الأقباط متحدون - نعم أنا أزدري!!
أخر تحديث ٠٦:١٠ | الاربعاء ١٠ فبراير ٢٠١٦ | ٢أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٣٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

نعم أنا أزدري!!

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت
نعم.... أنا أزدري. أزدري القبحَ والفظاظة والهمجية والقسوة والشهوانية والقتل وبرودة القلوب وفاشية الأرواح وأنانية النفوس الصغيرة والعنصرية والبغضاء وانعدام الأخلاق وسوء الأدب مع الله ومع الطبيعة ومع الإنسان. أزدري القمعَ وخنق الرأي وتكميم الأفواه وتقطيع الألسن وتكسير الأقلام وتمزيق الكتب. أزدري إهانة المرأة واحتقار الآخر المختلف عَقَديًّا وأزدري تعذيبَ الحيوان والطير وقتل الأخضر وتلويث الأنهار والبحار والهواء وأزدري الترويع السمعي والبصري. وأزدري جدًّا كلَّ مَن يفعل كلَّ ما سبق باسم الدين أو باسم السماء أو باسم أي شيء آخر. الأديانُ نزلت لتهذيب الإنسان الهمجيّ بطبعه، الفظّ بفطرته، الفوضويّ بجِبّلته لا لتأكيد همجيته وفظاظته وسوء أدبه وفوضاه. فإن لم يُفلح الدينُ في تهذيب الإنسان وتربيته على الأخلاق وتعليمه مبادئ الترقّي والتحضّر والسمو، فلا طائل من وراءه. الدينُ، كلُّ دين، هو وسيلةٌ لا غاية في ذاته. وسيلةٌ لتهذيب الهمجيّ داخلنا وترويضه وتشذيب أظافره المعقوفة التي تريد أن تخربش، وتقويم أنيابه الحادّة التي تودّ أن تنهشَ طرائدها وتُقطّع فرائسها وتمزّق أوصالها وتلتهم حِشاها. فكيف أزدري "الوسيلةَ" التي تحاربُ ما أزدري؟! 
رجالُ الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، ما بين القرن الخامس والقرن الخامس عشر، فعلوا كل ما سبق باسم السماء، والسماء بريئة مما فعلوا. وهناك متاحفُ موجودةٌ حتى الآن في أوروبا، تعرض شتى ألوان أدوات التعذيب والتنكيل التي كان الكهنة يستخدمونها ضد مَن يرمونه بالهرطقة أو الزندقة أو المروق من الدين، أقفاصٌ حديدية تضيق على الجسد الإنساني حتى تهصر عظام الضحية، مناشيرُ حديديةٌ ضخمة تشطر الضحية بالطول شطرين، ثور يشتعل داخله الضحية التي تُشوى ببطء قطعة قطعة وشلوًا شلوًا، أدواتٌ لنزع الأظافر من أصابع الضحية التعسة، أقنعة من الحديد تهشّم جمجمة المتهم البائس، مقعد يمتلئ بالمسامير التي تمزق لحم الضحية، خوازيق تخترق أجساد التعساء وغيرها مما لا حصر له من أدوات تفنن مبتكروها في تعذيب أشقائهم في الإنسانية لحظات وساعات وأيامًا كأنها الأبد قبل أن تفيض أرواحهم إلى خالقها الذي لا يقبل ما يصنعه الإنسانُ المتجبّر بأخيه الإنسان المستضعَف. أما الضحايا الذين نُشروا ومُزّقوا وهُصرت عظامهم وشُويت لحومهم فكانوا إما علماء قالوا حقائق علمية، يعرفها أطفالُ اليوم من كتب العلوم، وكانت وقتئذ هرطقات لا تستوعبها عقولُ الكهنة المحدودة بظرفها الزمني الضيق، وإما كانوا بشرًا بسطاء أخطأوا كما نخطئ وكما يخطئ الإنسان منذ الأزل وحتى الأبد خطايانا الإنسانية الصغيرة، فحق عليهم عذاب الجبابرة الذين لم يطيقوا صبرا ولم يحتملوا انتظارًا ليفصل الُله في أمرهم يوم الحساب العظيم. كان جاليليو أحد ضحاياهم كادوا يقطفون رأسه لأنه قال إن الأرض كروية تدور حول الشمس، ومثله ديكارت الفيلسوف وعالم الرياضيات الذي قال أنا أفكر إذن أنا موجود وغيرهما من علماء وعوام ونساء وشيوخ تم تمزيق آدميتهم بدم بارد وقلوب جافة ثم توجه قاتلوهم للسماء يُسبحّون ويرنمون ويمجدّون الله!
وما فعله كهانُ الكاثوليك في القرون الوسطى، يفعله اليوم وحوشُ داعش وبوكو حرام وطالبان وغيرها من ضواري الكهوف الذين يتحججون بالسماء ليعذّبوا أبناء الأرض. ينحرون الرقاب ويقطفون الجماجم من فوق أعناقها ويستحلّون النساء ويحرقون الأطفال، ثم يهللون بالتكبير وكأنهم يتقربون إلى الله بقرابين لا تقبلها السماء.
هؤلاء وأولئك كذبةٌ أفّاقون ساديون لا يعرفون الَله ولا يعبدون إلا القبح والشر والدمامة. باسم اليهودية وباسم المسيحية وباسم الإسلام يقتلون الله وهم يتقربون لله زورًا وكذبًا. وأمثالهم يرفعون ضدنا اليوم قضايا حِسبة لندخل عتمة القرون الوسطى فيشعرون بشيء من التطهّر من فقر إيمانهم وضعف تواصلهم مع القرآن الكريم. بكل تأكيد لا يعرفون القرآن! ماذا يقول القرآن الكريم فيمن يسخر من آيات الله، وما سخرنا، وفيمن يزدري قول الله، وما ازدرينا حاشانا وحاشا الله؟ 
أُحيلكم إلى آيتين حاسمتين من كتاب الله ترسمان المهنج السليم في التعامل مع مع المارقين. "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.” الأنعام ٦٨، "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ" النساء ١٤٠. يأمرنا الله أن نعرض عمن يسخر من آياته أو مَن يُنكرها. الإعراض يعني الإحجام عن الحديث إليهم، حتى يغيّروا الحديث إلى حديث آخر فنعود إليهم ونشاركهم الحديث. فلم يقل لنا القرآنُ أن نقتل من يخوض في آياته أو من يستهزئ بقوله سبحانه، ولم يأمرنا بأن نقدمهم للمحاكمة أو نسجنهم أو نقطع ألسنهم أو نقصف أقلامهم. 
نعم، أنا أزدري من يزدرون كلام الله. قانون ازدراء الأديان هو ازدراء واضح وصريح لدين الله ورفض دامغ لمشيئته التي أوضحها لنا في كتابه العزيز.
نقلا عن الفيس بوك

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع