بقلم: عساسي عبدالحميد- المغرب
لما جاءت الثورة الإيرانية عام 1979 قام عميد الاعلام المصري "محمد حسنين هيكل" بزيارة خاصة لمدينة "قم" الحاضرة الروحية للشيعة؛ وقتها التقي بالزعيم آية الله الخميني؛ هذا الأخير ظل مدينا لهيكل الذي قدمه للإعلام الانجليزي إبان فترة لجوئه بفرنسا ما بين 1978 و 1979؛وهي التفاتة لن يكن للامام الخميني أن ينساها لهذا الصحافي المصري والتي كانت في وقت الشدة وهو الذي أبدي تعاطفه مع الإمام في منفاه الاختياري بقرية "نوفل لوشاتو " بالشمال الفرنسي (...).
أما وقد اعتلى سدة الحكم في ايران فقد قال الخميني عند لقائه بهيكل في مدينة قم ؛ أطلب ما تشاء ؛فقال هيكل ؛ سماحة الامام أريد أن أضطلع فقط على الوثائق التي صادرها الثوار من السفارة الأمريكية بطهران...(...)
وهكذا تمت تلبية طلب هيكل وتمكينه من عشرات الآلاف من الوثائق الأمريكية المصادرة والتي تم تصويرها وعرضها محمد حسنين هيكل في كتبه ومؤلفاته المترجمة الى كل لغات العالم؛ ...(...)
البعض قد يرى في طلب هيكل للخميني عندما قال له اطلب ما تشاء؛ على أنه طلب رخيص بدون فائدة قد يدخل في باب ادمان الصحافي على المعلومة والحصول عليها بمختلف الطرق ليس إلا ؛ لكن الحقيقة أن تلك الوثائق التي تم مصادرتها من وكر المخابرات بالسفارة الأمريكية بطهران تعتبر كنزا تكبر قيمته شهرا بعد شهر يفتح النوافذ أمام أسرار تكتسي طابع السرية في بلد كإيران كانت الولايات المتحدة تعتبره قاعدة محورية ومورد طاقة لمصانع أمريكا وبرج مراقبة واقع على طريق تجارة الحرير المتجه نحو الصين عبر فجاج كابل و سمرقند وحيدر أباد... (...)
ذلك الكنز من الوثائق كانت قيمته ستتضاعف عشرات المرات لو تمكن مقتحمو السفارة من وضع أيديهم على وثائق سرية أخرى تم اعدامها من طرف موظفي السفارة حتى أخر لحظة؛ بينما فشلوا في اتلاف باقي الوثائق نظرا لكميتها الهائلة وهي الغنيمة التي حصدها الصحافي المخبر " محمد حسنين هيكل " أو الأستاذ بمنجله الخاص. (...)
أكيد أن ذلك الكنز من المعلومات والأسرار التي حصل عليه الصحافي المخبر محمد حسنين هيكل كان قد سيعرض حياته للخطر لو علمت واشنطن أن صحافيا مصريا مدمنا على المعلومة و أية معلومة؟؟ وثائق أمريكية بالأطنان مختومة بعبارة ( سري للغاية )؛ لو علمت أن هيكل قبع باحدى الوزارات الايرانية لساعات طوال تحت حراسات أمنية بأمر من الخميني بطهران؛ ليلتقط صورا لآلاف الوثائق صادرها مقتحمو السفارة الأمريكية في نونبر 1979 والذين احتجزوا 53 دبلوماسيا أمريكيا كرهينة لأكثر من سنة ( من نوفمبر 1979 حتى يناير 1981 ) في رد على واشنطن التي قبلت أن يحل شاه ايران المعزول " محمد رضا بهلوي " للعلاج في احدي مستشفياتها؛(...)
جهاز الاستخبارات الأمريكي قد يعمد على تفجير طائرة ركاب عن بكرة خالقها ان علم أن من بين المسافرين حقيبة أو جيبا خبيثا يدس معلومة سامة ؛ فحياة المسافرين الأبرياء لا قيمة لها أمام معلومة تم اختلاسها على حين غرة من سفارة أو قنصلية أمريكية باحدى بلدان العالم .. (...)
طيلة مسار هيكل الطويل والمعقد ظل ينعت نفسه بهذه العبارة: ( أنا صحافي.... أقول كلمتي و أمشي ...) لكن شتان ما بين كلمة إعلامي ومفكر خبير محنك كهيكل وبين كلمة صحافي ضحل لا تهمه سوى إكرامية الحاكم والمبيت ليلة في فندق خمس نجوم وتدخين سيجارة فاخرة أمام حسناء فاتنة على مائدة عشاء؛ فهيكل كان يرى في المعلومة كنز تكبر قيمته مع مرور الأيام و قد يفيد به الأمن القومي لوطنه ان اقتضت الضرورة ..(...).
لكن الأكيد أن حسنين هيكل و بصرف النظر لزلات و هفوات يراها فيه الكثيرون فإنه يعتبر بحق أرشيفا متنقلاح لكنه كتم معلومات كان الرجل يرى أنه لا يليق أن تخرج للوجود و يستحسن أن يحملها معه الى عالمه الأخر وفعلا حملها معه البارحة (( ومن ضمنها تردي العلاقات الفرنسية الايرانية بشكل فجائي سنة 1979 ؛ففرنسا التي كان لها طموح جامح بايران لكونها كانت مستضيفة للخميني في منفاه مالت 180 درجة نحو العراق الذي انخرط في حرب بالوكالة لصالح واشنطن وبلدان الخليج؟؟؟ ماذا حدث بالضبط ؟؟؟ )) ..وطبعا هناك أسرار أخرى رأى' الأستاذ' أنه من الحكمة و ضعها تحت رهن وتصرف الدولة المصرية وجهاز مخابراتها ؛ كما أن هناك معلومات و شهادات ذات قيمة تاريخية و أكاديمية ارتأى هيكل أن تكون في متناول القارئ والجمهور تعميما للفائدة (...)
Assassi_64@hotmail.com