الأقباط متحدون - لغتنا الجميلة مصرية وليست عربية (2)
أخر تحديث ١٧:٣٥ | الثلاثاء ٢٣ فبراير ٢٠١٦ | ١٥أمشير ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٤٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

لغتنا الجميلة مصرية وليست عربية (2)

لطيف شاكر
كتب عميد الادب د.طه حسين في مستقبل الثقافة في مصر يقول :
اريد ان تكون الكتابة تصويرا دقيقا للنطق . لا ان تصور بعضه وتلغي بغضه , لا ان تصور نصف اللفظ وتلغي نصفه الآخر . أريد أن تكون للكتابة ما نسميه  الحروف (السواكن ) وما نسميه الحركات (الصوائب ) تصوير لا إهمال فيه من جهة وتصويرا قوامه اليسر والسهولة والسرعة والاقتصاد في الوقت والجهد والمال من جهة أخري , ونستطيع أن نضرب مثالا علي ذلك باسم "طه" نفسه الذي يكتب بحرفين اثنين من الحروف الاربعة التي ينطق بها "طاها ".

ويقول الراحل الكريم بيومي قنديل في كتابه الثمين حاضر الثقافة في مصر في ضوء علمي اللغويات والمصريات:
ان رفض الكتابة العربية الظهور علي هيئة حروف مفردة , مثلما تفعل الانساق الكتابية العديدة المعروفة كالاتينية واليونانية والارمنية والعبرية والقبطية والامازيغية ...الخ فالكتابة العربية لاتظهرلنا , بعد ان نتعلمها الا مشبكة أي حاملة لكافة مشاكلها التي تفوق الحسر .

لكن الاغرب ما في الكتابة العربية واشده ارتباكا في نفس الوقت هو تأثر المكتوب بالقواعد الصلافية للكلمة , وهو الامر الذي يؤدي بهذه الكتابة اللامنطقية الي كتابة الصوت الواحد بحرفين مختلفين مثال "دعا" و "هدي " فالصوت الاخير في الفعلين واحد هو "الالف" . ولكنه يكتب مرة بالاف ومرة أخري بالياء , وذلك استنادا الي ان الفعل المضارع ل"دعا" هو يدعو ول"هدي" يهدي , وتوغل هذه الكتابة في لامنطقيها فتخضع كتابة الكلمة المفردة لوظيفتها في الجملة اي لنحوها مثل "خالي ..خال ..الخ".

وكان ما حدث ان دعاوي الاصلاح ودعاوي الاستبدال لم يؤخذ بأي منها , وظلت الفجوة فاغرة شدقيها بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة بل وعدنا نكتب "موسيقا "و"رضا" و"دجا "كما اقترح المجددون علي هذا النحو التقليدي السابق "موسيقي" و "رضي ""دجي "..الخ فاللغة هي اللغة المنطوقة اما اللغة المكتوبة فليست الا تمثيلا لما هو منطوق .

كما ان تعدد رسم الحرف الواحد وفقا لوقوعه في الكلمة مابين اولها الي وسطها الي آخرها فضلا عن طبيعة الحرف ذاته من قبوله للاتصال بما يمليه او بما يسبقه من حروف مثال حرف العين الذي يصبح ع , عـ, ـعـ ,ـع دع عنك كتابة الهمزة وغيرهما من الحروف الاخري , الامر الذي يرجع الي غفلة الكتابة العربية النبطية الاصل عن تخصيص حرف منفرد لصوت ساكن يعد احد اصواتها الرئيسية .

ويستطرد بيومي قائلا": لماذا يميل المصريون في لغتهم المصرية الحديثة إلي وضع أداة الاستفهام في آخر السؤال؟ وذلك عكس اللغة العربية الفصحي: رايح فين؟ جاي من اين؟ عامل إيه؟ اسمك ايه؟ في مقابل إلي أين ذاهب؟ من أين قادم؟ ماذا تفعل؟ ما اسمك؟ علي التوالي.

ويسأل: ولماذا يضع المصريون في لغتهم اسم الإشارة بعد الاسم المشار إليه علي نحو الولد دا..البنت دي...البنات دول، بدلا من هذا الولد.. هذه البنت.. هؤلاء البنات علي التوالي. وغني عن القول أن عبارة: دا ولد لا تضم اسم اشارة بل ضمير إشارة. وهل يمكن إرجاع الكلمات دا.. دي.. دول.. إلي أصل عربي؟ طبعًا لا يمكن، وهنا نؤكد ما سبق ذكره أن الفيصل في اللغة هي البنية Structure وليس الطوب الذي يعلو عليه.

ويسأل ايضا: لماذا تشكل الأصوات البين أسنانية الثلاث "ث, ذ, ظ" مناطق صعبة النطق بالنسبة للتلميذ المصري، في حين أن اللغة لابد أن تكون لينة حتي يمكن نطقها بسهولة بالنسبة للصغار هل تعتبر لغته القومية.

اذن فاللغة العربية التي حازت اسم الفصحي ليست لغة المصريين القومية وان كانت اللغة الرسمية بينهم ولغة التعليم والثقافة ونشرات الاخبار ولعل احدي بديهيات اللغويات السيكلولوجي ان اللغة القومية او" لغة الام "تكتسب ولا تتعلم وهنا يلزم السؤال : كيف يتأتي للطفل الانساني دون سائر اطفال الفصائل الاخري كالقردة مثلا ان يستنبط بمفرده قواعد النحو للغة الحية المنطوقة التي يتعرض لها من جانب ابويه وذويه ويستخدمها في انتاج جمل وتعابير لم تطرق الي اذنيه من قبل هل يستقيم هذا مع اللغة العربية الفصحي .

ولايزال هناك جدل واسع النطاق حول هذا السؤال ولكن مايتفق عليه اللغوبيون ان اللغة القومية هي تلك التي يتقن الطفل الانساني فهمها اذا سمعها والنطق بها ,اذا اراد التعبير عن افكاره ومشاعره واحتياجاته قبل ان يبدأ الخامسة من عمره تقريبا .

وعليه فان اللغة العربية (الفصحي) ليست بحال من الاحوال لغة قومية للمصريين بل وليست كذلك بالنسبة للعرب الشماليين او الجنوبيين تماما ,مثلما لاتعد اللاتينية لغة قومية في الوقت الحاضر بالنسبة للايطاليين المعاصرين , وان كانت كذلك في زمن مضي.

وازاء هذه الاسباب واسباب اخري عديدة اقترح مجددون عظام استبدال الحروف العربية النبطية الاصل بالحروف اللاتينية التي كانت قد حققت ظفرا طازجا في تركيا في ذلك الوقت علي يدي الزعيم الوطني كمال اتاتورك ,بعد ان كانت التركية تكتب بالحروف العربية النبطية الاصل وكان ذلك التحول قد تم سنة 1929 م وان كان قد سبقه في ذلك الاقباط بكتابة حروف اللغة الديموطيقية الي الحروف اليونانية لغة الفلسفة الهيلينية العالمية في القرن الثقاني قبل الميلاد .

وتقتضي امانة العلم ونزاهة الضمير ان اقرر بثبات (بيومي قنديل ) ان السبب يكمن في ان اللغة العربية المشهورة بالفصحي لغة" اجنبية ميتة "يجاوزها التاريخ اللغوي وتركها بجوار اللاتينية والاغريقية والانجلوساكسونية وسائر اللغات الفصحي "المقدسة" ..ويعد وصف اللغة المصري الحديثة كما ادعوها بانها انحراف او تصحيف للغة العربية المشهورة بالفصحي فيما يروج الكتاب المصريين خطأ جسيما.

ويقول قنديل : لقد تخلي المصريون المعاصرون عن طرابيشهم فالاصح انهم تخلوا او نبذوا غطاء الرأس التركي العثمانلي وحسب ,فذلك الغطاء لم يعرفه سكان" ايزيس" قبل غزو السلطان امير المؤمنين سليم الاول رضي الله عنه لبلادهم في اوائل القرن السادس عشر 1517 م وعلي نفس المنوال نبذ المصريون وينبذون لغة لم تكن في يوم من الايام لغتهم القومية اي لغتهم الأم Mother Tongue .

ويقول د.عبدالوهاب مسعود ان اللغة العربية الفصحي يصل عدد قواعد صرفها ونحوها واملائها الي مايزيد علي 12 الف قاعدة مقابل الف واحد للغة الانجليزية اي بنسبة 1:12 ليست صعبة التعليم علي كل مصري وحسب بل اكاد اقول انها مستحيلة ..مستحيلة .

وكتب د. مصطفي عبد الواحد من جامعة "أم القري" مقالا حادا في صحيفة الاخبار 3 فبراير1997 ينتقد فيه مفتي الديار المصرية السابق الذي قضي عمره كله في دراسة اللغة العربية الفصحي في الازهر الذي عجز عن قراءتها بصورة صحيحة من ورقة في يده في حفل اقيم بمناسبة رؤية هلال شهر رمضان بعنوان "الصمت افضل يافضيلة المفتي" جاء فيه ضمن ماجاء : ......واليك نماذج من هذا اللحن الصادر عن دار الافتاء : اسم ان منصوب دائما لكن فضيلة المفتي جعله مرفوعا عدة مرات وخبر كان منصوب دائما لكن فضيلته جعله مرفوعا والفعل منصوب بعد ان المصدرية لكن الشيخ جعله مرفوعا عدة مرات...الخ والمستمع الي ما يقوله بعض بل اغلب ان لم يكن كل مذيعي نشرات الاخبار ومقدمين البرامج في التليفزيون والفضائيات والراديو لاينطقون باللغة العربية الفصحي حسب قواعدها ونحوها وصرفها .

لاشك ان العامية تميل الي التبسيط وخاصة في القواعد اذ علي سبيل المثال تختفي صيغة المثني تقريبا وتنقص الضمائر وتختفي معظم اوزان الجمع وصيغ الافعال وتختفي حركات الاعراب .

ويقول د.انيس فريحة استاذ اللغات السامية بجامعة بيروت :فباحثونا   لايرون في بساطة اللهجة المصرية او مانسميه ب اللغة المصري الحديث رقيا بل تفاهة يقع فيها العامة ومن ثم ينبغي علي الخاصة ان ينأوا بانفسهم عنها قدر الامكان .

ثم ان اللغة وسيلة والوسائل لاتتفاضل الواحدة عن الاخري الا علي اساس حظها من البساطة والسهولة في تحقيق الغرض المنشود وهو التفاهم والنطق.
ان اللغة المنطوقة في مصر اي لغة الحديث اليومي هي امتداد طبيعي للغة المصرية القديمة بمراحلها الثلاث الرئيسية الهيروغليفية والديموتيكية والقبطية , وبهذه الصفة يجوز ان ندعوها "لغة المصري الحديثة" اي المرحلة الرابعة في تطور لسان المصريين ,

وهذه اللغة مستقلة علي المستوي النحوي والصرفي والصوتي والدلالي عن سائر اللغات السامية وخصوصا العربية والعبرية , وإن لم تكن منفصلة كلغة حامية اي افريقية عن هذه اللغات وخصوصا في الجانب الاستدلالي اي استعارة المفردات وتحوير معانيها .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter