Oliver : بقلم
حين نتأمل في أمر يونان النبى نتعجب من عمل الله في الخدام... هذا النبي العظيم كان يدرك دور مملكة آشور في تدمير إسرائيل عام 722 ملوك الثاني 15 و كان من الطبيعى أن يونان النبى مثل كل إسرائيلى يكن الغضب و الكره لآشور و عاصمتها نينوى.
كان يونان النبى يظن في نفسه أنه نبياً لشعب إسرائيل وحدهم.فعاش مخلصاً لرسالته.غيوراً لأمته محباً لوطنه بطريقة أعاقت يونان النبى أن يدرك حكمة الله في تكليفه بالخدمة في أرض غريبة.و للشعب أالذى أذاق وطنه مرارة الأسر و النهب و التدمير حين قامت بابل و آشور ضد إسرائيل.نعم قد نجد في أنفسنا مشاعر وطنية جياشة نبيلة لكن وطنيتنا ليست علي حساب محبة الله إن تعارضت مع مشيئتة في حياتنا. محبته ينبغي أن تبقى الأولى و الأهم و الأعظم.لا مفاضلة بين إله و وطن.فالرب إله الأرض كلها.
النبى يقول عن نفسه لمن في السفينة (للعالم) – أنا عبرانى و أتقي الرب- و يذكرنا الوحى الإلهي في رسالة رومية 2 : 17-21 - وأنت يا من تسمي نفسك يهودياً، وتتكل على الشريعة، وتفتخر بالله، وتعرف مشيئته.(مكتفيا بذلك علي سبيل الإفتخار) و هى نفس الحالة التى نظن فيها أن الإيمان الذي يتوقف عند كوننا مسيحيون باللقب يكفي للخلاص.
إن سفر يونان النبى يقدم لنا نموذج لجهاد الإنسان مع نفسه و كيف يتدخل الله ليسندنا حين يحتدم الصراع.
صراع أفكار:
يدرك يونان النبى أن الرب هو إله السماء و البر و البحر ( ثم يأخذ سفينة ليهرب من وجه الرب؟) هذا التناقض في أفكارنا الذي يظهر في الفرق بين ما نعرفه عن الله و بين ما نعمله في معاملاتنا مع الله. يعيش يونان النبى هذا التناقض، فيما هو يعترف بايمانه ويشهد لربه شهادة نظرية ، لكنه يتمرد على الله، ويهرب من وجهه. حتى حملته هذه التناقضات على تمني الموت والاستسلام له.
في وسط الصراع يري يونان النبى الريح الشديدة و يري النوء العظيم (لكن الله يري ليونان النبى الحوت العظيم).يونان النبى يري الموت و الله يري الحياة ليونان.إنه صراع بين الموت و الحياة و الله فيه يغلب .من هنا يبدأ مشهد الصلبوت.من بطن الحوت. في الصراع بين الموت و الحياة.
يأتى وقت تهاجمنا الأفكار تريد أن تطرحنا إلي الهوة السحيقة.(خذوني و أطرحوني إلي البحر).حين نشعر أنه لا جدوى من انفسنا و لا رجاء في ملكوت الله حينها يتدخل الله بسرعة و بقوة ليحول الشك إلي الإيمان.كما فعل مع تلميذه توما.
صراع أدوار:
صراع الأدوار يبدأ حين يتخلي الإنسان عن دوره. يدرك يونان أنه النبى و يدرك أن البحارة وثنيون.لكن الوثنيون هم الذين نصحوا النبى أن يصلى (قم أصرخ إلي إلهك) في صراعنا مع أنفسنا قد تنقلب الأدوار.و بدلاً من أن نقود العالم ننقاد به و بدلاً من أن تكون مهمتنا توصيل كلمة الله للناس-نضعف- فيتدخل الرب و يكلمنا بنفسه علي ألسنة الناس.لقد أمر الرب يونان النبى أن( يقوم) و يذهب إلي نينوي فلم يسمع و هنا يأمره ربان السفينة أن( يقوم) و يصلي – في الحقيقة هو صوت الرب يتكرر لأن الربان إستخدم نفس الأمر ( قم) .ثم يكرر الرب الأمر بنفسه ليونان النبى للمرة الثالثة بعد إنقاذه من الحوت.قم إعتدل .عد إلي دورك و مهمتك و خدمتك و رتبتك.
