الأقباط متحدون - درس الشبع ودرس الجوع
أخر تحديث ٠٢:٢٦ | الاثنين ٢٢ فبراير ٢٠١٦ | ١٤أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٤٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

درس الشبع ودرس الجوع

بقلم منير بشاى

تعبنا من السياسة واخلاقيات السياسة ورجال (ونساء) السياسة.  وتعبنا من الكلام عن الازمات السياسية المحلية والعالمية، وعن ويلات الصراعت الوطنية والدولية.  واشتقنا الى البعد ولو لبرهة عن عالم المادة الى رحاب الروح.

لفت نظرى ما قاله الرسول بولس تطبيقا لاختباره الشخصى "تدربت أن اشبع وأن اجوع" فيلبى 4: 12.  وفى نفس السياق يقول سليمان الحكيم "النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلو" امثال 27: 7  عن درس الشبع ودرس الجوع نتأمل.  ولعل هاتين الكلمتين تشغلان اذهان الناس اكثر من غيرهما فى عالم اليوم.

ومن المؤكد ان الرسول بولس لم يكن يعنى الشبع والجوع المادى وحده، ولكن ايضا كل احتياجات الحياة.  فتعبير الشبع والجوع يمكن ايضا ان يشمل اوقات الراحة واوقات التعب، اوقات الفرح واوقات الالم.  وهذا ما يؤكده الرسول بولس عندما قال "فى كل شىء وفى جميع الاشياء قد تدربت ان اشبع وان اجوع".  ثم ينتهى الرسول الى القول ان هذا الدرس ما كان يمكن ان يتعلمه بنفسه دون عون من الله، "استطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى" فيلبى 4: 13.

قد يعتقد البعض ان الامر يكون سهلا عندما يتعلق باوقات الشبع، عندما تحيطنا البركات من كل جانب.  وفى هذه الحالة يكون دورنا مجرد ان نقدم الشكر والعرفان لصنيع الله.  ولكن لو كان الامر بهذه السهولة ما كان الرسول بولس قد اشار له وأكد عليه.  ولكن الحقيقة ان كلا الدرسين صعب سواء التعامل مع اوقات الشبع او اوقات الجوع.  وكثيرا ما نفشل فى مواجهة تداعيات الشبع تماما كما نفشل فى مواجهة تداعيات الجوع.

نحتاج ان نتعلم درس الشبع عندما نحس ان الرياح تاتى لنا بما تشتهى سفينة حياتنا.  عندما يكثر الطعام على مائدتنا وعندما ينمو حساب اموالنا فى البنوك وعندما نلبس الفاخر من الثياب ونسكن القصور ونركب السيارات الفارهة ويحيط بنا من يقدمون لنا الولاء والخدمة بينما نحن نجلس على كراسى العظمة.

البعض عندما يصلون الى هذا المستوى من الرفاهية بعد حياة متواضعة قد لا يستطيعوا تحمل ما وصلوا اليه ويلعب الزهو فى عقولهم فيصيبهم التكبر والتجبر ويتعالون على من كانوا قبلا اندادا لهم.  والبعض قد يلذ له طعم الملذات فيصابوا بالشراهة ومهما اكلوا منها لا يشبعوا ومهما شربوا منها لا يحسوا بالارتواء.

فى مجال ارتفاع المركز الدينى والاجتماعى والعرقى يمكن ان يقال ان بولس الرسول قد وصل للذروة.  وقد عدد بعض ما وصل اليه فقال "ان ظن واحد ان يتكل على الجسد فانا بالاولى  من جهة الختان مختون فى اليوم الثامن من جنس اسرائيل من سبط بنيامين عبرانى من العبرانيين من جهة الناموس فريسى من جهة الغيرة مضطهد الكنيسة من جهة البر الذى فى الناموس بلا لوم" فيلبى 3: 4-6

ولكن مع كل ما وصل له كان الرسول بولس يتمتع بالشبع الذى جعله يزهد فى هذه كلها فيقول " لكن ما كان لى ربحا فهذا قد حسبته من اجل المسيح خسارة.  بل انى احسب كل شىء خسارة من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى الذى من اجله خسرت كل الاشياء وانا احسبها نفاية (زبالة) لكى اربح المسيح واوجد فيه" فيلبى 3: 7- 9

على نقيض هذا يقدم الرسول بولس لنا مثالا فى كيفية تعامله مع اوقات الجوع.  فقد مر باوقات رأى نفسه فيها قد انحدر للقاع حيث اصبح مضطهدا يعانى التحقير النفسى والاذلال الجسدى والجوع الحرفى والمعنوى.  فيقول مقارنا نفسه بآخرين "فى الاتعاب أكثر.  فى الضربات أوفر.  فى السجون أكثر.  فى الميتات مرارا كثيرة.  من اليهود خمس مرات قبلت اربعين جلدة الا واحدة.  ثلاث مرات ضربت بالعصى. مرة رجمت.  ثلاث مرات انكسرت بى السفينة.  ليلا ونهارا قضيت فى العمق.  باسفار مرات كثيرة.  باخطار سيل.  باخطار لصوص.  باخطار من جنسى.  باخطار من الامم.  باخطار فى المدينة. باخطار فى البرية.  باخطار فى البحر.  باخطار من اخوة كذبة.  فى تعب وكد.  فى اسهارمرارا كثيرة.  فى جوع وعطش.  فى اصوام مرارا كثيرة. فى برد وعرى." 2 كورنثوس 11: 23- 27

ولكن الرسول بولس يرينا كيف انه تعلم وقت الجوع ان لا يتذمر او يشكو او يحقد على غيره وسلّم نفسه للمشيئة الالهية.  كما انه لم يندب حظه ولم يخجل مما اصابه ولكن كان يفتخر به "ان كان يجب الافتخار فسأفتخر بأمور ضعفى" 2 كورنثوس 11:30.

وهو نفس اختبار حبقوق فى اشد ظروف الجوع التى وصفها قائلا "فمع انه لا يزهر التين ولا يكون حمل فى الكروم ويكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاما ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر فى المذود.  فانى ابتهج بالرب وافرح باله خلاصى" حبقوق 3: 17 و 18

لاشك ان هذا مستوى رفيع من الروحيات قد لا نجده فى انفسنا او فيما حولنا.  والرسول بولس لم يصل اليه تلقائيا ولكن بعد جهد وكفاح.  والوسيلة التى استخدمها هى "التدريب الروحى".  يقول "تدربت ان اشبع وأن أجوع" فهذه امور لا نصل اليها بالمعرفة العقلية ولكن نكتسبها بالتدريبات الروحية الشاقة كلما تعاملنا مع التحديات التى تعترض طريق حياتنا.

الخلاصة اننا نكون قد تعلمنا من بولس الرسول درس الشبع اذا كنا فى وقت الشبع لا ننظر الى من هم ادنى باحتقار، ونتعلم درس الجوع اذا كنا فى وقت الجوع لا ننظر الى من هم اعلى بالحقد.  و مع سليمان الحكيم نتعلم درس الشبع عندما لا يغرينا غرور الحياة  فندوس على عسلها، ونتعلم درس الجوع عندما لا تحطمنا مرارة الحياة فالله يحول المر الى حلو.

Mounir.bishay@sbcglobal.net


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع