فاروق عطية
1ـ مصر الفرعونية كانت مستهدفة
لموقعها المتميز جغرافيا ولثرائها وعظمة شعبها مصر دائما مستهدفة من جيرانها شرقا وغربا وجنوبا خاصا حينما تصاب بالضعف والوهن كما هو حادث هذه الأيام الغبرة.
من الشرق غزا الهكسوس مصر بأعداد ضخمة لم يقدر المصريون على مقاومتها، وقاموا بحرق المدن وتدمير المعابد وسبي النساء والأطفال. وبعد حرب شرسة مع المصريين اتخذ الهكسوس عاصمة لهم في شرق الدلتا كانت تسمي بأوريس، وتركزت مملكتهم أساسا في الدلتا، أما مصر العليا (جنوب مصر) طيبة وبلاد النوبة فكانتا تخضعان للحكم المصري. والهكسوس شعوب بدوية من أصول سامية استغلّوا فترة ضعف مصرخلال نهاية حكم الدولة الوسطى، تقريباً في نهاية حكم الأسرة الرابعة عشر لاحتلال شمالها. استمر احتلال الهكسوس حوالي مائة عام، ولم تكن إقامتهم فيها هادئة؛ بل قوبلت بكثير من الثورات والمقاومة. لم تضف فترة احتلالهم إلى التاريخ المصري شيئاً يذكر؛ بل كانت فترة سلب ونهب وتخريب. فقط أضافوا بعض من التكنولوجيا الحربية التي كانت تستعملها الشعوب السامية كالعربات الحربية التي تجرها الخيول، والأقواس المركبة والفؤوس الخارقة والسيوف المنحنية.
في عهد الملك سقنن رع الثاني نحو(1580 ق.م) كانت طيبة قد بلغت من القوة والمكانة السياسية شأناً جعل الصدام مع الهكسوس أمراً لا مفر منه. وهذا ما دفع ملك الهكسوس «أبوبي» إِلى اختلاق الأعذار لبدء الصراع. وحقق سقنن رع في هذا الصراع بعض النجاح إِلا أنه سقط صريعاً (1575 ق.م)، في المعركه. في عام 1580 ق.م. هاجم احمس الأول الهكسوس بجيوشه في أواريس (صا الحجر حاليا) وكان عمره حوالي 19 سنة مستخدما بعض الأسلحة الحديثة مثل العجلات الحربية، وهزمهم هناك ثم لاحقهم إلى فلسطين وحاصرهم في حصن شاروهين ومزق شملهم حتى استسلموا ولم يظهر الهكسوس بعدها في التاريخ.
كانت مصر متمتعة في عهد أحمسالثاني بتقدم واستقرار كبير طوال مدة حكمه، وإن كانت هناك بعض أوجه الضعف التي بدا أنها تشكل خطرا، منها أن الجيش المصري كان عماده الأساسى كثير من العناصر الأجنبية المرتزقة مما يجعل ولآئهم محل شك، وكان نتيجة ذلك فرار أحد قادة الجيش ويدعى فانيس إلى صفوف جيش قمبيز ووشى له بخطط الجيش المصري ومواقعه كما دله على مسالك الصحراء. حاول أحمس الأستعداد للهجوم المتوقع من قبل قمبيز بعقد حلف مع قبرص والطاغية بوليكرات الذى كان يملك أسطولا كبيرا لتكون له السيادة البحرية، ولكنه فشل لخيانة بوليكرات وانضمه إلى الفرس، وفى هذه الأثناء توفى أحمس قبل أن يبدأ قمبيز حملته ويصل إلى مصر وتولى ابنه بسماتيك الثالث الحكم خلفا لوالده وواجه جيش قمبيز بعد عبوره الصحراء العربية ووصوله إلى القلعة الأمامية على حدود بيلوزيوم قرب بورسعيد، وقد هزم بسماتيك في تللك المعركة وانسحب إلى منف، واستمر قمبيز في تقدمه فوصل إلى عين شمس ثم إلى منف حيث واجهه بسماتيك مرة أخرى الذي هُزم وأسر في هذه المعركة واستولى قمبيز على العاصمة ، وأصبحت مصر ولاية فارسية في عام 525 ق.م. وظلت مصر ترزح تحت الحكم الفارسى 121 سنة أى حتى عام 406 قبل الميلاد ، وقد ذكر انه كانت هناك مقاومة شديدة من قبل المصريين ضد هذا الاحتلال، وذكر ايضا أن المصرين لكثرة ثوراتهم ضد الاحتلال الفارسى، وبعد انقضاء حكم قمبيز كأمبراطور لفارس جاء بعده "دارا" المعروف بداريوش الاول، وحكم مصر وليبيا كسلفه، ويذكر لدارا أنه أمر بإعادة حفر قناة سونسرت التى انطمرت والتى كانت تربط بين نهر النيل والبحر الاحمر، ورغم طول فترة الاحتلال فلم يحدث أى تقارب بين المصريين والفرس لقسوتهم.
وكان الغزو الفارسي الثاني لمصرقبل دخول الاسلام لمصر مباشرة وكانت مصر تحت الحكم الرومانى للامبراطورية الرومانية الشرقية المعروفة بالامبراطورية البيزنطية، كان في عهد الامبراطور هيرقل سنة 616 للميلاد، لكن هيرقل استطاع أن يرتب نفسه ويجمع جيشه ويهزم جيوش الفرس فى آسيا الصغرى سنة 622 للميلاد ثم هزمهم مرة اخرى سنة 625 للميلاد وفى هذه المعركة استطاع طردهم من مصر وسوريا وليبيا ، ثم هزمهم للمرة الثالثة فى نينوى بالعراق سنة 627 للميلاد حيث اجبر الامبراطور الفارسى " كسى الثانى" على عقد صلح مع بيزنطة، وهكذا ضعفت فارس ومالبثت أن سقطت على أيدى المسلمين.
أما من الناحية الغربية لم يكن الأمازيج الذين يسكنون ليبيا والصحراء الليبية من هواة الغزو والاعتداء ولكن الكثير منهم هاجر ليعيش علي ضفاف النيل وتكون منهم فريق من الجنود الأقوياء بالجيش المصري. التاريخ القديم يتحدث عن بعض الملوك الليبيين الذين سيطروا على ممالك الفراعنة واحتلوا المدن المطلة على نهر النيل، ابتداء من القرن العاشر قبل الميلاد، وخاصة بعد الأحداث التي شهدتها الإمبراطورية الفرعونية فيما بين (1550 و 935 ق.م)، والتي تتمثل في الفساد والخراب والتناحر بين الفراعنة وانهيار العمران وانحطاط الدولة بسبب التعسف في الضرائب وانتشار الظلم والجور والاستبداد وتردي القيم الأخلاقية. ومن أبرز الليبيين الذين احتلوا عرش مصر الملك شيشنق. وتتجه الروايات التاريخية اتجاهين في ذكر سيرة شيشنق، فالاتجاه الأول، يرى أن شيشنق وصل إلى حكم الفراعنة عن طريق السلم والكفاءة الذاتية والترقي في المناصب السياسية، إذ كان قائدا للجيوش المصرية الليبية، ومستشارا للملك الفرعوني . بينما اتجاه آخر يذهب إلى أن شيشنج، قد استولى على عرش مصر بفضل تضعضع الحكم الفرعوني بعد فترة حكم رمسيس الثالث ثأرا وانتقاما بسبب مجموعة من الهزائم التي مني بها الجيش الليبي في مصر. وبعد تمكن شيشنج من زمام السلطة وأركان الحكم، اتخذ عاصمة له على ضفاف نهر النيل. عُد في تاريخ مصر الفرعونية مؤسس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين بأرض الكنانة. وقد جمع في عهده بين السلطتين: المدنية والدينية، وتولى حكم الفراعنة بمجرد وفاة الفرعون الواحد والعشرين سنة 950 قبل الميلاد. وإذا كانت ولادة شيشنج بليبيا، فإن وفاته كانت بمصر، وتتكون أسرته من تسعة ملوك، حكمت مصر مدة قرنين من الزمان حتي 817 ق.م. وقد تربع شيشنج على عرش مصر مدة واحد وعشرين سنة من 945 إلى 924 ق.م. يري ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺆﺭﺧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﻴﻦ أن ﻓﺘﺮﺍﺕ ﺣﻜﻢ ﺍﻷﺳﺮﺍﺕ ﺍﻟﻠﻴﺒﻴﺔ ﻭﻫﻲ 22 ﻭ 23 ﻭ 24 ﺍﺣﺘﻼﻻ ﺍﺟﻨﺒﻴﺎ ﻟﻤﺼﺮ ﻭ ﻳﻌﺘﺒﺮﻭﻥ ﺳﻘﻮﻁ ﺣﻜﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺮ ﻋﻠﻲ ﻳﺪ ﺑﻌﻨﺨﻲ ﻣﻠﻚ ﻣﻤﻠﻜﺔ ﻧﺒﺎﺗﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ ﻫﻮ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻵﺣﺘﻼﻝ ﻟﻴﺒﻲ ﻟﻤﺼﺮ ﺩﺍﻡ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 200 ﺳﻨﺔ.
منذ العصر الججري حتي عصر المسيجية كانت مصر دائمة التطلع لإخضاع بلاد النوبة لنفوذها لتأمين الحدود الجنوبية وطرق التجارة بين مصر وبلاد بنط (الحبشة). أول محاولة فعلية لاحتلال النوبة كانت في عهد الأسرة المصرية الثانية عشر عندما غزا المصريون النوبة حتى منطقة سمنة وبنوا فيها العديد من الحصون والقلاع لتأمين حدودهم الجنوبية. ومنذ ذلك التاريخ خضعت النوبة للنفوذ المصري لما يقرب من 250 عاما، وانتهت هذه السيطرة الأولي عندما تفككت المملكة المصرية الوسطى، وضعفت قوتها مما شجع مملكة كرمة على مد نفوذها شمالها وضم كل منطقة النوبة السفلى في عام 1700 ق.م. وكان عصر السيطرة المصرية الثانية منذ 1550 ق.م. وحتي 1100 ق.م. بعد طرد الهكسوس على يد أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر حيث تجددت الطموحات المصرية في بلاد النوبة، وتوالت المحاولات لغزو أطرافها الشمالية، إلى أن تم إخضاع النوبة بكاملها حتى الشلال الرابع في عهد " تحتمس الثالث " وظل حتي 550 م. خلال فترة حكم الأسرة الثالثة والعشرين (980-810ق.م) كثرت الخلافات الداخلية وعم الضعف وانفلات الأمن ربوع مصر، وضعف السلطة المركزية أدي لانقسام مصر إلي عشرين ولاية مستقلة تتنازعها الأطماع والمكائد والمناوشات، أدي ذلك لحدوث فراع سياسي وأمني. وظل كذلك حتي عام 721 ق.م حيث تمكن أحدالأمراء الطموحين من أصل ليبي يدعي تفنخت من توحيد الولايات الشمالية تحت قبضته مؤسسا الأسرة 24، وزحف يريد يسط سلطته علي الجنوب، فتصدي له الملك بعتخي ملك كوش (النوبة) وجرت بين الطرفين موقعة انتهت باتصار بعنخي ودخوله مدينة طيبة في السنة الواحدة والعشرين من حكمه، مؤسسا الأسرة الـ 25. يني بعنخي معايد كثيرة في السودان خاصة في نبتة. حكم (751- 716 ق.م) ودفن بهرمه بجبل البركل.
أما الشمال فقد أتتنا منه الكثير من الويلات، استعمار إغريقي وروماني، وفي العصر الحديث تركي وفرنسي وانجليز
كان أولها عزوالاسكندر الأكبر. والإسكندر الثالث المقدوني، هو أحد ملوك الإغريق، ومن أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ. وُلد عام 356 ق.م، وتتلمذ على يد الفيلسوف أرسطو حتى بلغ ربيعه السادس عشر. ورث الإسكندر عن أبيه مملكة متينة الأساس وجيشًا قويًا ذا جنود أقوياء. يُعد أحد أنجح القادة العسكريين، إذ أنه لم يهُزم في أي معركة خاضها على الإطلاق. انطلق في عام 334 ق.م في حملة على بلاد فارس، فتمكن من دحر الفرس وطردهم خارج آسيا الصغرى، ثم شرع في انتزاع ممتلكاتهم الواحدة تلو الأخرى في سلسلة من الحملات العسكرية التي دامت عشر سنوات. تمكن خلالها من كسر الجيش الفارسي وتحطيم القوة العسكرية للإمبراطورية الفارسية الأخمينية في عدّة وقعات حاسمة، أبرزها معركتيّ إسوس وجوجميلا. وفي نهاية المطاف إطاح بالشاه الفارسي داريوش الثالث، وفتح كامل أراضي إمبراطوريته، فصارت الأراضي الخاضعة له تمتد من البحر الأدرياتيكي غربًا إلى نهر السند شرقًا.
بعد فتح بيت المقدس اتجه غربا ليدخل مصر من الفرما بوابتها الشرقية في خريف 332 ق.م ولم يجد أي مقاومة ففتحها بسهولة، ثم عبر النيل ووصل إلى العاصمة منف، فاستقبله أهلها كمحرر منتصر. ثم سار بقواته بحذاء الفرع الكانوبي للنيل، متجهًا إلى ساحل البحر المتوسط، حتي وصل بحيرة مريوط، وفي المكان المحصور بين البحيرة والبحر المتوسط وجد قرية صغيرة تُسمى «راكودة»، فكلف أحد معاونيه «دينوقراطيس» لكي يشرف على بناء مدينة في هذا المكان تحمل اسمه ألا وهي الإسكندرية. قام برحلة روحية لمعبد آمون في واحة سيوة حيث قوبل بالترحاب من قبل الكهنة المنتظرين، الذين نصبوه فرعونًا على مصر وأعلنوه ابنًا لآمون، وألبسوه تاجه وشكله كرأس كبش ذو قرنين، فلقب بذلك «الإسكندر ذو القرنين».