في صراع الأدوار يتخلي يونان النبى عن دوره كمنقذ و حنان الله يحول الحوت من دوره كمهلك إلي منقذ ليونان النبى.في صراع الأدوار يصنع الشعب صليباً لموت المسيح فيصنع المسيح خلاصاً و حياة بالصليب.لا يمكنك أن تغلب الله في الصراع.فقط إعتدل و عد إلي دورك الصحيح.
الله في حنانه لم يعاتب يونان النبى علي عصيانه.لأنه يدرك ما في دواخلنا من صراع .الفرصة لم تضيع ومراحم الرب تتجدد.
إنكشاف الأسرار:
كان يونان النبى يري البحر و الموج و الريح لكنه لا ير أن في الأعماق أسرار,و أن حوتاً تم تجهيزه لا يتوقعه النبى.في أوقات الضعف تزيد النعمة من عملها لكي لا يهلك الإنسان ليكتشف كيف أنه مسنود علي النعمة فيتمسك بها لهذا يقول يونان النبى في صلاته في بطن الحوت (الذين يراعون اباطيل كاذبة يتركون نعمتهم.) يون 2: 8
بعد أن خرج يونان النبى من بطن الحوت ذهب إلي نينوي و نادى عليها (فابتدا يونان النبى يدخل المدينة مسيرة يوم واحد ونادى وقال بعد اربعين يوما تنقلب نينوى)يون 3 : 4 و كان يتوقع أن تهلك المدينة. حتي شعب المدينة تاب و صلي و صام لكي يموت و هو تائب و لم ينتظر أن يرجع الله عن قراره. لكن من الأسرار التي لا نعرفها أن مراحم الله لها طرق عجيبة.تأخذ شاول الطرسوسى من وسط القتلة لتضعه وسط التلاميذ الرسل.مراحم الله تجعل مناداة يونان النبى بهلاك المدينة هي الطريقة لإنقاذ المدينة.مراحم الله تستخدم أدوات لا نتوقعها لكننا نكتشفها فيما بعد حين تتضح لنا أسرار النعمة. الراقدون حول بركة بيت حسدا لم يتوقعوا شفاءاً إلا من البِركة لكن المسيح له المجد أتي للمريض بالشفاء من غير الِبركة.من شخصه من نعمته من حيث لم يتوقع أحد.
صفح الرب عن أهل نينوى و إغتم يونان النبى و قال فالآن يا رب خذ نفسي مني لان موتي خير من حياتي) يون 4 : 3 و لم يكن يقصد أن موته خير علي الإطلاق.لكنه يقصد أنه يريد أن يموت فينتهي هذا الصراع الذي يعيشه.لكن الرب إستخدم نفس العبارة بطريقة عجيبة. نعم صار موت يونان النبى( نظرياً) في بطن الحوت ثم نجاته من الموت هو أعظم وجه للشبه بينه و بين المسيح. لم يدرك النبى أن موته سيكون آية ل («جيل شرير وفاسق يطلب اية ولا تعطى له اية الا اية يونان النبي. لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال) مت 12 : 40 و سيكون ترتيلة الكنيسة طوال أيام صوم نينوى (يونان في بطن الحوت كمثال المسيح في القبر ثلاثة أيام). في أسوأ أوقات االيأس لا تكف النعمة عن أن تشرق في الظلمة بنورها. و علم يونان أنه حين ضاقت به الحياة جداً كان قريباً جداً من النجاة.
يونان النبى كان يري اليقطينة مظلة و يري الدودة لعنة.لكنه بعد ذلك أدرك أن اليقطينة و الدودة لم يكونا سوى درساً لمعني أعمق للخلاص.فالرب شرح له علاقة الفرح بالنجاة من الحَر بالفرح بالنجاة من الشر.و أما الدودة التي أرسلها الله فلكي ترفع أي غطاء يحجب الإنسان عن علاقة مباشرة بالسماء.و الصليب الذي كان رمزاً للعنة أصبح مدخلاً بنا إلي الخلاص فور أن عٌلق المسيح عليه. كان يونان عند اليقطينة يعيش رموز الصليب دون أن يدرى.
في أوقات الضعف تنكشف أسرار كثيرة.كما إنكشف لإيليا النبي العظيم أنه يوجد سبعة آلاف ركبة لم تنحن لبعل لا يعرف واحداً منها.في أوقات الضعف أدرك يونان النبى محبة الله للعالم كله لأن العالم كله في ضعف. و أنت أيضاً للنعمة مسار و أسرار معك فكن واثقاً و افرح.