نبيل المقدس
يقولون .. بعد فشل نظام الدول الدينية في اوروبا , وتأخر الدول التي كانت تحكم بالدين .. بدأ التفكير في قيام دولة حديثة تقوم على أسس "المساواة و الحقوق الإنسانيّة ، والإنطلاق من قيم أخلاقيّة في الحكم ". وعندما حاول ساسة الدول تكوين فكرة لدّولة مدنيّة حديثة .. درسوا حالة طبيعة البلدان فوجدوا بأنّ الفوضى تطغى عليها غالبا ، مما تغلبت عليها بشكل عام مشاعر الغضب والحقد والتسلط , وفقدان الرّوح المدنيّة الإنسانية , والتي يجب أن تتّسم بالتّسامح و التّعاون للعيش المشترك . ومن أجل تحقيق هذا لا بد من إنشاء دولة مدنيّة فقط تمنع الإعتداءات ويسود فيها الأمن من خلال جهات أمنيّة سياسيّة و قانونيّة لا تتأثّر بتباين المذاهب وتعدد الأديان أو الجنس.
وتقوم الدّولة المدنيّة الحديثة على أساس النّظام المدني فقط .. لا هي عسكرية ولا هي دينية , ومن أهم مبادئها هي السّلام ، التّسامح ، العدل، قبول الرأي الآخر , والحريات .. لكن هذه المباديء تحتاج إلي تقوية الأفراد ثقافيا وأخلاقيا . وفصل النزعة الدينية وجعله علاقة شخصية بين المرء وإلهه . وعلينا أن ندرك أن حضارة ورقي البلاد لاتتوقف علي الشرائع الدينية .. بل علي مدي درجة إحترام ما وصلت إليها القوانين الإنسانية من تطور طبيعي منذ الخليقة .. وهذا لا يتحقق إلا بتوسيع مجال الحريات لجميع الأفراد في المجتمع الواحد , بالإضافة إلي غرز روح المواطنة في نفوس وقلوب الأفراد ، مع مراعاة حقوقهم , وواجباتهم نحو وطنهم .
من هنا وبعد ما تعرفنا علي مباديء او تعريف الدولة المدنية الحديثة .. تعالوا معي لكي نتحقق هل فعلا دولتنا مصر أصبحت دولة مدنية حديثة بعد ثورة 30 – 6 – 2013العظيمة . ؟؟ لا انكر ان الدولة المصرية تحولت إلي دولة مدنية حديثة , لكنها بخطوط حمراء حيث فيها لا تسمح التعدي علي حياة فئة معينة , حتي ولو كان بدون قصد . والذي أوجد هذه الخطوط الحمراء في مصر هو البند الثاني من الدستور والذي ينص علي " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع." لكن طالما اتفقنا عليه فواجب علينا أن نحترمه .. لكن هناك امر هام لم نلتفت إليه .. إننا لا نضع روح القانون في بتْ بعض القضايا التي تستحق أن لا يطبق عليها القانون حرفيا .. او تكون التهمة غير منطقية بالرغم من وجود شواهد .. لذلك سوف اتكلم مع نفسي عن الحكم الذي صدر ضد 4صبيان مسيحيين بالسجن 5 سنوات , بتهمة الإزدراء بالدين الإسلامي . حيث كانوا قد قاموا بتمثيل مشهد في كيفية قتل اولادنا في ليبيا علي يد الدواعش منذ فترة.
مافيش شك ان الحكم علي هؤلاء الصبية الصغار اتخذ الحرف مبدأ له " والحرف يقتل كما تعلمنا من اسلافنا ".. ولم يتخذ روح الشريعة اساسا له .. فعندما ندقق في ما عمله هؤلاء الصبية , نجده مسرحية صبيانية لمدة لا تصل إلي 1 % من فترة المشهد الحقيقي الذي حدث فعلا بأيادي يتخذون أصحابها من الدين مبررا لأعمالهم القذرة , والدين منهم براء , ومدة عرضه حوالي ثلث ساعة ,وما يزال موجودا في المواقع . هؤلاء الصبية قاموا بتمثيل حقيقة حدثت بالفعل في ليبيا , وليست من تأليفهم ومن حظهم السيء تم تسريبه عن طريق الحاقدين علي مستوي الميديا , والمواقع الكترونية .. أقصد ليس هم الذين ازدروا بالدين .. بل مثلوها كنوع من معايشة فترة الرعب والخوف لـ 21 رجل في عز الشباب تم تطبيق قطع الرقاب عليهم تحت سيناريو وتصوير فني وإخراج من مخرجين أجانب محنكين في عملهم ...
