الأقباط متحدون - مصر وأمريكا وثقافة الماكدونلدز!
أخر تحديث ٠١:٢٧ | الاثنين ١٥ فبراير ٢٠١٦ | ٧أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٣٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مصر وأمريكا وثقافة الماكدونلدز!

بقلم منير بشاى

 أصبح موضوع شيطنة أمريكا هو المفضل فى إعلامنا العربى.  هذه ظاهرة ازدادت بعد طغيان التطرف الدينى فى المنطقة الذى جعل هدفه معاداة الغرب عامة وامريكا على وجه الخصوص.  ومع ذلك فالآلاف من شعوب المنطقةا يعبرون البحار يوميا هربا من مجتمعاتهم وليطلبوا اللجوء الى نفس الدول الغربية التى يكرهوها وينعتوها بابشع الاسماء.

والمقال الذى يستحق الجائزة فى شيطنة امريكا  هو ما نشر منذ ايام والذى يقول ان امريكا تنشىء مطاعم الماكدونلدز فى مصر لفرض ثقافتها والعمل على "تدهور مصر".  وكأن كل ما اصاب مصر من خراب خلال ال 60  عاما الماضية يمكن اختزاله فى ظهور الماكدونلدز.

وفى شرح تفصيلى لفكرة المقال يقول الكاتب ان ثقافة الماكدونلدز "خلقت ملامح انسان انتهازى انانى سطحى يريد الحصول على كل شىء دون جهد ودون اعتبار للآخر ولا مجال للجودة والاتقان فى هذا الشأن".  ونحن نسلم ان الكاتب لا يشير هنا الى الماكدونلدز كطعام ولكنه يقصد الماكدونلدز كثقافة تركز على الوجبات السريعة   Fast food.

موضوع المقال وصلته بثقافة الماكدونلدز شرحها الكاتب فى بداية المقال عندما اشار الى ما طلبه الرئيس الامريكى رونالد ريجين من الرئيس الروسى ميخائيل جورباتشوف فى اعقاب انهيار الاتحاد السوفييتى.  يقول الكاتب ان ريجين طلب ان تقوم دول الاتحاد السوفييتى بالسماح لقيام مطاعم ماكدونلدز فيها وبحسب تفسير الكاتب " كان القصد غزو الاتحاد السوفييتى ثقافيا لان ماكدونلدز هو رمز للثقافة الامريكية"  وشخصيا لا افهم لماذا تحتاج امريكا لغزو امبراطورية قد انهارت؟  وفى تقديرى ان ريجين كان يطالب (بالتطبيع) اى انهاء حالة الحرب بين المعسكرين.  هذا خاصة ان امريكا مليئة بالمطاعم التى تنتمى لشعوب دول الاتحاد السوفييتى ولم يخشى احد من طغيان تلك الثقافة على المجتمع الامريكى.

ظاهرة الوجبات السريعة  Fast food هى طابع عصرنا.  وهناك مجال لدراسة تاثيرها على المجتمعات فى العالم كله.  ولكن الكلام عن ان ماكدونلدز هو رمز للثقافة الامريكية او انه يعبر عن وجود مؤامرة امريكية ضد مصر لا يقبله عقل.  هذا خاصة ان مصر ليست بعيدة عن فكر وثقافة الوجبات السريعة فساندوتشات الفول والطعمية منتشرة فى مجتمعنا قبل ان يظهر ماكدونلدز الى حيز الوجود.  وحتى بعد ظهور ماكدونلدز فى مصر فالتكلفة الباهظة تجعله بعيدا عن متناول الغالبية الساحقة من الشعب المصرى.

الكلام عن ان امريكا صدرت لمصر الانتهازية والانانية والسطحية مع الماكدونلدز لا معنى له.  وهى تشبه الدعاية التى تطلقها المجتمعات الاشتراكية ضد المجتمعات الرأسمالية حيث تتهمها بهذا مع اتهامات اخرى مثل المادية والابتزاز واستغلال الفقراء.  وغنى عن القول ان الاشتراكية قد قضت على الاغنياء ولم تساعد الفقراء لانها قضت على الحوافز والمنافسة التى هى اساس النجاح.

اما عن المبادىء التى يزعم كاتب المقال ان امريكا تصدرها للعالم فمع ان امريكا لا تدعى الكمال ولكنها بلد يحكمها قيم واخلاقيات مخالفة لهذا تماما.  ففى فترة وجودى فى امريكا التى قاربت نصف قرن رايت رئيسا امريكيا يضطر الى الاستقالة لمجرد ان بعض موظفيه ارتكبوا عملا يفتقر للمبادىء.  فمتى ترك رئيس مصرى منصبه قبل ان يموت او يعزل؟  وسمعنا عن فتاة تحاكم بتهمة القيادة تحت تاثير المخدر وكان اباها حاكما لاحدى الولايات وكان  عمها رئيس الولايات المتحدة الحالى وجدها الرئيس الاسابق.  فاذا كان الماكدونلدز سيساعد المصريين الى مجاراة الشعب الامريكى فى قيمه وتقدمه الذى وضع انسان على القمر فمرحبا به.  ولكننا نعلم ان سر التقدم  الامريكى ليس فى الماكدونلدز ولكن فى تقديس العمل وتطبيق العلم والتحلى بالامانة ومراعاة الضمير.  وهى قيم تنقص مجتمعاتنا.

دعونا من ماجدونلدز جانبا وتعالوا نرى نوع الثقافة التى صدرتها فعلا امريكا لمصر.  مصر مليئة بالمنشئات التى اقامتها المؤسسات الامريكية للمواطن المصرى مجانا او بتكاليف زهيدة وهى تمتد من الاسكندرية الى اسوان.  خذ مثلا فى اسيوط هناك مدرسة امريكية ابتدائية واخرى ثانوية للبنين، وهناك مدرسة للبنات، وهناك مستشفى كبير، وهناك ملجأ اسسته لليان تراشر الشابة الامريكية الجميلة التى نذرت حياتها لخدمة ايتام مصر.  وفى القاهرة هناك كلية البنات الامريكية والجامعة الامريكية والمركز الثقافى الامريكى ومكتبة السفارة الامريكية.

ومع ذلك فامريكا ليست المدينة الفاضلة، وكحكومة لها عيوبها وكثيرا ما ننتقدها.  ولكن امريكا كقيم كانت ومازالت قوة ضد الطغيان، والشعب الامريكى كان وما يزال كريما معطاء لكل من يعانى الحاجة ومن يتعرض للكوارث الطبيعية والتى من صنع الانسان حول العالم.

ولكن لعله يكون من المفيد ان نتوقف عن لوم امريكا او غيرها ونلقى بنظرة الى داخلنا ونحاول اصلاح ما اوصلنا اليه الفساد الحكومى والفساد الاخلاقى.  وبمناسبة الكلام عن عن الطعام علينا ان ندرك ان اكثر من نصف المجتمع المصرى يعيشون تحت خط الفقر بدخل لا يتجاوز 2 دولار للفرد يوميا وهو لا يكفى لشراء ساندوتش واحد من اى نوع.

ان كانت مطاعم  ماكدونالدز لا تناسبنا فلنغلقها ولنفتح مكانها مطاعما مصرية تقدم وجبات اللحوم باسعار مناسبة.  ولكن لا يجب ان نقول ان ما وصلنا له من مشكلات كان سببها الماكدونلدز.  كل ما يعانيه مجتمعنا لا دخل له بغيرنا، هو صناعة مصرية مائة فى المئة.

Mounir.bishay@sbcglobal.net


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter