صبت تصريحات سعودية حول نية الرياض التدخل برا في سوريا الزيت على نار العلاقات السعودية- الإيرانية الملتهبة. وتنذر الأجواء بتحول حروب الوكالة بين البلدين إلى مواجهة إقليمية شاملة.
فقد حذر أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي من أن يؤدي دخول السعودية الحرب في سوريا إلى إشعال المنطقة كلها، بما فيها السعودية، وربما إلى اندلاع حرب إقليمية كبرى.
يجب القول أن العلاقات السعودية- الإيرانية وصلت إلى أدنى مستوياتها في الأشهر الأخيرة، وذلك بعد التلويح بحرب مباشرة بين الطرفين، عقب حادثة الحج في منى، والأحداث، التي تلت إعدام المعارض السعودي الشيخ نمر النمر.
غير أن مؤشر العلاقات المتوترة بين البلدين يعود إلى حقبة ما بعد الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979، ولا سيما بعد وقوف السعودية وبلدان الخليج العربي إلى جانب الرئيس الراحل صدام حسين في حربه ضد إيران ما بين عامي 1980 و1988، لتنتقل العلاقات إلى حالة حرب غير معلنة تزامنا مع إطلاق إيران برنامجها النووي، ومشاركة مجلس التعاون الخليجي في برنامج العقوبات الغربي على إيران، والحصار الاقتصادي عليها، إضافة إلى اتهام طهران الرياض غير مرة باتباع سياسة الإغراق التجاري في السوق النفطية لدفع الاقتصاد الإيراني إلى الانهيار.
وتخوض السعودية وإيران منذ سنوات حروبا بالوكالة في لبنان والبحرين والعراق واليمن وسوريا في إطار التنافس المحموم بينهما على زعامة المنطقة.
وقد أجج "الربيع العربي" التنافس بين البلدين، وعمدت كل من طهران والرياض إلى اتباع سياسة مركبة تهدف أساسا إلى تحقيق هدفين، هما: منع انتقال الثورات إلى داخل كل منهما؛ حيث شهدت إيران "الموجة الخضراء" عقب انتخابات 2009، وكانت تعيش ظروفا اقتصادية صعبة بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها على خلفية ملفها النووي. وفي المقابل فإن الظروف السياسية والاجتماعية في السعودية كانت مهيأة لانتقال موجة الثورات إليها رغم قوة اقتصادها بفضل عائدات النفط المرتفعة.
وسعت كل من إيران والسعودية لتجيير نتائج "الربيع العربي" لمصلحتها؛ فدعمت طهران الثورة في البحرين، وحاولت الانفتاح على مصر أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي. أما في اليمن فساعدت الجمهورية الإسلامية الحوثيين، وزودتهم بالأسلحة والأموال اللازمة حتى أصبحوا قوة كبرى عقب خروج الأوضاع في اليمن عن إطارها السلمي، ما مكنهم من الاستيلاء على معظم مناطق البلاد.
وعلى العكس من ذلك تماما، فقد عملت السعودية على تقويض حكم الإخوان المسلمين في مصر، وخرجت عن سياستها المحافظة بأن أرسلت مدرعاتها ودباباتها إلى المنامة لقمع الثورة الشعبية. أما في اليمن، فتبنت أنصاف الحلول بإطلاق المبادرة الخليجية، لتنتقل لاحقا إلى تدخل عسكري مباشر ضد الحوثيين.
وتلهب الظروف الاقليمية والدولية الأخيرة الصراع الإيراني- السعودي. فبعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران والغرب، يشعر الفريق المحافظ في إيران بفائض قوة يسمح له بفرض الهيمنة على الإقليم برمته.
ويفتح انكفاء الولايات المتحدة عن مشكلات المنطقة، ورغبتها في تعزيز وجودها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على صراع أوسع.
ويذهب فريق واسع إلى أن إبرام واشنطن الصفقة النووية مع إيران يبعث رسائل تطمين إلى طهران لزيادة نفوذها. وفي المقابل يبعث رسالة لتركيا والسعودية بأن البيت الأبيض ضاق ذرعا بسياساتهما، وأنه يستطيع إيجاد حلفاء جدد في المنطقة غير إسرائيل لتكون روافع لسياسته الشرق أوسطية وفي آسيا الوسطى الحيوية بالنسبة إلى المصالح الأمريكية.
وعلى رغم كثرة الملفات الخلافية بين السعودية وإيران، فإن الصراع في سوريا وعليها يعدُّ الملف الأكثر اشتعالا بين البلدين. فبعدما كانت سوريا دولة محورية، تملك أوراقا كثيرة في المنطقة، باتت ورقة في الصراع الإقليمي بين طهران وأنقرة والرياض.
وتخشى طهران من أن تفتح خسارة سوريا على خسارة أوراق وعلاقات إقليمية، استثمرت فيها لسنوات طويلة، واستطاعت نتيجة عملها، تشكيل محور يضم العراق وسوريا وحزب الله، وزيادة تأثيرها في آسيا الوسطى شرقا إلى الصراع العربي الإسرائيلي غربا، ومحاصرة السعودية من خاصرتها اليمنية.
وفي المقابل ترى الرياض أن سلخ سوريا من التحالف مع إيران سيؤدي إلى تراجع دور طهران الإقليمي، ما قد يفضي إلى انحساره وانكفائه إلى داخل حدود الجمهورية الإسلامية، ووضع حد لمحاولات تصدير الثورة.
أما طهران فقد تبنت منذ البداية الموقف الرسمي للحكومة السورية حول طبيعة الحراك، الذي بدأ في مارس/آذار 2011، ورأت في ما يجري "مؤامرة كونية" على سوريا، "الضلع" المهم في محور الممانعة والمقاومة، الذي يشمل أيضا العراق و"حزب الله"، إضافة إلى المقاومة الإسلامية في فلسطين.
ولذا، قررت إيران منذ الأيام الأولى إرسال مستشارين عسكريين لمساعدة القوات الحكومية، واعترفت لاحقا بتكثيف وجودها العسكري، وزادت دعمها السياسي والعسكري والاقتصادي للقيادة السورية، وشجعت حلفاءها على التدخل لمساعدة الحكومة في وجه "التكفيريين".
هذا، ويمثل التدخل العسكري السعودي، في حال حصوله، تطورا نوعيا في مواقف الرياض الإقليمية. فبعد تردد، طالبت السعودية، صيف 2011، الرئيس بشار الأسد بالتنحي، وانتقلت لاحقا إلى دعم المعارضين السوريين عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
ولا يمكن بأي شكل من الأشكال مقارنة تبعات التدخل السعودي في اليمن بإرسال قوات برية إلى سوريا، لأن التدخل السعودي سيؤجج، على الأرجح، الصراع مع إيران، التي يرى مسؤولون فيها أن فقدان الأهواز أقل تأثيرا من خسارة سوريا. ومن الواضح أن التقدم في اليمن فتح شهية الرياض للتدخل في سوريا بمساعدة تركيا، المتضررة من تطور الأحداث في حلب والمناطق الكردية في شمال سوريا.
بيد أن التداخلات الإقليمية والدولية، مع وجود قوى عظمى دخلت على خط الأزمة السورية كروسيا والولايات المتحدة، تشكل عاملا ضاغطا على صناع القرار في السعودية، ويجعلهم يعيدون التفكير أكثر من مرة بقرار التدخل بريا في سوريا من دون وجود تنسيق مسبق مع الكرملين والبيت الأبيض، حتى لو ضمنت تأييد تركيا وأطراف إقليمية أخرى.
وبانتظار الربيع، فإن العلاقات السعودية الإيرانية والمنطقة تعيش على صفيح سوريا الساخن.
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.