نبيل المقدس
يُعرّف ضمير الفرد بمقدرته على التمييز فيما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب , أو هو التمييز بين ما هو علي حق وما هو علي باطل، وهو الذي يؤدي إلى الإحساس بالندم .. لو "كان لديه ذرة من الدم" , وهذا الندم أوالتبكيت يحس به الفرد عندما تتعارض الأمور التي يفعلها مع قيمه الأخلاقية، وإلتي ربما تتباين هذه القيم , نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان.
الضمير شيء حسي بداخل القلوب فعندما يغوص القلب في الظلمات ويتحلي بالتكبر والغرور والانخداع تعلو الأنا والشهوات على صوت الضمير ويصبح صوت الضمير يكاد يكون منعدما .. فالضمير هو صوت الحق .. ولا سعادة تعادل راحة الضمير .. وهناك الكثير من الأقوال تتكلم عن الضمير .
ويتساءل البابا شنودة هل يصح أن نقول: علي كل إنسان أن يتصرف حسب ضميره؟ .. كلا إن هذه العبارة لا تصح إلا لو كان ضميره ضميرًا صالحًا. ذلك لأن الضمائر تختلف في مدي صلاحيتها, فهناك ضمير صالح يزن الأمور بطريقة دقيقة كميزان الصيدلي .. إن زاد شيئا يضره وإن قل شيئا يضره ايضا .. وهناك ضمير واسع, يتسع لكل خطأ ويجد له مبررا , وضمير آخر موسوس, يظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ أو يكثر ويضخم من قيمة الأخطاء, فالضمير إذن ليس معصوما من الممكن أن يخطيء مثلما نجده في تعاملات الناس مع أغلب موظفي المؤسسات الحكومية أو الخاصة , ولهذا تختلف ضمائر الناس في الحكم علي موضوع واحد كما يختلف حكم الضمير من وقت إلي وقت حسب الظروف! أن الضمير هبة من الله للإنسان, يدعوه إلي الخير, ويمنعه عن الشر, ولكنه ليس هذا باستمرار وإنه أحيانًا يكون قويًا مع البعض, وضعيفا مع غيرهم, أحيانا يعمل .. وأحيانا لا يعمل .. أو قد يكون ضميرًا مستترًا .. أو غائبًا أو مختلًا في موازينه!!
بعد ما تعرفنا علي جزء بسيط علي معني الضمير .. تعالوا معي لكي نتعرف علي ما وصل إليه الضمير المصري الأن .. للأسف الشديد أغلب الأفراد من الشعب المصري وضعوا الضمير علي جنب .. وبدأت حياتهم بلا ضمير .. ونلاحظ أن بداية التنصل من الضمير كانت بعد تأميم المصانع والشركات الخاصة .. خلال بداية الستينات .. فاصبح أغلب الأفراد في كل مؤسسات الدولة بلا ضمير .. فقد تساوي الشخص الذي لا يعمل بالشخص الذي يعمل لأنه متأكد أن أجره سوف لا يختل أو يقل .. بل ربما سينال أجرا إضافيا , أو مكافئة مقابل تودده وتفخيم رئيسه في العمل ..
إنعدم الضمير تماما من أغلب الأفراد , فنجد طبيبا يكتب شهادة مرضية كاذبة لصالح أحد الأشخاص مقابل مبلغ من المال ,ولا يري في ذلك عيبا! أو يقوم بعملية إجهاض لفتاة بمبلغ كبير مقتنعا أنه يعمل خيرا لسترها من الفضيحة ! أو تلميذ يغشش زميله في الامتحان ويدعو ضميره إلي ذلك بإسم المحبة وإنقاذه من الرسوب . ويكمل البابا شنوده كلماته عن الفرد الذي يمتلك ضميران .. بأحدهما يحكم علي نفسه بمنتهي التساهل وبالضمير الآخر يحكم علي غيره بمنتهي التشدد, وذلك في الموضوع الواحد!
وإذا كانت الرسالات السماوية جميعاً بما تدعو إليه من فضيلة قد أشارت إلي الضمير المتمثل في القول والسلوك في إطار "إفعل ولا تفعل" ، فإن العلو بمستوي الضميرقد لايرتبط بالأديان أيضاً ، ولنا الكثير من الدول شعوبها لاتنتمي لأي ديانة سماوية ، ولكنها تملك ضمائراً حية ، كانت رائـدهـا في التحـضر وتحضرها وتقدمها .. ولننظر إلي اليابان .. وكذا الصين .. والدول الشيوعية .. والدول الرأسمالية التي فصلت الدين عن السياسة وربما تجد بعض أفرادها كفرة من وجهة نظر تلك الدول التي ما زالت تعيش في العصور السلفية .. نجد هذه الدول قد ملكت أركان وأساسيات العلم وبلغت في دروب التقنية شأناَ عظيماً.
وطالما أن ضمير الأمة أو الشعوب هو أساس التقدم والتحضر .. فعلينا أن نعتبره أمن قومي ... فهؤلاء الذين بلا ضمير في اعمالهم واشغالهم يجب إقصائهم من المجتمع .. ويكون الحبس هو أنسب مكانا لهم يمارسون هواية الأعمال التي لا تحتاج ضمير براحتهم ... ويتبقي خارج الحبس الأفراد الذين يمتلكون الضمير والإرادة ليقوموا بأعمالهم بصدق وبأمانة .. والضمير يعتبر هو القوة الدافعة الرئيسية في نهضة الأمم ونمو إقتصادياتها .. فمعظم الحرائق من مستصغـر الشرر وإنهيارات العمارات التي اصبحت علامة مميزة تمتاز بها مصر في السنوات الأخيرة اساسها الغش في مواد البناء ، فمثلاً إذا لم يجيد عامل الكهرباء دقة توصيلاته ولم يعمل ضميره في عمله ليتجنب حريق عظيم يلتهم ما يقع في طريقه ، كذلك إن لم يحفظ القائمون علي البناء ضمائرهم في إختيارهم للمواد ذات المواصفات المطلوبة فحتـماً سيحـدث إنهيارات لهذه العمارات ، وهي خسارة في أموال الفرد والدولة معاً .. وأخيرا وليس بآخرا لضيق المساحة .. ألا يحسن الـصـانـع جـودة السلـعـة المكـلف بها ، فإنها سـرعـان ماتتـلـف وتهلك قبل فوات عمرها الإفـتـراضـي المقـدر لها ، وهي خسـارة أيضاً للفرد والمجتمع ، وقس علي ذلك المعلم , والطبيب ، والقاضي ، والتاجر كل في نطاق عمـلـه......إلخ.
نعم : [ لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِمًا "ضَمِيرٌ" بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ. وَبَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ جِئْتُ أَصْنَعُ صَدَقَاتٍ لأُمَّتِي وَقَرَابِينَ. اعمال 24 : 19]..!!