بقلم: د. مينا ملاك عازر
حدثتك المقال السابق، عن ذكر محاسن الموتى، وكيف أنه ضرورة في بلادي لتضمن أنك حين تموت تجد من يذكر لك عيوبك على أنها محاسن، ومن محاسن الصدف أنني في كلية الآداب قسم التاريخ درست منهج البحث التاريخي لسنة كاملة ومارسته أكثر من ستة عشر عاماً، وسأبقى أنتهجه، فقدمت لحضرتك بعض من باقات الأستاذ المتناقضة –رحمه الله-
تستطيع أن تعتبر الأستاذ هو صاحب مدرسة في الكتابة الصحفية والتأريخ وهي مدرسة - رحمه الله- وهو عنوان وضعته لمدرسة الأستاذ بحسب فهمي لعمق المنهج المتبع فالأستاذ لا يروي رواية من رواياته إلا بعد أن يكون كل أبطالها وشهودها -رحمهم الله- وعليه فهو دائماً ما يذيل اسم المشاركين في القصة التاريخية التي يؤلفها بكلمة -رحمه الله- من باب الأدب، ومن باب ذكر محاسن الموتى.
ومن أهم تفعيلات ذكر محاسن الموتى لدى الأستاذ -رحمه الله- ذكره لمحاسن السادات بعد مماته بكتابه خريف الغضب حيث كتب عنه أنه سكير وبتاع كاس، كلام كتير من محاسن حظ السادات أنه لم يقرأه، محاسن حظ الأستاذ -رحمه الله- أنه انتهج نفس المنهج الذي أنتهجه معه أنا اليوم فانتظرني في آخر المقال.
الأستاذ الذي مجد في الثورة الإيرانية التي بدأت إيرانية وانتهت إرهابية للشعب الإيراني، وتم الضحك عليهم بادعاء إسلاميتها، ومجد في ثورة يوليو التي قمعت مدعي التأسلم في بلاد الأستاذ، وهو تناقض في المنهج لا أستطيع فهمه لكنه الأستاذ –رحمه الله- وهو نفسه الأستاذ الذي جعل ناصر على أتم الاستعداد للتنحي وليس واجب عليه التنحي، هو نفسه الأستاذ الذي قال عن ناصر أنه ليس أسطورة بعد وفاته، ولكي لا أطيل في ذكر محاسن الموتى، أدعوك لقراءة كتاب خريف الغضب لتعرف كيف كان الأستاذ محباً لوطنه حتى اختار - كما يزعم وكان ينسب لنفسه- السادات ودعمه ليصل للسلطة، وفي كتاب خريف الغضب تعرف شخصية السادات -رحمه الله- كما يحكي عنها الأستاذ لتعرف كيف يذكر الأستاذ محاسن الموتى وكيف يذكر الأستاذ محاسن الأحياء حينما يكونوا أحياء.
والآن اسمح لي صديقي القارئ، أن أختم مقالي هذا باتباع منهج روايات الأستاذ -رحمه الله- وهو منهج رحمه الله.
كنت يومها مع الاستاذ -رحمه الله- والسادات -رحمه الله- وناصر -رحمه الله- وقت أن حضر السادات -رحمه الله- فنجان القهوة إياه لناصر، يومها دخل السادات للمطبخ وحده وحضر فنجان القهوة وبعدها مات ناصر، وهي القصة التي رواها الأستاذ -رحمه الله- لكنه للأسف لم يحكي باقي القصة التي رأيتها بنفسي حيث كنت موجود، فقد قفز الأستاذ -رحمه الله- وخطف الفنجان من السادات وانعطف به لنصف دقيقة بالحمام، ورأيته يضع بيده قرص ذاب سريعاً ثم سارع بتقديم القهوة لناصر -رحمه الله- وبعدها مات، ولما سألت الأستاذ -رحمه الله- لماذا هذا؟ ظن أنني لم أرى وضعه للقرص، وفهم سؤالي فقط عن لماذا أخذ القهوة، فقال إشمعنى السادات أخذ شرف عمل الفنجان، فأخذت أنا شرف تقديمه، رحم الله الجميع، ورحم الله التاريخ من منهج ذكر محاسن الموتى، ومن منهج الأستاذ الحمد لله.
المختصر المفيد كتبت عن الأستاذ في حياته، ولم أنتظر لمماته، هاجمته وسأبقى لا أثق في الكثير من رواياته لكنني سأبقى أحترم كفاحه- وإن لم أرضى عن نزاهته-الذى أوصل الأستاذ ليكون أستاذ في نظر الكثيرين للأسف رحمه الله.