وكيف تتعامل مع الكذابين
( قصة تربوية طريفة )
للأديب والشاعرفايز البهجورى
فى منزل أحد الفلاحين كان يعيش كلب وحمار . و فى صباح كل يوم كان الكلب والحمار يرافقان الفلاح من بيته إلى حقله .
وفى المساء يعودان معا من الحقل إلى البيت.
ومع الوقت قامت صداقة قويّه بين الكلب والحمار. وكان الكلب يحب الحمار . وكان الحمار يحب الكلب .
***
وفى أحد الأيام رآهما قط لم تكن تربطه بالكلب أو بالحمار صداقة .
غاظه الحب الذى كان بينهما . وفكر فى أن يفسد صـداقتهما ويفرّق بينهما .
***
وفى يوم من الأيام قال القط للحمار فى غياب الكلب :
ياعزيزى الحمار. إن الكلب يقول عنك كلاماً سخيفاً .
يقول إنك حيوان غبى . وأن صوتك قبيح .
دهش الحمار عندما سمع هذا الكلام وغضب غضبا شديدا. ونهّق نهقة عالية . وضرب على الأرض برجله الأمامية اليمنى. وقــال : سوف أنتقم من هذا الكلب الوقح
***
ثم ذهب القط إلى الكلب فى غياب الحمار وقــال له :
ياعزيزى الكلب . لقد سمعت الحمار يقول عنك كلاماً قبيحاً .
يقول أنك تعيش على العظام
وتأكل لحوم الطيور الميتة .
غضب الكلب من هذا الكلام غضباً شديدا وقرر أن ينتقم من الحمار إنتقاماً قاسياً
***
وفى منتصف الليل ذهب الكلب إلى زريبة الحمار . كان الحمار نائماً . هجم عليه الكلب وأخذ يعضّه فى أذنيه وفى رجليه وفى أى مكان يصل إليه فمه .
***
قام الحمار من نومه مذعورا . وضرب الكلب برأسه وقذفه بعيداً ، فإصطدم الكلب بحائط الزريبة .
ولما أراد أن يخرج من الباب رفصه الحمار برجله الخلفية رفصة قويّة كسرت فكه الأسفل ، فأخذ يتألم من ذلك ألماً شديداً . وذهب بعيدا عن زريبة الحمار.
***
أحست " بقرة " فى الزريبة المجاورة بهذه المعركة بين الحمار والكلب . قامت من نومها مفزوعة . وإتجهت إلى زريبة الحمار لتعرف سبب ما حدث .
وسمعت الحكاية كلها . وفهمت سبب الخلاف بين الحمار والكلب .
***
وفى الصباح ذهبت البقرة الى الكلب وقالت له : يا عزيزى الكلب . هل سمعت بأذنيك هذا الكلام من فم الحمار نفسه ؟
قال الكلب : لا . لم أسمعه بأذنىّ منه . لقد قال لى القط ذلك .
قالت البقرة : إذن أنت قد أخطأت خطأ كبيرا . كان يجب عليك أن تذهب أولاً إلى الحمار وتسأله . وتتأكد منه . هل قال عنك هذا الكلام أم لا ؟
فإذا كان قد قاله تعاتبه عليه .
وإن لم يكن قد قاله تكتشف كذب القط عليك وتعاقبه .
قال الكلب للبقرة : معك حق . لقد تسرعت فعلاً فيما فعلته .
***
ثم ذهبت البقرة بعد ذلك الى الحمار وقالت له : وأنت يا صديقى الحمار.هل سمعت بأذنيك الطويلتين هذا الكلام الذى أغضبك من فم الكلب نفسه ؟
قال الحمار : لا . لم أسمعه منه هو . لقد حكاه لى القط .
قالت البقرة : أرى أنك قد أخطأت . كان يجب أن تذهب إلى الكلب وتعرف منه هل قال عنك هذا الكلام أم لا.
فإن كان قد قاله تعاتبه عليه وتلومه .
وإن لم يكن قد قاله تكتشف بنفسك كذب القط وتعاقبه .
***
خجل الحمار من هذا الكلام وقال لها : معك حق أيتها البقرة الحكيمة.
كان يجب على أن أفعل ذلك أولاً .
لقد أخطأت فعلاً فى تصديق القط قبل أن أتأكد من صحة ما قاله .
***
سكتت البقرة الحكيمة لحظة وقالت :
الإعتراف بالخطأ فضيلة . وحسناً فعلت - أنت والكلب - بإعتراف كل منكما بخطئه .
والأن دعونا نعرف الحقيقة .
سأذهب وأحضر الكلب الى هنا ليواجه كل منكما الآخر وتظهر الحقيقة
***
وذهبت البقرة الى الكلب وأحضرته
معها الى زريبة الحمار .
ثم نظرت البقرة للكلب وقالت له :
هل صحيح أيها الكلب العزيز أنك قلت عن الحمار فى غيابه
أنه " حيوان غبى وأن صوته قبيح " ؟
قال الكلب : أنا لم أقل هذا الكلام عن الحمار لا فى حضوره ولا فى غيابه.
***
بعد ذلك سألت البقرة الحمار وقالت له :
وأنت أيها الحمار الصديق . هل صحيح أنك قلت عن الكلب فى غيابه أنه " يأكل العظّام ولحوم الطيور الميتة " ؟.
قال الحمار : أنا لم أقل هذا الكلام لا فى حضور الكلب ولا فى غيابه .
***
سكتت البقرة . وأخذت تنظر إلى الحمار مرة وإلى الكلب مرة أخرى ، ولم تعلّق على كلامهما بشىء .
ولكن الكلب كان يلهث من الغيظ والألم .
وكان الحمار أيضاً ينفر من الغيظ والألم
وقال الكلب للحمار.أنا آسف على ما فعلت . لقد تسرعت فى ذلك
وتركهم وهو يتألم . ومضى وهو يقول : سوف أذهب الآن إلى القط ، وسوف أعاقبه على كذبه .
وهز الحمار رأسه وقال للكلب :
وأنا أيضا آسف على ما فعلته لأنى صدّقت القط دون أن أتأكد من صحة كلامه.
ومضى وهو يعرج . وكان يقول :وأنا أيضاً سوف أذهب إلى القط الكذّاب .
وسأعلمه درساً فى الأخلاق لن ينساه .
ونظرت البقرة إليهما معاً وقالت :
هذا جزاء المتسرعين . جزاء من يصدّق كلاما دون أن يسمعه بنفسه من صاحبه . أو يتأكد من صحته .
أما ما حدث للقط فقد كان درسا مفيدا له. أن لا يكذب مرة أخرى , وأن لا يتدخل فى شئون الآخرين .
وأضافت البقرة الحكيمة .
فى يوم من الأيام عندما كنت " عجلة صغيرة " قامت مشاجرة بين أبى " العجل أبيس " وأمى " البقرة الحكيمة برمهات " بسبب وشاية كاذبة من القرد " ميمون " قالها لأبى ليفرق بينه وبين أمّى ، بكلام من عنده لم يقله أى منهما .
وقتها سمعت أمى الحكيمة تقول لأبى:
ما تسمعه عنك منّى وعلى لسانى
أنا مسئولة عنه . وأتحمل تبعاته .
وما يرويه لك الآ خرون عنك ..وعلى لسانى ، وقد يكون لغرض فى نفوسهم ،
هم مسئولون عنه . وهم يتحملون تبعاته.
وليس من حقك أن تحاسبنى عليه ،
حتى لا أحاسبك على ما ينقله الىّ وعنّى أعداؤك وعلى لسانك ، ولم تكن أنت قد فلته.
***
وبعد هذه الأحداث ذهبت البقرة إلى حظيرتها تستكمل نومها .