إلى سن الستين ستستطيع توقع هذه التغيرات ببساطة والمصاحبة لحياتك الجنسية ولن تنزعج إذا لم تجامع مرتين متكررتين فى ليلة واحدة، المهم أن تكون واعياً بهذه التغيرات، هنا لن تترجم أنت أو تترجم زوجتك هذه التغيرات بطريقة خاطئة وستظل واقعاً تحت تأثير قلق مراقبة نفسك حتى تحصل على شهادة أيزو الجنس!
هذا كان عن الناحية البيولوجية، أما من ناحية الاعتبارات السيكولوجية فإن ثقافتنا التى نمت وزرعت فينا أن الجنس والرومانسية فى كفة وكبر السن فى كفة أخرى وهما مثل الماء والزيت لا يختلطان.. يتجاوران نعم، ينظر العجوز بحسرة على الأيام الخوالى ويتذكر ويسرح بعيداً ويردد «ليت الشباب يعود يوماً»، نعم، أما أن يحاول أن يبحث عن سعادته فى العلاقة، وأن يحمى حبه من أن يشيب، ويصون مشاعره من أن تترهل، ويحفظ عواطفه من طلوع الكرش، كل هذا مرفوض، وكل هذا انعكاس لما يسمونه فى الغرب AGEISM أى الموقف العدائى تجاه كبار السن الذى يماثل فى قوته العدائية العنف العنصرى.
معظمنا يقلد شركات الاتصالات بعد الخمسين: «آسف الجنس خارج الخدمة»!
يقول «بتلر» فى كتابه «الجنس بعد الستين»، الذى نُشر 1976: «هذه العدوانية ترى كبار السن فى صورة متعددة الجوانب، كل واحد منهم متصلب الرأى، كئيب.. ممل.. ثرثار.. دقة قديمة.. فاقد لأى مهارة.. عديم النفع.. عبء ثقيل على المجتمع».
هذه العدوانية ملخصها «طالما كبرت فى السن فإنك قد انتهيت»، وبالطبع أبرز صور هذه النهاية هى النهاية الجنسية، وشعارها المفضل «يا الله حسن الختام»، وقد أبرزت دراسة أجراها «زيس ZEISS» 1982 تلك العدوانية المتفشية بين الشباب، فقد اختار الباحث عيّنة من شباب الجامعات وسألهم عن توقعاتهم بالنسبة للجنس بين زوجين تعديا سن الستين، فأجاب معظمهم بأنه لا يجب عليهما أن يمارسا الجنس مطلقاً.
بعيداً عن هذه العدوانية فقد تعاطف معهم العلماء إلى حد بعيد، وظلت الدراسات حول موضوع الجنس والشيخوخة تنمو وتتسع، أثبتت بعض هذه الدراسات التى أجراها «نيومان» 1960، و«مارتين» 1977، وغيرهما، أن قلة النشاط الجنسى فى حالات كثيرة يرجع جزء منها لتدهور الحالة الصحية العامة وليس إلى التغيرات الفسيولوجية، ويرجع جزء آخر إلى الخلفية الثقافية والمواقف والتوجهات الاجتماعية. فى نوعية أخرى من الدراسات، والتى يطلقون عليها الدراسات الطولية (أى تتبع أفراد خلال مسيرة حياتهم زمنياً وليس اختيار عينة فى نفس الوقت)، وأشهرها دراسة جورج وويلر 1981، وجد أن معظم الرجال الذين شملتهم العينة ما بين سن السادسة والستين حتى وصلوا إلى عمر الحادية والسبعين لم تظهر عليهم أعراض فقدان الشهية الجنسية أو قلة النشاط الجنسى بصورة حادة خلال هذه الفترة، كذلك معظم السيدات من 56 إلى 65 سنة، كن فى حالة استقرار جنسى طيلة هذه الفترة أيضاً، وبعد ذلك توقف 18% من الرجال و33% من النساء عن النشاط الجنسى.
أما الدراسة التى أجريت وكانت فى منتهى الطرافة ومنتهى الثورية أيضاً فهى التى أجراها ماكوى 1988 على فئة مهملة ومهجورة فى أى دراسة وهى ما يمكن أن نطلق عليه «المسنين» أو «المعمرين»، أجريت الدراسة على 202 رجل وامرأة صحتهم معقولة، فيما بين سن الثمانين والـ102 سنة!! وكان معظم النشاط الجنسى لهذه الفئة العمرية هو اللمس والعناق فقط، وقد كان يمنحهم كل الإثارة والسعادة.
