يتزايد القلق لدى ضباط مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية من أن تعزيز تنظيم "الدولة الإسلامية" وجوده في ليبيا يمكن أن يمثل نقطة انطلاق ثانية بعد سوريا لشن هجمات على بريطانيا وباقي دول أوروبا.
وبعد أن كثف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة هجماته الجوية على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، تزايدت المخاوف من أن "جيب" تنظيم الدولة حول مدينة سرت الليبية يوفر ملاذا آمنا يمكن للجهاديين أن يتدربوا فيه ويمولوا ويخططوا لشن هجمات عبر منطقة البحر المتوسط. والسؤال هو إلى أي مدى هذا التهديد يعد حقيقيا؟
رفعت وزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتان الأسبوع الماضي تقديراتهما لأعداد المتشددين الأجانب في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى ما بين أربعة آلاف إلى ستة آلاف شخص.
وتعتقد الوزارتان أن هناك أعدادا كبيرة من الأشخاص يجري تجنيدهم من دول أفريقية جنوب ليبيا عبر إغراءات مادية.
لا يوجد شك في أن ليبيا توفر لتنظيم الدولة قاعدة ثانية بعد سوريا، وهو الأمر الذي كان يبحث عنه التنظيم منذ عام 2014 من خلال إرسال "مبعوثين" له سرا للاتصال بعناصر جهادية شرقي البلاد.
تعج ليبيا اليوم بأسلحة فعالة وهناك أماكن كثيرة لتدريب المتشددين على شن هجمات مستقبلية ولا توجد إمكانية تذكر لعرقلة مثل هذه الجهود من جانب أي سلطة مركزية لأنه لا توجد مثل هذه السلطة من الأساس.
لكن تنظيم الدولة والحكومات الغربية أوليا اهتماما كبيرا بمسألة قرب ليبيا من جنوب أوروبا، وأشارا إلى أن هذا يجعل التنظيم قريبا جغرافيا بشكل كبير من الغرب أكثر من قواعده في الرقة أو الموصل.
لكن في واقع الأمر وفيما يتعلق بالوصول إلى أوروبا، فإن ليبيا أقل ملائمة بكثير لتنظيم الدولة على عكس ما يبدو عليه الوضع على الخريطة.
فعلى الحدود الغربية، أنهت الحكومة التونسية للتو تشييد الجزء الأول من سياج أمني حدودي يهدف إلى منع تكرار هجمات مروعة على السائحين مثل تلك التي وقعت في تونس العاصمة ومدينة سوسة العام الماضي.
وستكون هناك طرق أخرى للتسلل حول السياج في مناطق أقصى إلى الجنوب، لكنها تنطوي على مصاعب أكثر بالنسبة للعبور الدولي. تشارك ليبيا حدودا غربية مع الجزائر تمتد لـ989 كيلومترا، لكن السلطات الجزائرية أطلقت حملات نشطة لملاحقة الجماعات الإسلامية داخل حدودها ودفعت بآلاف من الجنود الإضافيين للقيام بدوريات على الحدود مع ليبيا.
تونس شيدت الجزء الأول من سياج أمني على طول الحدود مع ليبيا
وإلى الشرق توجد مصر حيث تعهدت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي بسحق التمرد الإسلامي في الداخل، وهناك مقاتلات مروحية من نوع أباتشي تجري دوريات في الصحراء الغربية بالقرب من الحدود الليبية.
وإلى الشمال بالطبع منطقة البحر المتوسط وهي بالكاد ما تكون حاجزا منيعا، لكن المحللين الغربيين لا يزالون يقيمون إذا كان تنظيم "الدولة الإسلامية" سيتردد في المخاطرة بإرسال أفراد مدربين عبر البحر على متن قارب يعج بالمهاجرين إذا كان بإمكانهم إيجاد طريقة أكثر أمانا إلى أوروبا.
ولا تزال هناك مالطا القريبة والحدود الواسعة المفتوحة إلى الجنوب، لكن الأخيرة تتطلب القيام برحلة شاقة عبر الصحراء الكبرى ومواجهة خطر الاعتقال في إحدى دول الساحل مثل النيجر أو تشاد.
