الخميس ١٨ فبراير ٢٠١٦ -
١٨:
٠٥ م +02:00 EET
بقلم : ألبير ثابت فهيم
ماذا حدث للغتنا العربية خلال العقود الأخيرة في ظل العولمة اللغوية ؟! لقد دخلت العولمة إلى بيوتنا بدون استئذان ونجحت بشكل مباشر في إحداث تغييرات جمة وهائلة في لغتنا ، حتى باتت مفرداتها ريشة في مهبّ الريح نتيجة الكلمات الدخيلة بل حدث استسلام أعمى إلى تغيير لغتنا وكأننا نتوق إلى الانفصال عن هويتنا الأصلية .
أن اللغة العربية هي لغة حياة نعيشها وتعبر عـنا بمختلف حــالاتنا وليست ماض مندثر وتاريخ لا يصلح لزماننا الحاضر، أن المحافظة عليها هي مسؤولية وطنية وأخلاقية ودينية لا تقتصر على بلد واحد بل تمتد لتشمل العالم العربي .
على المؤسسات التعليمية في مصر أن تتخذ أساليب مبتكرة في التعليم لجعل جيل المستقبل يحب لغته الأم وتدفعه للإبداع والابتكار. لذلك يجب علينا إعادة اعتبار اللغة العربية التي تعاني من تراجعٍ وتجاهل مقلقيْن حيث يولّد هذا الأمر مسؤوليةً أخلاقية وحضارية، وقومية، وفكرية، وثقافية، وتربوية تقع على عاتق جميع من يتحدث العربية دون استثناء .
يقول المؤرخ الفرنسي ( إرنست رينان ) من أغرب ما وقع في تاريخ البشر انتشار اللغة العربية فقد كانت غير معروفة فبدأت فجأة في غاية الكمال سلسة غنية كاملة ، ليس لها طفولة ولا شيخوخة، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها . يقول الشاعر/ علي الجارم في أحد أبياته :
يا ابنة الضادِ أنتِ سرٌّ من الحسن تجلى على بني الإنسان
وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي :
إنّ الّذي ملأ اللغات محـاسنًا جعل الجمال وســـرّه في الضّــاد .
فمن ميزات لغتنا الراقية بأنها ثرية بألفاظها غنية بمعانيها وأن مفرداتها وفيرة وكل مرادف ذا دلالة جديدة . فالأسد له أسماء كثيرة لكل مرادف معنى يختص به وكما للناقة والفرس كذلك ، وما من حيوان أو جماد أو نبات إلا وله الكثير من الأسماء والصفات مما يدل على غنى هذه اللغة الرائعة .
نحن مجحفين بحق لغتنا العربية بل نحاول أن نتفوق في لغات أخرى على الرغم من أن قواعد تعلم اللغات عبر العالم تؤكد انه لا يمكن لشخص تعلم لغة جديدة إلا إذا كان متقنا للغته الأم . لذا صار لزام علينا إيجاد طريقة للتوغّل في عقل الطالب وقلبه بشكل مبسط وعلمي ، بحيث نجعله يتعلق بتعليم اللغة العربية بأساليب مبتكرة ومشوقة تحبب جيل المستقبل بلغته الأم ، جاعلين منه شريكًا حقيقيًّا في عمليّة إعادة توليد اللغة العربية فمتى ما مورست اللغة تبقى محفورة في العقل والقلب وليست من خـلال المعاجم والكتب . فقبل أن ينتقل الطالب إلى تعلّم اللغات الأجنبية ، حريٌ بنا تأصيل هذا الموروث الثمين في صدور أبنائنا . ومن هنا يجب المحافظة عليها من خلال تعويد اللسان النطقَ بها ، وإن كانت البداية غريبة والتعبير بها صعبٌ فسرعان ما يصبح الأمر عادة بالإضافة إلى تعويد الأذن سماع العربية الفصحى فالتعزيز يكون منذ نعومة أظافرهم وصولاً لدخولهم أقوى الجامعات الأجنبية وأكثرهم اعتزازًا بلغتهم الأم .
فلغتنا العــــربية تفوق سائر اللغات رونقا ويعجـــز اللسان عن وصف محاسنها ، فهي لغة عريقة الأصل والنسب والموطن فهي لغة أصول من العرب ثابتة الأركان والحدود، لذلك تبقى الأمانة في أعناقنا حفظ هذه اللغة الجميلة . لقد تألمت عند متابعتي لبعض الفضائيات العربية وشاهدت أحوال لغتنا العربية وهى تترنح بين الكلمات وتصرخ وتستغيث بين مقدمي البرامج والمتحاورين تطلب منا الاستغاثة والحماية من الألفاظ الخارجة والجارحة .