لكن ما اتفقت عليه هذه الدراسات شىء واحد هو أن أخطر الأشياء ليست هذه التغيرات الفسيولوجية التى من الممكن والسهل التغلب عليها، بل إنه فقد الاهتمام أو اللامبالاة الجنسية أو انعدام الرغبة أصلاً والتى أرجعوها إلى الأفكار التى تنتشر فى ثقافات الشعوب عن العجائز، والكلمة للأسف مشتقة من العجز!!
فطنت بعض الدراسات الأخرى إلى أن معظم الباحثين قد ركزوا على نمط واحد من الأداء الجنسى، ولذلك لم يكن غريباً أن تنشر إحصائية 1981 عن نسبة ممارسة العادة السرية فى الرجال والنساء ما بعد الستين أثبتت أن نصف الرجال فيما بين الستين والسبعين يمارسون العادة السرية أحياناً، ونحو 47% من النساء فى الفترة العمرية نفسها يفعلن الشىء نفسه، وأنه تزيد النسبة بين الأرامل.
وبمناسبة الحديث عن الأرامل فقد أدى ارتفاع متوسط العمر، خاصة فى السيدات الأمريكيات واللاتى لم يقبلن أوضاعهن كأرامل أو مطلقات إلى البحث عن أزواج جدد، ونستعير هنا هذا الإعلان الطريف للزواج والمقتبس من إحدى المجلات الأمريكية والذى يقول «مطلوب رجل وسيم وطويل وذكى، سنه ما بين الستين والخامسة والستين، من أجل سيدة أرملة وجذابة متفتحة فى الثانية والستين من عمرها ذات جمال أخاذ، إذا كنت مهتماً بالرومانسية أكثر من لعبة الجولف أرسل صورتك ورقم تليفونك».
(ملحوظة لم تذكر السيدة أنها تهوى التريكو وأعمال الإبرة أو حتى تقدس الحياة الزوجية)!
بالطبع لن يترك مجتمعنا أمثال هؤلاء فى حالهم بل سيتعرضون لضغوط اجتماعية عنيفة وتطلق عليهم النكات ويوصفون بأنهم لا يحترمون سنهم، وبأنهم «هزأوا ومسخروا شيبتهم»، وترد وجهات النظر الغربية على مثل هذا الهجوم بأن عدم استخدام الأعضاء الجنسية لمدة طويلة يؤدى إلى انكماشها وضمورها بالضبط كما توضع قدم فى الجبس لمدة طويلة، ولذلك فالشيوخ والعجائز هناك يصرخون: لن نقع أسرى متاهة «استعمله أو افقده»!
فى هذا الإطار قامت فى الغرب حركات احتجاج واسعة ضد بيوت المسنين التى لا تسمح بغرف تضم الزوجين المسنين أو تمنع كبار السن من أن يتزوجوا داخل الدار ويعيشوا بحرية ومتعة مع رفقائهم أو رفيقاتهم، وكانت هذه الصرخات الاحتجاجية تنادى بشعار «بيوت المسنين ليست سجوناً للمسنين»، وكانت هذه أسلم الحلول وأفضلها من وجهة نظرهم لكى يتغلب هؤلاء الكبار على إحساس الوحدة القاتل والرهيب.
فى النهاية لا أجد أفضل من كلمات رجل عجوز تعدى الثمانين كان أحد أفراد عينة الدراسة التى أجراها «ماسترز وجونسون» حين قال: «بالنسبة لى فإن الجنس كركوب الدراجة متى تعلمته فلن أنساه إلى الأبد، وبينما كان كل نشاط أصدقائى الجنسى ينحصر فى تبادل إلقاء النكات الجنسية، كنت أنا أفكر فى الجنس وأحلم به دون أى إحساس بالإثم، بل إنى قد تزوجت بعد وفاة زوجتى، وعندما كنت أعانى من بعض مشاكل البروستاتا اندهش طبيبى المعالج حين أخبرته أنى ما زلت أمارس الجنس مرتين أسبوعياً»! بالقطع سيتكلم عجائزنا مثل هذا الرجل المفعم بالأمل والحيوية إذا توصل مجتمعنا إلى حل هذه المشكلة العويصة وهى كيف ننتقل من مجرد ممارسة الحياة إلى فن أن نعيش.. ونعيش بجد.