تركيا تغض الطرف
وفي مقابل هذا تمكن الجهاديون والعناصر المجندة في تنظيم الدولة بسهولة من السفر بين سوريا وأوروبا.
استطاعت العناصر الجهادية المتجهة إلى الرقة في سوريا شراء تذاكر طيران رخيصة الثمن إلى اسطنبول على أنهم سائحون يريدون قضاء عطلة دون الحاجة للحصول مقدما على تأشيرة دخول تركية، ثم يلتقون بعد ذلك بأحد الأشخاص الذي يرتب لهم رحلة بالحافلة أو طيران داخلي إلى مدينة غازي عنتاب الحدودية.
ومن هذه المدينة، يتولى مهربون يعرفون جيدا كل ثغرة في الحدود نقل هؤلاء العناصر إلى داخل الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
وعلى عكس التقييم الأولي لأجهزة المخابرات الأوروبية، تمكن عدد قليل من عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" الذين ينتقلون عبر الطريق الآخر من التخفي وسط أعداد غفيرة من المهاجرين من الشرق الأوسط شمالا عبر منطقة البلقان إلى غرب أوروبا.
لكن الحدود التركية السورية أصبحت حال إلى حد ما نقطة عبور أقل سهولة للجهاديين في تنظيم الدولة. تسيطر الميليشيات الكردية على معظم مناطق الجانب السوري لهذه الحدود بينما شددت تركيا، التي اتهمت لفترة طويلة بغض الطرف عن الجهاديين الذين ينتقلون عبر أراضيها، من القيود على حدودها بشكل كبير.
خطورة تنامي التنظيم
مقاتلو تنظيم الدولة هاجموا محطة لإنتاج النفط في مرفأ السدر النفطي الليبي في يناير/كانون الثاني الماضي
إذن ما هو موقف ليبيا وإمكانية أن يؤدي الوضع على الأرض، كما تخشى الشرطة البريطانية، إلى شن موجة جديدة من الهجمات على بريطانيا وأوروبا؟
يقول مسؤولو الحكومة البريطانية إنه حتى الآن لا يوجد دليل على أن عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بدأوا مغادرة ليبيا لاستهداف أوروبا، أو أي دليل على التخطيط لهجمات على بريطانيا انطلاق من سرت التي تمثل مركز عمليات تنظيم الدولة في ليبيا.
لكنهم حذروا من أن تنظيم الدولة في ليبيا لا يزال يشهد تصاعدا من حيث نموه وتعزيز قاعدة نفوذه.
وكما هو الحال لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق الذي ركز جهوده في بادئ الأمر للسيطرة على أراض والتخلص من الأعداء المحليين، فإن تنظيم الدولة في ليبيا يفعل حاليا الشيء نفسه.
لكن التوقعات لدى العواصم الغربية تقول إنه بمجرد انتهاء هذه المرحلة، فإنه ستكون فقط مسألة وقت قبل أن يخطط التنظيم لشن هجمات انطلاقا من ليبيا.
وقال أحد المسؤولين: "نعلم أن هذا الأمر (شن هجمات) سيأخذ هذا المسار مستقبلا. إنها فقط مسألة توقيت."
وسيطر تنظيم الدولة على قطاع من الأرض على طول الساحل الليبي حول مدينة سرت العام الماضي.
ويقول مسؤولو المخابرات الليبية إن مقاتلين أجانب وبعض قادة التنظيم انتقلوا إلى سرت قادمين من العراق وسوريا.
ووفقا للتقديرات الأمريكية، فإن عدد الجهاديين الأجانب في تنظيم الدولة يتراوح بين أربعة آلاف إلى ستة آلاف.
وأفادت تقارير بأن أكبر مجموعات بين هؤلاء الجهاديين هم من تونس ومصر والسودان والعراق، وهناك أعداد أقل من دول عديدة أخرى.
وركزت جهود التجنيد مؤخرا داخل التنظيم على دول أفريقيا جنوب الصحراء.
ولا يعرف بالضبط عدد المواطنين الأوروبيين بين هؤلاء الجهاديين.
وهاجم مسلحو التنظيم المدن الليبية من بينها طرابلس وبنغازي بالإضافة إلى عدد من المنشآت النفطية.