نحن المسيحيون تقبلنا هذا البند , وكانت هناك وقفة بين الشعب المسيحي وقيادتهم الذين مثلوهم في وضع بنود الدستور .. وتعشمنا خير من إخوتنا المسلمين أن روح الشريعة هي التي سوف تكون السائدة علي بناء القوانين والتشريعات من مجلس النواب بطريقة عادلة .. انا لا اخصص هذا المقال في الحكم علي هؤلاء الصبية .. فقد كانت نيتهم هو الإستهزاء من الدواعش .. و لإظهار مدي شراسة وتوحش هؤلاء الدواعش .. وانا أظن أن مشاهد الفيلم الحقيقي لقتل هؤلاء الشباب في ليبيا غدرا وكراهية قد يعجب أعداد قليلة من المسلمين المتشددين الذين يتبعون مبدأ السلفية .. وفعلا تفاعل الشعب المصري ضد هذا الحدث وتبرأوا منه .. !!
اتصور بل اتعشم من أعضاء مجلس النواب علي إنقاذ مصر بسَنْ قوانين حول ازدراء الأديان التي ظهرت منذ سنوات قليلة فقط .. وعليهم ايضا وضع تعريف واضح لكلمة الإزدراء .. وكيفية عمل موازنة بين العقائد لكي لا تجور عقيدة علي غيرها فيُحسب عند طرف معين إزدراء , ولا يُحسب نفس الأمر إزدراء عند الطرف الأخر , ومسح الخطوط الحمراء التي لا يصح أن تُمس عند طرف معين , لكي لا نبتعد عن فكرة أن الدولة المصرية هي دولة مدنية حديثة .. لكن الذي نراه علي الأرض أن الدولة تتجه تدريجيا إلي دولة دينية سلفية وهابية .
الشوارع .. المصالح .. المواصلات .. المستشفيات .. الجامعات .. المدارس .. المسلسلات .. إلخ , "ما فيش مكان فيكي يا مصر إلا ونسمع سب الدين .. والغريب أن السباب يتم من شخصين من ديانة واحدة .. سب الدين الذي يُعتبر اكبر الكبائر يتداول بين الكثيرين من الأفراد و يلوكونه في افواهم كما يلوكون اللبان علنا امام الشرطة والناس وبدون إستحياء ... ولم نسمع أو نقرأ خبرا يتم فيه إتهام فرد من هؤلاء الفئة بالإزدراء .. لكن لو كان الذي سب من غير ديانة الأغلبية .. تقوم الدنيا ولا تهدأ .. ولا يهدأ بالها إلي أن يتم القصاص علي المعتدي , وتهجيره من بلدته وأهله .
هل الدولة تتجه نحو السلفية ؟؟ .. نعم , واضح من امور أخري تحدث من وقت إلي وقت أخر .. مثل رفض تعيين مديرة مدرسة فنية مسيحية , وعدم تمكينها للذهاب إلي المدرسة لكي تمارس عملها .. تحت ضغط مظاهرات من تلميذات المدرسة .. وما يثبت أيضا أن مصر تتجه نحو السلفية ,هذه الأحكام التي طالت حبس كل من الأستاذ البحيري والكاتبة فاطمة ناعوت بنفس التهمة وهي الإزدراء بالدين , مع العلم انهما من اكثر الشخصيات تدينا ووعيا. و واضح أن السلفية تزداد إنتشارا , وأن الحكومة تعطي الأولوية لهم , لكي تنال الرضا منهم و يرتاح بالها , علي حساب حياة الأقلية وألمسلمين الشرفاء .... !
سيدي الرئيس .. أحببت أن أدق ناقوس الخطر من خطورة ترك السلفيين يمرحون ويمسكون في اياديهم زمام الأمور في تسيير الحياة التي نحلم بها نحن الشعب المصري .. فقد قامت بلاد كانت من افقر الدول وأقل منا شأنا في العالم , والسبب الذي جعلت هذه الدول من أكبر دول العالم في جميع انواع الحياة العملية والأخلاقية , هو جعل الديانات امر خاص للفرد.
فكيف تزدهر دول لا تعرف عن الأديان السماوية شيئا ؟؟!! سؤال ما زلنا لا نستطيع أن نجاوب عليه ؟؟