نعيم يوسف
أطلق أمين شرطة، تابع لقسم الدرب الأحمر النيران من سلاحه الميري، مساء الخميس، على أحد المواطنين، يعمل سائقا على "توك توك"، وذلك بعدما رفض "الأمين" دفع الأجرة للسائق، فتشاجرا، فأطلق رجل الشرطة النيران من سلاحه على السائق فيرديه قتيلا، بعدها يحتج الأهالي ويذهبون للاحتجاج أمام مديرية أمن القاهرة، فيتم إطلاق النيران عليهم، وما أن يكثر عددهم، حتى يجتمع مدير الأمن مع شقيق القتيل ويعده بالقبض على الجاني.
ما رويناه في الفقرة السابقة، ليس هو المشهد الأخير من فيلم "هي فوضى" للفنانين خالد يوسف، وخالد صالح، ولكنه حدث وقع بالفعل مساء الخميس، أمام مديرية أمن العاصمة، ليرسخ في الأذهان عودة بعض رجال الشرطة، في أسوأ صورهم!!
عندما تتحدث عن هذه العودة الغير محمودة، لما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، تجد عشرات الحناجر فتحت أفواهها بكل ما ساء من ألفاظ، وتحدثك عن المؤامرة الخبيثة الممنهجة ضد رجال الشرطة الشرفاء، ولا شك بالطبع أن بينهم الكثيرون من الشرفاء.
هناك فارقا كبيرا بين المؤامرة، والغباء، فما يحدث الآن من هؤلاء هو غباء وعنف غير مبرر ضد المواطنين، وليس مؤامرة على الجهاز ككل، وأفضل دليل على هذا الافتراض هو أن الشاب القتيل على يد أمين الشرطة اليوم، كان من بين الشباب والأهالي الذين حموا مديرية الأمن يوم إنسحاب الشرطة وحرق الأقسام إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير!!!
إن الغباء عينه هو أن لا تعترف هذه الأجهزة بتغير الزمن، والظروف من حولهم، وما زالوا يعشون في شرنقة ما قبل 25 يناير، فلا يدركون أن الشعب بأكمله صارت له الجرأة والقدرة على الاحتجاج والمطالبة بحقوقه والدفاع عن كرامته، بالإضافة إلى الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها العالية في نشر الأخبار والترويج للشائعات، على حد سواء.
يجب أن يدرك كل مسؤول في هذه البلد، قدرة أي مواطن مهما كانت بساطته على الوصول إلى كافة وسائل الإعلام، بل وسعي الأخيرة بجنون نحو عرض هذه القصص عبر شاشات التلفزيون والمواقع الإخبارية، وهو ما لم يكن متوافرا قبل الخامس والعشرين من يناير.
على جهاز الشرطة بالذات إدراك، أنه لم يتم تدميره وإغتيال أفراده -كما كان يحدث في زمن الإخوان- فقط بسبب الشعب، وأنه على الرغم أن وظيفته حماية الشعب إلا أن الحقيقة والواقع يؤكدان على أنه هو نفسه في حماية الشعب، وعليهم أيضا أن يدركوا الحجم الهائل من العبوات الناسفة التي لم تنفجر إلا بسبب قيام مواطن بالإبلاغ عنها، فالحماية هنا متبادلة، وليست من طرف واحد.
أخيرا.. الزمن تغير، والشعب تغير، ولكن معاملة بعض رجال الشرطة للمواطنين لم تتغير، فأين هي المؤامرة؟؟؟ إنه الغباء والغباء فقط.